22 ديسمبر، 2024 6:55 م

الشيعة ..في المملكة العربية السعوديـة

الشيعة ..في المملكة العربية السعوديـة

لا يـقصد من هذا الكتاب المطول لأحوال الشيعة في المملكة العربية السعودية ولمدة تزيد على (120) عـاماً ، خلال عهدين متلاحقين (العثماني والسعـودي) ، لا يـقصد منه المقارنة بين هذين العهدين ، ولا ينـاقش الكتاب قضايا فكرية عقائدية ، ولا يهـدف الكتاب إثارة قضايا طائفية تزيد في الفرقة وتضع المزيد من الحواجز بين أتباع الدين الواحد والوطن الواحد. والكتـاب إنما خصص للدفاع عن المواطنين الشيعة في السعودية ، فلأنهم الفئة الأكثر حرماناً واضطهاداً في المجتمع السعودي ، حيث أدى الحرمان والاضطهاد إلى خلق توترات أمنية مزمنة ، آن لها أن تنتهي ، وآن لطلاب الإصلاح من أبناء السعودية الاهتمام بجذرها ومعالجته إذا كانوا يعملون فعلاً من اجل بناء وطن يشعر فيه كل أبنائه بالأمن والطمأنينة والاحترام.

لقـد اعد هذا الكتاب من اجل تحقيق غرضين أساسيين : الأول ـ التعـريف بالمواطنين الشيعة فـي السعودية تاريخاً وثقافة وهوية .. لأنهم رغم كثرتهم أريد لهم أن يكونوا مجهولين داخل وطنهم وخارجه لا يـكاد يحس بهم أو يعرفهم احد وكأنهم غير موجـودين أصلا في هذه البلاد وكان المطلوب منهـم تسيير الصناعات النفطية في مناطقهم بصمت حتـى لا يصيب الحرج العائلة المالكة حين يقـال : أن عدداً كبيراً من رعاياهم من الشيعـة . والهدف الثاني ـ تسليط الأضواء على معاناة الشيعة في ظل الحكم السعودي الحـالي القائم على تصورات طائفية .. والـدعوة إلى مساواة المواطنين واحترام خصوصيـة كل فئة ومذهب في أقاليم السعودية المختلفة في التاريخ والثقـافة والعادات والطباع والاقتصـاد بل وفي المناخ أيضا .
إن تـواجد الشيعة في المملكة السعودية ، أصبح اليوم من الظواهر شديدة الإثارة التي فرضت نفسها عـلى الباحثين والدارسين خاصة خلال الخمس عشرة سنة الأخيرة . وبعد أن كان الشيعة في المملكة أقلية لا تثير اهتمام احد بل لم يكن يشعر بوجودها الأقربون فضلاً عن الأبعدين ، وبعد أن كان الاستغـراب والدهشة يصدمان العديد من الناس حول أصل وجود هذه الأقلية في بلد تحكمه أقلية مذهبية أخرى بـدأ العالم ومنذ ت2 /1979 ، أي بعـد انتفاضة الشيعة ضد الاضطهاد الموجه إليهم يتابع تحركهم ويـدرس أحوالهم وظروفهم وعلاقة ذلك بالاضطـراب السياسي وتأثيراته المستقبلية على كيان المملكة بشكل عام .
وفـي خضم هذا التوجه والاهتمام المتزايد أثير الكثير من المسائل المتعلقة بوجود الشيعة في أهـم منطقة في المملكة ليس حول معتقداتهم وإنـما حول أساس تواجدهم ومناطق سكناهم وتاريخهم وظروفهم وأحوالهم اليوم وعلاقاتهم بالسلطة الحاكمة التي تعاقبت على حكم مناطقهم .
التشيـع مذهباً ليس جديدا في ما يعرف اليوم بالمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية ، (الإحساء والقطيف) ، باتفـاق جميع من أرخ لها من الماضين والمعاصرين ولكنهم اختلفوا في تحديد المـدة التي دخلها التشيع ، هـل هي في عهد الرسول الأكرم أم في عهد الإمام علي (ع) حيث يرى الشيعة إن التشيـع كان معروفاً في عهد الرسول الأكرم ، وان العـديد من الصحابة عرفوا بموالاتهم للإمام علـي ويعتقدون أن أول من بذر بذور التشيع في مـا عرف قديماً بمنطقة البحرين هو الصحابي أبان بن سعيـد بن العاص الأموي الذي ولاه الرسول الأكرم البحرين مسؤولاً عن بيت المال ، وكان أبان من الموالين للإمام علي فغرس بذور التشيع في المنطقـة ، وبعد وفاة الرسول الأكرم لم يبايع أبــان أبا بكر بالخلافة حتى بايع الإمام علي نفسـه ، وتشير الروايات التاريخية إلى أن سبب عزل أبان عن منصبة بعد وفاة الرسول مباشرة يعود إلى موقفه هذا . بيـد أن المؤرخين يقولون : إن التشيع لم يكن معروفاً حتى خلافة الإمام علـي ، وان منطقة البحرين القديمة اعتنقت التشيع في عهده ، وإنها شاركت الإمام في حروبه كلها (الجمل وصفين والنهروان) .
وأيـاً كان الأمر ، فان التشيع ليس جديداً على هـذه المنطقة وإنما عمره يزيد على أربعة عشر قرنـاً ، ويثبت المؤرخون لهذه المنطقة إن رجالها من الصحابة والتابعين والشعراء .. كانوا من الشيعة ، وهم أكثر مـن أن يذكروا .
ويـذكر المؤرخون ، إن قبائل الشيعة في (الإحساء والقطيف والبحرين الحالية) كانت من اشد الأنصار للإمام علي ، ولذلك كان يعتمد عليها في حروبه أكثر من أي قبيـلة أخرى .. وذكروا أن الإمام علي كان لا يعـدل بها أحدا من الناس ، كمـا كان كثير الثناء عليها ، ومن جملة مديحه لها في واقعة صفين قوله لرؤسـائها : انتم ورعي ورحمي .. انتم أنصاري ومجيبو دعوتي ..
وليـس هناك من شك في أن الغالبية العظمى من سكان الإحساء والقطيف ، كمـا البحرين الحالية ، كانـوا شيعة موالين لأهل البيت منذ عهد الإمام علي . وقد استمر تشبثهم بولائهم هـذا بعد وفـاة الإمام علي وسيطرة الأمويين على الحكم الذين حاولوا ترسيخ أقدامهم في المنطقة ، إلا أنهم فشلوا في ذلك لكثرة المناوئين لهـم ولنزوح الكثير من المعارضين للحكم الأموي إلى تلك المنطقة سواء من الحجاز أو من العراق أو غيـرها .. ومن الثابت أن منطقتي الإحساء والقطيف كـانتا بؤرة معارضة للدولة الأموية حتى انحلالها واستيلاء العباسيين على الخلافة .
وكمـا حدث للأمويين ، فـان العباسيين أهملوا إقليم البحرين لاضطرابه ، وكـانت ولايتهم عليه اسميـة ، وقد اتخذ العباسيون المنطقة منفـى للمعارضين ربما لكثرة المعارضة فيها ، ولم يكن لهذه المنطقة فـي نهاية القرن الثالث الهجري أي علاقة بالخلافة العباسية .
وفـي هذه الفترة سيطر القرامطة على المنطقة وأمعنوا في الشيعة قتلاً وتحريفاً ، واستطاع (العيـونيون) الشيعة إنهاء حكم القرامطة والإجهاز عليهم وحكموا المنطقة نحو (170) عاماً .
بـعد هذا ، سيطر البرتغاليون على المنطقة فـي أول استعمار غربي صليبي لمنطقة الخليج العربي فـاستنجد بالعثمانيين رغم الخلاف المذهبي ، فكـانت لهم الغلبة وحكموا المنطقة إلى أن أنهت قبيـلة بني خالد الحكم العثماني وتحكم المنطقة ، وانـدمجوا مع الشيعة وتحولت كثير من أفرع قبيلتهم إلى جماعـات مستقرة تعتنق المذهب الشيعي .
ومنـذ عهد السعوديين بقي العنصر الشيعي مؤثـراً سكانياً واقتصادياً واستمر هذا الحال طوال العهد المصـري ثم السعودي الثاني حتى عودة العثمـانيين ثانية إلى المنطقة وحكمهم لها أكثر مـن أربعين عاماً إلى أن أجلاهم الملك عبد العزيز عنها .. طيلة هذه السنين كانت الغَلّبة السكانية لصالح الشيعة حتـى وقتئذ .
بـناء على ما تقدم .. يظهر إن التشيع كان ولا يـزال المذهب الأول في المنطقة منذ دخول الإسلام إليها وحتى اليـوم ، ولا صحة للأقوال المغرضة التي تقـول إن التشيع انتشر أو وفد من إيران بـل الصحيح هو عكس ذلك . فـأهل هذه المنطقة كانوا عنصراً مهماً فـي فتوحات فارس وكانت الهجرة منهم إليها وليس العكس ، فضلاً عن أن المذهب السّنـي كان هو المذهب الرسمي في إيران قبل قيام الدولـة الصفوية ، أي أن عمر التشيع في إيران لـم يزد عن خمسة قرون .
سـكنت منطقة الإحساء والقطيف والبحرين القديمة ، قبائل عربية عديدة قبل الإسلام التي هاجرت مـن الحجاز ، وقبل أن يدخل الإسلام إلى المنطقـة وبحكم غناها وثروتها واتصالاتها بالأقوام المختلفة لأجل التجـارة ، سكن فيها عدد من العناصر غير العربية وعدد محدود من الفرس الذين كانوا يحكمون المنطقة في جاهليتهـا ، إلا أن الغالبية كانت من العرب . وحينما ظهر الإسلام اعتنـقه أهلها سلماً فكانت المنطقة ثاني منطقة تدخل الإسلام بعد المدينة المنورة .
وتـدفقت على المنطقة بعد ظهور الإسلام قبائل امتزجت بالسكان ، وفـي الوقت نفسه هاجرت أعداد كبيـرة من العرب إلى العراق في العقد الثاني الهجـري في خلافة عمر بن الخطاب خاصة إلى البصـرة والكوفة اللتين ابتنيتا حديثاً ، ولعل هذا مـا يفسر الوجود الشيعي المكثف فيهما الذي بدا واضحاً في أواخر عثمان بن عفان .
إن كثـيراً من أسر الشيعة المتحضرة ترجع في أصولها إلى هذه القبائل العربية ، وان كـان المتحضرون في كل بلاد الدنيا لا يهتمون بالأنساب والاعتـزاز بها ، وان العديد من سكان الإحساء والقطيف يعرفون أصولهم العرقية رغم إنهم لا يستطيعون إثبات هذا الانتماء بذكر اتصاله بفرع معروف من فروع القبائل العربيـة ، ويعتبر الباحثون إن هذا الأمر طبيعي جداً ، وهو إحدى صفات التحضر والاستقـرار . وبعكس هذا نجد البدو يعتزون بأنسـابهم ويعرفون أصولهم وكانت بادية الإحساء والقطيف تتلقف الكثير منهم وهم في اغلبهم سنّـة يفدون من وسط وغرب وجنوب الجزيرة العربية في حين كان السكان الحضر وعلى الدوام شيعة .
إن الشـيعة عرب في أصلهم ، وهم قسمان : قسم ينتمي إلى القبائل العربية الأصلية القديمة التي كانت تقطن المنطقـة قبل الإسلام ، وقسـم ينتمي إلى أصول بدوية تحضرت واعتنقت المذهب الشيعي أو عوائل وفروع قبائل أغراها السكن والرفاه فوفدت من مدن ومناطق مختلفة إلى الإحساء والقطيف واندمجـت مع البقية وذابت عصبيتها .
معـظم المصادر العربية والأجنبية تجمع على إن شيعة الإحساء والقطيف من ذوي الأصول العربيـة ، وإنهم سكان المنطقة الأصليين منذ قرون طويلة .
وبـرزت في السنوات الأخيرة ، ادعاءات تقـول : إن الشيعة غير عرب لأسباب طائفية وسيـاسية معروفة وكانت مثل هذه الادعاءات قد راحت قبل أن تصبـح البحرين إمارة مستقلة حيث طالب الشـاه الإيراني المخلوع بها ، وكان العداء السيـاسي مع إيران الشاه ومحاولة الأخير الادعاء بتمثيلها لكل الشيعـة في البحرين بقسميهم العربي وهو الأكثرية والاقليـة ذات الأصول الأعجمية التي وفدت قبل قـرون أثناء سيطرة فارس عليها .. كـان هذا الجواب هو الذي دفع بالقليل من الكتَّاب إلى القول بأن الشيعـة غير عرب في حين تصدى لهم آخرون واثبتـوا عروبة البحرين من خلال عروبة التشيع والشيعـة وبالتالي عدم أحقية فارس في تمثيلهم .
وبـالنسبة لمنطقتي الإحساء والقطيف ، فأن احتكاكها بفارس كان ضعيفاً عدا التوافق المذهبي ونـزوح جماعات من الشيعة إلى أقاليم فارس المأهولة بالعرب على امتداد ساحل الخليج الشرقي وبالخصوص إلى ما عرف سابقاً باسم إمارة عربستان ، ولم يثبت المؤرخون كما لم يعهد السكان الشيعـة المحليون ، أن عناصر فارسية استوطنت هذه المنطقة بعـكس مناطق الخليج الأخرى حيث تتواجد أقليات إيرانية شيعية وسنية في الإمارات وقطر والكويت .
غيـر إن تصاعد الخلاف بين إيران بعد ثورتها على الشاه مع الحكومة السعودية ، وعزف الأخيرة على الوتر القومي الذي سبق لها أن حاربته بالعـزف على الوتر الديني في العهد الناصري ، هـو الذي سوغ لبعض الطائفيين الطعن فـي عروبة الشيعة وعروبة التشيع أيضا .
إن قـضية التمييز الطائفي في السعودية كان يجب أن تكون محط اهتمام كل المخلصيـن والعاملين من اجل رفعة الوطـن ، وكان من المفترض أن يدافع هؤلاء عن أبناء وطنهم وجلدتهم ، من اجل مصلحة الجميـع .. إلا أن هذا لم يحدث ـ يتأسف المؤلف ـ إلا في حدود ضيقة للغاية ، بل انخرط بعض المثقفين في مشروع السلطة الطائفـي ، وتجاهل بعضهم الآخر الموضوع ، حتى لا يورط نفسه في مشاكـل سياسية مع النظام ، ولـكن كانت هناك مجموعة من أبناء السعودية ـ يقول المؤلف ـ رفضوا التمييز الطـائفي وحاربوه جهد إمكانهم بل ودفع بعضهم ثمن موقفه ذاك .
بـديهي ، الانتماء إلى طائفة لا يجعل المرء طائفياً ، فـالطائفية ليست مجرد انتماء وألا أصبح كل إنسان في السعودية بل وفي كل مكان من العالم طائفياً .
كمـا إن دفاع المرء عن طائفته التي انتمى إليها بحكم الوراثة أو بحكم التبني والاقتناع بفكرها ليس أمرا معيباً خاصة إذا كانت تلك الطائفة تتعرض لشتى أصناف القهـر والإذلال .. إلا إذا كان القصد من ذلك الدفـاع ، هضم حقوق المواطنين الآخرين ، مادياً ومعنوياً .
إن التمـييز الطائفي وليس الانتماء الطائفي أو الدفاع عن الطائفة التي ينتمي إليها المواطن هــو الذي يجعل من الإنسان طائفياً . وقد حرص المؤلف على إيضاح معـالم سياسة التمييز الطائفي التي ينتهجها الحكم السعـودي ضد المواطنين الشيعة ، ودعـا إلى إلغاء تلك السياسة التي أحدثت توترات داخلية شديـدة وأثرت في الأوضاع الأمنية في أهم منطقة من مناطق السعودية .
إن دفـاع المواطن عن طائفته التي تتعرض للأذى ، دفاع عن النفس ، بــاعتباره أحد أفراد تلك الطائفة ، وهـذا أمر طبيعي جداً ، لأن المواطنة في السعودية أخضعت منذ وصول العائلة السعودية إلى الحكم لمعيار مذهبي .. فـالمواطن الصالح بنظر تلك العائلة هو ذلك المواطن الذي يتخلى عن هويته المذهبية لصالح هويتها هـي ، أما من يتمسك بهويته فلا يوثق به ولا يحق له حتى مجـرد المطالبة بحقوق المواطنة .
مـن خلال هذه الرؤية ، جـرى التعامل مع العديد من أبناء السعودية فنزعت حقوقهم الدينية والوطنية خاصة الشيعة الذين اعتبـروا أغلبيتهم في مناطق النفط ذوي قيمة كمية ضئيلة .
والغـريب إن العديد من أركان النظام الطائفي في السعودية ـ التسمية للمؤلف ـ يعتبرون دفاع الشيعة عـن أنفسهم ودعوتهم لإلغاء سياسة التمييز المنتهجة ضدهم عملاً طائفياً ، فأصبح التمييز الطائفـي للذين لا يملكون سلطة ولا قوة ولا مالاً ولا صوتاً .. طائفيين .. وأما أولئك الذين يمارسون الطائفية بـالقول والفعل ومن مركز القرار وهم في موقع المسؤولية الوطنية .. أولئك الذين يعتبرون أنفسهم جنـوداً في الحرب الطائفية التي أشعلوها خدمة لمصالح فئة أو عائلة .. أولئك الذين يملكون رسائل الإعلام وأسلحة القتل وأموال النفط ويحتكرون الفتاوى والتحدث باسم الدين ، أولئك وحدهم هم الوطنيون الوحدويون ـ يعـلق ساخراً المؤلف ـ .
إن الشـيعة في السعودية ورغم إنهم يتبعون المذهب الأثني عشري كالإيرانيين والعراقيين واللبنانيين وغيرهم ، إلا إنهم عرب وفي بعض الأحيان يسمون بـ (البـحارنة) نسبة إلى البحرين القديمة دلالة على أصالتهم فـي هذه المنطقة وهم عرقياً قريبون من الشيعة في البحرين . ولفظة (البـحارنة) يطلقهـا الطائفيون للسخرية والانتقاص ، ومفـرد البحارنة بحراني ، وهي صيغة عربية صحيحة لـلانتساب ، فكل من سكن البحرين (الإحساء والقطيف والبحرين الحالية) فهو بحـراني ، ولان كل البحارنة تقريباً هم من الشيعة ، لـذا أصبحت الكلمة مرادفة في المعنى للشيعي ، فـالبحراني تعني الشيعـي ، وتعنـي ساكن المنطقة الأصلي إلا إنها تعطي بالنسبة للطائفيين معنـى دونياً تمييزياً ، فـالبحراني الشيعي ابن المنطقة بالنسبة لهم هو غير العربـي الذي يعني البدوي القبلي والسيد المسيطر .
إن المـآسي التي تعرض لها الشيعة في السعودية تبدو مقاومة طغيان الطائفية أمرا محتماً وواجبـاً شرعياً ومشروعاً ، بـل إن الواعين من أبناء الطائفة يرون ألا سبيل أمامهم لتحقيـق الحياة الحرة الكريمة إلا بمقاومة سياسة التمييز الطـائفي والنظام الذي يرعى تلك السياسة ويعتبرها إحدى أهم أركان مشروعة السياسي . و يعترف المسؤولون بوجود مشكلة تمثلها الأقلية المذهبية الشيعيــة السـاخطة على النظام القائم ولكنهم لا يقرون بحقها فـي الدفاع عن نفسها وإعلان مظلوميتها .
لقـد كانوا ولا يزالون ينظرون إلى المشكلة باعتبارهـا قضية مؤجلة الحل وان الزمان كفيل بحلحلتها أو تجاوزها ، وقـد ثبت بأن تأجيل الحل أو التأخر عن المبادرة والسعي إليه من قبل المسؤوليـن وضع إعاقات جديدة أمام حلها فأصبحت مناطق تواجد الشيعة بؤراً للقلاقل والاضطرابات خاصة فـي العقود الأربعة الماضية .
أراد الأمراء السعوديون معالجة الظواهر دون الاهتمام بخلفياتها التاريخية والاجتماعية والاقتصاديـة ، فتوجهت أنظارهم لوضع حلول آمنة لتـلك الظواهر ، وبـدا واضحاً إن الحكومة السعوديـة مصرة على حل مشاكلها مع مواطنيها الشيعة بـاعتبار أن قضيتهم قضية أمنية مقطوعة الجـذر يمكن حلها بالطرق السريعة عبر الاعتقالات والإعدامات والتعذيب وممارسة المزيد من التضييق في المجال العقائـدي والمزيد من الحرمان في المجال الاقتصادي والمزيــد من الإبعاد لمجمل أبناء الطائفة الشيعية في المملكة عن الواقع الاجتماعي والسيـاسي لعموم البلاد ، وذلك بإثارة النعرات الطائفيـة ليكون بقية المواطنين بمنأى عن التأثيـرات المعارضة التي يمكن أن تصل إليهم في ظل أجواء الانفتاح والتـلاقي .
ولـم تدخل القضية الشيعية منذ ولادتها مسار حل واقعي مقبول من السلطة السياسية وأجهزتها الأمنية . كل ما كان يعني السلطة هو تأجيل حـل المشكلة ومعالجة الانشقاقات التي تظهر بين الحين والآخر بفـرق المباحث والحرس الوطني . ولـلحق فأن عوامل عديدة ساعدت على تكريس معاناة الأقلية الشيعية في المملكة لا تـرجع كلها إلى النظام السياسي القائم وان كان الأخير يتحمل الجزء الأعظم من المسؤولية تجاهها ، وهـذا دفع بالمواطنين الشيعة لانتهاج أكثر من وسيلة بحثاً عن مسار يـؤدي في نهايته إلى الحـل . كما إن الكثير من الأطراف الشيعية الفاعلة ترى إن الحل لم يعد مرهوناً بالظروف المحليـة فحسب بل وبالظروف الإقليمية والدولية أيضا . لـقد انتهج الشيعة بعد أن عجزوا عن تحقيق مطالبهم سبيل المعارضة السياسية للنظام حيث ارتـأت أكثر زعاماتهم أن مشكلة الشيعة مع النظام السعودي جزء من مشكلة الوطن الكليـة ، تلك المشكلة التـي خلقها نظام سياسي متخلف ـ على حد قول المؤلف ـ قائم على منهج فكري ومذهبي أحادي البعد لا يعتمد على إرادة شعب ولا على قانون مكتوب تحكم البلاد بموجبه ولا يؤمن باستقلالية القضاء عن السلطـة التنفيذية التي يُطبق الأمراء عليها كامـلة . إن نظاماً بهذا الواقع المتخلف لا يجحف من وجهـة نظر زعماء الشيعة حق عامة الشعب فحسب بل ينسحـب إجحافه وظلمه ليخص طائفة معينة بمزيد من القهر والحرمان والتمييز .
فـي ختام كتابه ، نبه المؤلف إلى حقيقة خطيرة هي انـه على الرغم من وجود خاصية لكل إقليم من أقاليم المملكة السعودية التي توحدت رسمياً قبل كذا سنة .. فـان النزعة الانفصالية ضعيفة ولكنها موجـودة ، يساعد على ذلك السياسات الحكومية نفسها .
فـالمضطهد لكونه من الحجاز أو لأنه ينتمي إلى مذهب التشيع فـي الشرق قد لا يشعر باحترام للكيـان السياسي القائم الذي لا يحترم خصوصيته أو الـذي يريد أن يلغي تلك الخصوصية بالقوة والجبــر .. ومن حق المواطن الذي يحرص على وحـدة البلاد أن يخشى أن يكون السيف ، الذي وحدها هو نفسه الـذي ينفخ فيها الـروح الانفصالية ويجري كل ذلك تحت السطح ، فإذا مـا ارتفع سلطان القهـر الـذي يعتبر عامل التوحيد الأول والأخير قد يكون مآل الشيعـة مثل مآل الاتحاد السوفياتي السابق والدولة اليوغسلافية .
الجميـع ـ يؤكد المؤلف ـ في السعودية يعي حقيقة إن الوحدة أفضل من الانفصال لكن الوحدة التي تعرّض حقوق شريحة واسعة من السكان إلى الخطر والضياع لا ينظر إليها باهتمام وتتفشى في المضطهدين الروح الانفصاليـة .. وهذا بالقطع موجود في مناطق الشيعة والحجاز وربما في مناطـق أخرى من المملكة السعودية وليس هناك من حلول للقضاء على مثل الروح الآخذة في الانتشار إلا بالقضاء على عوامل التذمر وان يكون توحيـد المصالح والنفوس أهم من توحيد الأراضي بالقوة … ومن هنـا ينبع خطر ما تجره سياسة التمييز الطائفي والمناطقي الحكومية .. إنها تجـرنا ـ الكلام للمؤلف ـ إلى التشـرذم وتؤجج في نفوس مواطنينا الروح الجاهلية الانفصالية ، رغـم إن العائلة المالكة لا تزال تفاخر بأنها حققت الوحدة بالسيف ، ولكـن ألم يئن لهذا السيف أن يوضع في غمده قبل أن يتحــول ضد السيـاف نفسه ؟
الكتـاب:
الشيعة في المملكة العربية السعودية، 2جـ ، تأليف : حمزة الحسن ، ط1 ، دار الساقي ، بيـروت ، 2010 ، 1036 ص

waleedkaisi@yahoo. com
[email protected]