البعضُ يعتقدُ أنّ مصير شيعة العراق والمنطقة مرتبطٌ بقوّة أو ضعف فوز الديمقراطيين أو الجمهوريين في الولايات المتحدة الأمريكية ، لكنّ الواقعَ أبعدُ من ذلك بكثيرٍ؛ فلا يوجد في السياسة الأمريكية «حمامة سلام».
إنّ تاريخ الولايات المتحدة، بدءا من الحرب العالمية الثانية ، ومروراً بالحرب الباردة التي انتهت بتفكك الاتحاد السوفيتي، يُظهرُ أنّ المفكِّرين ومراكز الدراسات الأمريكية ، مثل (صموئيل هنكتن، وفرانسيس فوكو ياما) متّفقون على ضرورةِ سيطرة أمريكا على المنطقة، وعلى عدم السماح بنهضةِ الشيعة فيها.
تشيرُ دراساتهم المكثّفة إلى أنّ الأيديولوجيا التي يتبناها الخطّ الإسلاميّ الثوريّ تشكّل عائقاً أمام أهدافِهم، مؤكّدين أنّ على الولايات المتحدة مواجهتها بأيِّ ثمنٍ، كما يعتبرونَ «نهضة الشيعة» أحدَ أهمَّ الأخطار، من وجهة نظرهم، التي تهدد المصالح الأمريكية والوجود الإسرائيليّ في المنطقةِ.
ما إنْ انهار الاتحاد السوفيتي حتى ترسَّختْ عقيدةُ اليمين المتطرّف الصهيونيّ في امريكا وأوروبا بأنّ الفرصةَ أصبحتْ مؤاتيه أكثر بأنْ تزرع أمريكا أنيابها في العالم الاسلاميّ، وأنْ تتفرَّغ لتسديدِ الضربة الكبيرة للثورة الاسلامية الايرانية؛
ومن هنا رفعت أمريكا مشروع (الشرق الأوسط الكبير) الذي يعني اندماج الكيان الإسرائيليّ بالعالم العربيّ والاسلاميّ عبر التطبيع والتركيع والقتل والتجويع ؛ ولأجله فلا بدّ من تغيير الخريطة في المنطقة، وهو ذات الشعار الذي رفعه نتنياهو وبايدن خلال طوفان الأقصى.
خلاصةُ القول: لا يختلفُ الديمقراطيّ عن الجمهوريّ في الثوابت الصهيونية، ولا يختلف الشيعة في ثوابتهم النهضوية المقاومة، مهما امتدتِ الليالي، وتقادمتِ الأيامُ، فنحن وهم في معركةٍ قائمةٍ وجوديةٍ، إمّا أنْ نكونَ فيها، أو لا نكون، ونحن نعلم بهذا وهم يعلمون .
الشيعة لا يقبلون بعد اليوم التراجع، وأنْ يكونوا عبيداً، ولا يقبلون بأيِّ مكانةٍ أو مكان لهم إلّا في قلبِ العالم، ومن هنا فهم اليوم يتموضعون في قلب العالم، ويرسمون القادم من المنظومة الدولية بأيديهم وينحتون مكانتهم بين صخور التعقيدات الدولية، ولأجل الأهداف الاستراتيجية يحملون سلاحهم، وأمريكا تعرف وتعترف أنّ المنهج الشيعيّ لا يقبل التراجع .
نعم قد انتهى زمن الهُمل والاستكبار، إنه عصر الرساليين والمستضعفين الأبطال، وقد ولّى عهد الاستكبار؛ وعليه وفق جدلية الصراع لا فرق بين قذارة اليمين واليسار الأمريكيّ، إلّا في لون الخداع.