يظل للقهوة العربية نكهتها العطرة .. ويظل لتقاليد اعدادها.. واعراف تقديمها.. وطريقة تناولها..طقوسا خاصة. وقد تفنن في إعدادها، الكثير من القهوجية، والكثير من الهواة.
ولعل من المناسب الإشارة في هذا المجال، إلى أن الشيخ مطلك الصالح الحسن الحمادة، رحمه الله تعالى ، قد تميز بشكل خاص في إعدادها، في ديوانه في قرية نصف تل، منذ خمسينات القرن الماضي، حتى أواخر السبعينات منه،وذلك بما تراكم لديه من خبرة تلقاها عن اسلافه جيلاً بعد جيل.
وهــو قد اعتاد أن يعملها شبت الضحى.. والعصر.. والمساء من كل يوم.. حيث يقوم بتحميص حب البن بالمحمس على نار موقد الجلة، او الحطب في المنقل.. ثم يفرغها من المحمس إلى المبرد الخشبي.. ويتركها برهة من الزمن حتى تبرد.. ويضعها في النجر.. ثم يدقها بمهباش النجر.. ويسحنها بنعومة عالية.. بعد ان يضيف لها الهيل لسحنه معها.. ويتخلل سحنها، عادة، دق النجر على الجانبين ثلاث مرات على التوالي.. ليصدح صدى صوت النجر عالياً، ويتردد بعيداً في الأرجاء.. ويكاد يسمعه الجيران، والمارة، وعابري السبيل.. في إشارة اعتادت الدواوين على العمل بها عند إعداد القهوة.. كأنها تدعوا الربع إلى الديوان لتناول فنجانهم من القهوة، على قاعدة( دك الكهوة وثولث النجر بالصوت..ياتوك ربع ما نهوى بدالهم)،حيث يكتض المجلس في الديوان بالربع عندئذ، ويتصاعد ضول الرفاكة بالهرج ، الذي يقول فيه الأديب سهيل الجغيفي :
وجدي على ضول الرفاكة مع الدار…… يوم الإعذيبي بالمرابع هفاهيف
ثم يقوم بعد ذلك بغلي مسحوق القهوة الممزوج بالهيل في دلة الشربت.. ثم بسكبه في دلة أخرى تغلي حتى تتجانس، وتأخذ المذاق الخاص بها.. يقوم بعد ذلك بسكبها في دلة ثالثة هي الجوزة.. ليقوم بصبها في الفنجان للربع، بعد أن يتذوق اول فنجان منها.. للتأكد من جودة إعدادها.. حيث يقوم بعد ذلك بصبها بالفنجان للحضور من مرتادي الديوان من الربع، والضيوف، وعابري السبيل..وأتذكر منهم العارفة كندير.. ومحمد العبيد الضاحي.. والملا ضيف الإحميد..
ولتفرده بمهارة إعداد القهوة.. كان الجمهور يطلب منه عملها بيده، عندما نكون في ضيافة الآخرين.. واتذكر اننا كلما زرنا خؤولتنا الوجهاء الأكارم المحمد العبدالله العجل اخوات العاجر في ديوانهم بقرية الحكفة يومذاك.. كانوا يصرون على أن يقوم الشيخ مطلك بإعداد القهوة للربع في ذلك اليوم بنفسه .. حيث يحظى الفنجان الذي يعده بإعجابهم.
هكذا كانت القهوة العربية تحظى باهتمام جمهورها .. وهكذا كنا نتذوقها في مجالس الدواوين.. الى ان أتت عليها تداعيات العصرنة ببدائلها من القهوة المعلبة.. التي لا ترقى أبدا إلى نكهة، ومذاق القهوة العربية الخالية من الكيماويات الحافظة ..إنها قهوتنا العربية الأصيلة، التي كنا قد اعتدنا على تناولها في دواويننا العامرة بالأهل والربع والضيوف، في تلك الأيام الخوالي من أيام الزمان الجميل..