9 أبريل، 2024 6:58 ص
Search
Close this search box.

الشيعة ..في المملكة العربية السعوديـة

Facebook
Twitter
LinkedIn

لا يـقصد من هذا الكتاب المطول لأحوال الشيعة في المملكة العربيةالسعودية ولمدة تزيد على (120) عـاماً ، خلال عهدين متلاحقين(العثماني والسعـودي) ، لا يـقصد منه المقارنة بين هذين العهدين ، ولاينـاقش الكتاب قضايا فكرية عقائدية ، ولا يهـدف الكتاب إثارة قضاياطائفية تزيد في الفرقة وتضع المزيد من الحواجز بين أتباع الدينالواحد والوطن الواحد. والكتـاب إنما خصص للدفاع عن المواطنينالشيعة في السعودية ، فلأنهم الفئة الأكثر حرماناً واضطهاداً فيالمجتمع السعودي ، حيث أدى الحرمان والاضطهاد إلى خلق توتراتأمنية مزمنة ، آن لها أن تنتهي ، وآن لطلاب الإصلاح من أبناءالسعودية الاهتمام بجذرها ومعالجته إذا كانوا يعملون فعلاً من اجلبناء وطن يشعر فيه كل أبنائه بالأمن والطمأنينة والاحترام.

لقـد اعد هذا الكتاب من اجل تحقيق غرضين أساسيين : الأول ـالتعـريف بالمواطنين الشيعة فـي السعودية تاريخاً وثقافة وهوية .. لأنهمرغم كثرتهم أريد لهم أن يكونوا مجهولين داخل وطنهم وخارجه لا يـكاديحس بهم أو يعرفهم احد وكأنهم غير موجـودين أصلا في هذه البلادوكان المطلوب منهـم تسيير الصناعات النفطية في مناطقهم بصمتحتـى لا يصيب الحرج العائلة المالكة حين يقـال : أن عدداً كبيراً منرعاياهم من الشيعـة . والهدف الثاني ـ تسليط الأضواء على معاناةالشيعة في ظل الحكم السعودي الحـالي القائم على تصورات طائفية.. والـدعوة إلى مساواة المواطنين واحترام خصوصيـة كل فئة ومذهبفي أقاليم السعودية المختلفة في التاريخ والثقـافة والعادات والطباعوالاقتصـاد بل وفي المناخ أيضا .

إن تـواجد الشيعة في المملكة السعودية ، أصبح اليوم من الظواهرشديدة الإثارة التي فرضت نفسها عـلى الباحثين والدارسين خاصةخلال الخمس عشرة سنة الأخيرة . وبعد أن كان الشيعة في المملكةأقلية لا تثير اهتمام احد بل لم يكن يشعر بوجودها الأقربون فضلاً عنالأبعدين ، وبعد أن كان الاستغـراب والدهشة يصدمان العديد منالناس حول أصل وجود هذه الأقلية في بلد تحكمه أقلية مذهبية أخرىبـدأ العالم ومنذ ت2 /1979 ، أي بعـد انتفاضة الشيعة ضدالاضطهاد الموجه إليهم يتابع تحركهم ويـدرس أحوالهم وظروفهموعلاقة ذلك بالاضطـراب السياسي وتأثيراته المستقبلية على كيانالمملكة بشكل عام .

وفـي خضم هذا التوجه والاهتمام المتزايد أثير الكثير من المسائلالمتعلقة بوجود الشيعة في أهـم منطقة في المملكة ليس حول معتقداتهموإنـما حول أساس تواجدهم ومناطق سكناهم وتاريخهم وظروفهموأحوالهم اليوم وعلاقاتهم بالسلطة الحاكمة التي تعاقبت على حكممناطقهم .

التشيـع مذهباً ليس جديدا في ما يعرف اليوم بالمنطقة الشرقية فيالمملكة العربية السعودية ، (الإحساء والقطيف) ، باتفـاق جميع منأرخ لها من الماضين والمعاصرين ولكنهم اختلفوا في تحديد المـدة التيدخلها التشيع ، هـل هي في عهد الرسول الأكرم أم في عهد الإمامعلي (ع) حيث يرى الشيعة إن التشيـع كان معروفاً في عهد الرسولالأكرم ، وان العـديد من الصحابة عرفوا بموالاتهم للإمام علـيويعتقدون أن أول من بذر بذور التشيع في مـا عرف قديماً بمنطقةالبحرين هو الصحابي أبان بن سعيـد بن العاص الأموي الذي ولاهالرسول الأكرم البحرين مسؤولاً عن بيت المال ، وكان أبان من الموالينللإمام علي فغرس بذور التشيع في المنطقـة ، وبعد وفاة الرسول الأكرملم يبايع أبــان أبا بكر بالخلافة حتى بايع الإمام علي نفسـه ، وتشيرالروايات التاريخية إلى أن سبب عزل أبان عن منصبة بعد وفاةالرسول مباشرة يعود إلى موقفه هذا . بيـد أن المؤرخين يقولون : إنالتشيع لم يكن معروفاً حتى خلافة الإمام علـي ، وان منطقة البحرينالقديمة اعتنقت التشيع في عهده ، وإنها شاركت الإمام في حروبهكلها (الجمل وصفين والنهروان) .

وأيـاً كان الأمر ، فان التشيع ليس جديداً على هـذه المنطقة وإنما عمرهيزيد على أربعة عشر قرنـاً ، ويثبت المؤرخون لهذه المنطقة إن رجالهامن الصحابة والتابعين والشعراء .. كانوا من الشيعة ، وهم أكثر مـنأن يذكروا .

ويـذكر المؤرخون ، إن قبائل الشيعة في (الإحساء والقطيف والبحرينالحالية) كانت من اشد الأنصار للإمام علي ، ولذلك كان يعتمد عليهافي حروبه أكثر من أي قبيـلة أخرى .. وذكروا أن الإمام علي كان لايعـدل بها أحدا من الناس ، كمـا كان كثير الثناء عليها ، ومن جملةمديحه لها في واقعة صفين قوله لرؤسـائها : انتم ورعي ورحمي .. انتمأنصاري ومجيبو دعوتي ..

وليـس هناك من شك في أن الغالبية العظمى من سكان الإحساءوالقطيف ، كمـا البحرين الحالية ، كانـوا شيعة موالين لأهل البيت منذعهد الإمام علي . وقد استمر تشبثهم بولائهم هـذا بعد وفـاة الإمامعلي وسيطرة الأمويين على الحكم الذين حاولوا ترسيخ أقدامهم فيالمنطقة ، إلا أنهم فشلوا في ذلك لكثرة المناوئين لهـم ولنزوح الكثير منالمعارضين للحكم الأموي إلى تلك المنطقة سواء من الحجاز أو منالعراق أو غيـرها .. ومن الثابت أن منطقتي الإحساء والقطيف كـانتابؤرة معارضة للدولة الأموية حتى انحلالها واستيلاء العباسيين علىالخلافة .

وكمـا حدث للأمويين ، فـان العباسيين أهملوا إقليم البحرين لاضطرابه، وكـانت ولايتهم عليه اسميـة ، وقد اتخذ العباسيون المنطقة منفـىللمعارضين ربما لكثرة المعارضة فيها ، ولم يكن لهذه المنطقة فـي نهايةالقرن الثالث الهجري أي علاقة بالخلافة العباسية .

وفـي هذه الفترة سيطر القرامطة على المنطقة وأمعنوا في الشيعة قتلاًوتحريفاً ، واستطاع (العيـونيون) الشيعة إنهاء حكم القرامطةوالإجهاز عليهم وحكموا المنطقة نحو (170) عاماً .

بـعد هذا ، سيطر البرتغاليون على المنطقة فـي أول استعمار غربيصليبي لمنطقة الخليج العربي فـاستنجد بالعثمانيين رغم الخلافالمذهبي ، فكـانت لهم الغلبة وحكموا المنطقة إلى أن أنهت قبيـلة بنيخالد الحكم العثماني وتحكم المنطقة ، وانـدمجوا مع الشيعة وتحولتكثير من أفرع قبيلتهم إلى جماعـات مستقرة تعتنق المذهب الشيعي .

ومنـذ عهد السعوديين بقي العنصر الشيعي مؤثـراً سكانياً واقتصادياًواستمر هذا الحال طوال العهد المصـري ثم السعودي الثاني حتىعودة العثمـانيين ثانية إلى المنطقة وحكمهم لها أكثر مـن أربعين عاماًإلى أن أجلاهم الملك عبد العزيز عنها .. طيلة هذه السنين كانت الغَلّبةالسكانية لصالح الشيعة حتـى وقتئذ .

بـناء على ما تقدم .. يظهر إن التشيع كان ولا يـزال المذهب الأول فيالمنطقة منذ دخول الإسلام إليها وحتى اليـوم ، ولا صحة للأقوالالمغرضة التي تقـول إن التشيع انتشر أو وفد من إيران بـل الصحيحهو عكس ذلك . فـأهل هذه المنطقة كانوا عنصراً مهماً فـي فتوحاتفارس وكانت الهجرة منهم إليها وليس العكس ، فضلاً عن أن المذهبالسّنـي كان هو المذهب الرسمي في إيران قبل قيام الدولـة الصفوية ،أي أن عمر التشيع في إيران لـم يزد عن خمسة قرون .

سـكنت منطقة الإحساء والقطيف والبحرين القديمة ، قبائل عربيةعديدة قبل الإسلام التي هاجرت مـن الحجاز ، وقبل أن يدخل الإسلامإلى المنطقـة وبحكم غناها وثروتها واتصالاتها بالأقوام المختلفة لأجلالتجـارة ، سكن فيها عدد من العناصر غير العربية وعدد محدود منالفرس الذين كانوا يحكمون المنطقة في جاهليتهـا ، إلا أن الغالبيةكانت من العرب . وحينما ظهر الإسلام اعتنـقه أهلها سلماً فكانتالمنطقة ثاني منطقة تدخل الإسلام بعد المدينة المنورة .

وتـدفقت على المنطقة بعد ظهور الإسلام قبائل امتزجت بالسكان ،وفـي الوقت نفسه هاجرت أعداد كبيـرة من العرب إلى العراق في العقدالثاني الهجـري في خلافة عمر بن الخطاب خاصة إلى البصـرةوالكوفة اللتين ابتنيتا حديثاً ، ولعل هذا مـا يفسر الوجود الشيعيالمكثف فيهما الذي بدا واضحاً في أواخر عثمان بن عفان .

إن كثـيراً من أسر الشيعة المتحضرة ترجع في أصولها إلى هذهالقبائل العربية ، وان كـان المتحضرون في كل بلاد الدنيا لا يهتمونبالأنساب والاعتـزاز بها ، وان العديد من سكان الإحساء والقطيفيعرفون أصولهم العرقية رغم إنهم لا يستطيعون إثبات هذا الانتماءبذكر اتصاله بفرع معروف من فروع القبائل العربيـة ، ويعتبر الباحثونإن هذا الأمر طبيعي جداً ، وهو إحدى صفات التحضر والاستقـرار . وبعكس هذا نجد البدو يعتزون بأنسـابهم ويعرفون أصولهم وكانتبادية الإحساء والقطيف تتلقف الكثير منهم وهم في اغلبهم سنّـةيفدون من وسط وغرب وجنوب الجزيرة العربية في حين كان السكانالحضر وعلى الدوام شيعة .

إن الشـيعة عرب في أصلهم ، وهم قسمان : قسم ينتمي إلى القبائلالعربية الأصلية القديمة التي كانت تقطن المنطقـة قبل الإسلام ،وقسـم ينتمي إلى أصول بدوية تحضرت واعتنقت المذهب الشيعي أوعوائل وفروع قبائل أغراها السكن والرفاه فوفدت من مدن ومناطقمختلفة إلى الإحساء والقطيف واندمجـت مع البقية وذابت عصبيتها .

معـظم المصادر العربية والأجنبية تجمع على إن شيعة الإحساءوالقطيف من ذوي الأصول العربيـة ، وإنهم سكان المنطقة الأصليينمنذ قرون طويلة .

وبـرزت في السنوات الأخيرة ، ادعاءات تقـول : إن الشيعة غير عربلأسباب طائفية وسيـاسية معروفة وكانت مثل هذه الادعاءات قد راحتقبل أن تصبـح البحرين إمارة مستقلة حيث طالب الشـاه الإيرانيالمخلوع بها ، وكان العداء السيـاسي مع إيران الشاه ومحاولة الأخيرالادعاء بتمثيلها لكل الشيعـة في البحرين بقسميهم العربي وهوالأكثرية والاقليـة ذات الأصول الأعجمية التي وفدت قبل قـرون أثناءسيطرة فارس عليها .. كـان هذا الجواب هو الذي دفع بالقليل منالكتَّاب إلى القول بأن الشيعـة غير عرب في حين تصدى لهم آخرونواثبتـوا عروبة البحرين من خلال عروبة التشيع والشيعـة وبالتالي عدمأحقية فارس في تمثيلهم .

وبـالنسبة لمنطقتي الإحساء والقطيف ، فأن احتكاكها بفارس كانضعيفاً عدا التوافق المذهبي ونـزوح جماعات من الشيعة إلى أقاليمفارس المأهولة بالعرب على امتداد ساحل الخليج الشرقيوبالخصوص إلى ما عرف سابقاً باسم إمارة عربستان ، ولم يثبتالمؤرخون كما لم يعهد السكان الشيعـة المحليون ، أن عناصر فارسيةاستوطنت هذه المنطقة بعـكس مناطق الخليج الأخرى حيث تتواجدأقليات إيرانية شيعية وسنية في الإمارات وقطر والكويت .

غيـر إن تصاعد الخلاف بين إيران بعد ثورتها على الشاه مع الحكومةالسعودية ، وعزف الأخيرة على الوتر القومي الذي سبق لها أن حاربتهبالعـزف على الوتر الديني في العهد الناصري ، هـو الذي سوغلبعض الطائفيين الطعن فـي عروبة الشيعة وعروبة التشيع أيضا .

إن قـضية التمييز الطائفي في السعودية كان يجب أن تكون محطاهتمام كل المخلصيـن والعاملين من اجل رفعة الوطـن ، وكان منالمفترض أن يدافع هؤلاء عن أبناء وطنهم وجلدتهم ، من اجل مصلحةالجميـع .. إلا أن هذا لم يحدث ـ يتأسف المؤلف ـ إلا في حدود ضيقةللغاية ، بل انخرط بعض المثقفين في مشروع السلطة الطائفـي ،وتجاهل بعضهم الآخر الموضوع ، حتى لا يورط نفسه في مشاكـلسياسية مع النظام ، ولـكن كانت هناك مجموعة من أبناء السعودية ـيقول المؤلف ـ رفضوا التمييز الطـائفي وحاربوه جهد إمكانهم بل ودفعبعضهم ثمن موقفه ذاك .

بـديهي ، الانتماء إلى طائفة لا يجعل المرء طائفياً ، فـالطائفية ليستمجرد انتماء وألا أصبح كل إنسان في السعودية بل وفي كل مكان منالعالم طائفياً .

كمـا إن دفاع المرء عن طائفته التي انتمى إليها بحكم الوراثة أو بحكمالتبني والاقتناع بفكرها ليس أمرا معيباً خاصة إذا كانت تلك الطائفةتتعرض لشتى أصناف القهـر والإذلال .. إلا إذا كان القصد من ذلكالدفـاع ، هضم حقوق المواطنين الآخرين ، مادياً ومعنوياً .

إن التمـييز الطائفي وليس الانتماء الطائفي أو الدفاع عن الطائفةالتي ينتمي إليها المواطن هــو الذي يجعل من الإنسان طائفياً . وقدحرص المؤلف على إيضاح معـالم سياسة التمييز الطائفي التيينتهجها الحكم السعـودي ضد المواطنين الشيعة ، ودعـا إلى إلغاء تلكالسياسة التي أحدثت توترات داخلية شديـدة وأثرت في الأوضاعالأمنية في أهم منطقة من مناطق السعودية .

إن دفـاع المواطن عن طائفته التي تتعرض للأذى ، دفاع عن النفس ،بــاعتباره أحد أفراد تلك الطائفة ، وهـذا أمر طبيعي جداً ، لأنالمواطنة في السعودية أخضعت منذ وصول العائلة السعودية إلىالحكم لمعيار مذهبي .. فـالمواطن الصالح بنظر تلك العائلة هو ذلكالمواطن الذي يتخلى عن هويته المذهبية لصالح هويتها هـي ، أما منيتمسك بهويته فلا يوثق به ولا يحق له حتى مجـرد المطالبة بحقوقالمواطنة .

مـن خلال هذه الرؤية ، جـرى التعامل مع العديد من أبناء السعوديةفنزعت حقوقهم الدينية والوطنية خاصة الشيعة الذين اعتبـروا أغلبيتهمفي مناطق النفط ذوي قيمة كمية ضئيلة .

والغـريب إن العديد من أركان النظام الطائفي في السعودية ـ التسميةللمؤلف ـ يعتبرون دفاع الشيعة عـن أنفسهم ودعوتهم لإلغاء سياسةالتمييز المنتهجة ضدهم عملاً طائفياً ، فأصبح التمييز الطائفـي للذينلا يملكون سلطة ولا قوة ولا مالاً ولا صوتاً .. طائفيين .. وأما أولئكالذين يمارسون الطائفية بـالقول والفعل ومن مركز القرار وهم في موقعالمسؤولية الوطنية .. أولئك الذين يعتبرون أنفسهم جنـوداً في الحربالطائفية التي أشعلوها خدمة لمصالح فئة أو عائلة .. أولئك الذينيملكون رسائل الإعلام وأسلحة القتل وأموال النفط ويحتكرون الفتاوىوالتحدث باسم الدين ، أولئك وحدهم هم الوطنيون الوحدويون ـ يعـلقساخراً المؤلف ـ .

إن الشـيعة في السعودية ورغم إنهم يتبعون المذهب الأثني عشريكالإيرانيين والعراقيين واللبنانيين وغيرهم ، إلا إنهم عرب وفي بعضالأحيان يسمون بـ (البـحارنة) نسبة إلى البحرين القديمة دلالة علىأصالتهم فـي هذه المنطقة وهم عرقياً قريبون من الشيعة في البحرين . ولفظة (البـحارنة) يطلقهـا الطائفيون للسخرية والانتقاص ، ومفـردالبحارنة بحراني ، وهي صيغة عربية صحيحة لـلانتساب ، فكل منسكن البحرين (الإحساء والقطيف والبحرين الحالية) فهو بحـراني ،ولان كل البحارنة تقريباً هم من الشيعة ، لـذا أصبحت الكلمة مرادفةفي المعنى للشيعي ، فـالبحراني تعني الشيعـي ، وتعنـي ساكنالمنطقة الأصلي إلا إنها تعطي بالنسبة للطائفيين معنـى دونياً تمييزياً، فـالبحراني الشيعي ابن المنطقة بالنسبة لهم هو غير العربـي الذييعني البدوي القبلي والسيد المسيطر .

إن المـآسي التي تعرض لها الشيعة في السعودية تبدو مقاومة طغيانالطائفية أمرا محتماً وواجبـاً شرعياً ومشروعاً ، بـل إن الواعين منأبناء الطائفة يرون ألا سبيل أمامهم لتحقيـق الحياة الحرة الكريمة إلابمقاومة سياسة التمييز الطـائفي والنظام الذي يرعى تلك السياسةويعتبرها إحدى أهم أركان مشروعة السياسي . و يعترف المسؤولونبوجود مشكلة تمثلها الأقلية المذهبية الشيعيــة السـاخطة على النظامالقائم ولكنهم لا يقرون بحقها فـي الدفاع عن نفسها وإعلانمظلوميتها .

لقـد كانوا ولا يزالون ينظرون إلى المشكلة باعتبارهـا قضية مؤجلةالحل وان الزمان كفيل بحلحلتها أو تجاوزها ، وقـد ثبت بأن تأجيلالحل أو التأخر عن المبادرة والسعي إليه من قبل المسؤوليـن وضعإعاقات جديدة أمام حلها فأصبحت مناطق تواجد الشيعة بؤراً للقلاقلوالاضطرابات خاصة فـي العقود الأربعة الماضية .

أراد الأمراء السعوديون معالجة الظواهر دون الاهتمام بخلفياتهاالتاريخية والاجتماعية والاقتصاديـة ، فتوجهت أنظارهم لوضع حلولآمنة لتـلك الظواهر ، وبـدا واضحاً إن الحكومة السعوديـة مصرة علىحل مشاكلها مع مواطنيها الشيعة بـاعتبار أن قضيتهم قضية أمنيةمقطوعة الجـذر يمكن حلها بالطرق السريعة عبر الاعتقالاتوالإعدامات والتعذيب وممارسة المزيد من التضييق في المجالالعقائـدي والمزيد من الحرمان في المجال الاقتصادي والمزيــد منالإبعاد لمجمل أبناء الطائفة الشيعية في المملكة عن الواقع الاجتماعيوالسيـاسي لعموم البلاد ، وذلك بإثارة النعرات الطائفيـة ليكون بقيةالمواطنين بمنأى عن التأثيـرات المعارضة التي يمكن أن تصل إليهم فيظل أجواء الانفتاح والتـلاقي .

ولـم تدخل القضية الشيعية منذ ولادتها مسار حل واقعي مقبول منالسلطة السياسية وأجهزتها الأمنية . كل ما كان يعني السلطة هوتأجيل حـل المشكلة ومعالجة الانشقاقات التي تظهر بين الحين والآخربفـرق المباحث والحرس الوطني . ولـلحق فأن عوامل عديدة ساعدتعلى تكريس معاناة الأقلية الشيعية في المملكة لا تـرجع كلها إلىالنظام السياسي القائم وان كان الأخير يتحمل الجزء الأعظم منالمسؤولية تجاهها ، وهـذا دفع بالمواطنين الشيعة لانتهاج أكثر منوسيلة بحثاً عن مسار يـؤدي في نهايته إلى الحـل . كما إن الكثير منالأطراف الشيعية الفاعلة ترى إن الحل لم يعد مرهوناً بالظروفالمحليـة فحسب بل وبالظروف الإقليمية والدولية أيضا . لـقد انتهجالشيعة بعد أن عجزوا عن تحقيق مطالبهم سبيل المعارضة السياسيةللنظام حيث ارتـأت أكثر زعاماتهم أن مشكلة الشيعة مع النظامالسعودي جزء من مشكلة الوطن الكليـة ، تلك المشكلة التـي خلقهانظام سياسي متخلف ـ على حد قول المؤلف ـ قائم على منهج فكريومذهبي أحادي البعد لا يعتمد على إرادة شعب ولا على قانون مكتوبتحكم البلاد بموجبه ولا يؤمن باستقلالية القضاء عن السلطـة التنفيذيةالتي يُطبق الأمراء عليها كامـلة . إن نظاماً بهذا الواقع المتخلف لايجحف من وجهـة نظر زعماء الشيعة حق عامة الشعب فحسب بلينسحـب إجحافه وظلمه ليخص طائفة معينة بمزيد من القهر والحرمانوالتمييز .

فـي ختام كتابه ، نبه المؤلف إلى حقيقة خطيرة هي انـه على الرغم منوجود خاصية لكل إقليم من أقاليم المملكة السعودية التي توحدترسمياً قبل كذا سنة .. فـان النزعة الانفصالية ضعيفة ولكنها موجـودة، يساعد على ذلك السياسات الحكومية نفسها .

فـالمضطهد لكونه من الحجاز أو لأنه ينتمي إلى مذهب التشيع فـيالشرق قد لا يشعر باحترام للكيـان السياسي القائم الذي لا يحترمخصوصيته أو الـذي يريد أن يلغي تلك الخصوصية بالقوة والجبــر .. ومن حق المواطن الذي يحرص على وحـدة البلاد أن يخشى أن يكونالسيف ، الذي وحدها هو نفسه الـذي ينفخ فيها الـروح الانفصاليةويجري كل ذلك تحت السطح ، فإذا مـا ارتفع سلطان القهـر الـذييعتبر عامل التوحيد الأول والأخير قد يكون مآل الشيعـة مثل مآلالاتحاد السوفياتي السابق والدولة اليوغسلافية .

الجميـع ـ يؤكد المؤلف ـ في السعودية يعي حقيقة إن الوحدة أفضل منالانفصال لكن الوحدة التي تعرّض حقوق شريحة واسعة من السكانإلى الخطر والضياع لا ينظر إليها باهتمام وتتفشى في المضطهدينالروح الانفصاليـة .. وهذا بالقطع موجود في مناطق الشيعة والحجازوربما في مناطـق أخرى من المملكة السعودية وليس هناك من حلولللقضاء على مثل الروح الآخذة في الانتشار إلا بالقضاء على عواملالتذمر وان يكون توحيـد المصالح والنفوس أهم من توحيد الأراضيبالقوةومن هنـا ينبع خطر ما تجره سياسة التمييز الطائفيوالمناطقي الحكومية .. إنها تجـرنا ـ الكلام للمؤلف ـ  إلى التشـرذموتؤجج في نفوس مواطنينا الروح الجاهلية الانفصالية ، رغـم إن العائلةالمالكة لا تزال تفاخر بأنها حققت الوحدة بالسيف ، ولكـن ألم يئن لهذاالسيف أن يوضع في غمده قبل أن يتحــول ضد السيـاف نفسه ؟

الكتـاب:

الشيعة في المملكة العربية السعودية، 2جـ ، تأليف : حمزة الحسن ،ط1 ، دار الساقي ، بيـروت ، 2010 ، 1036 ص

 

waleedkaisi@yahoo. com

[email protected]

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب