18 ديسمبر، 2024 6:12 م

الشيخ محمد علي اليعقوبي

الشيخ محمد علي اليعقوبي

وعادت الناسُ للأَصنامِ تَعْبُدُها
مِن حطة النَّاسِ لا مِن رِفْعَةِ الصَّنَمِ

هذا البيت المشهور الذي يتداوله الناس ، ويجهلون شاعره ، هو للشيخ محمد علي اليعقوبي ( المتوفى ١٩٦٥ ) عميد جمعية الرابطة الادبية في النجف والتي ضمت اهم الوجوه الادبية فيها ٠ وله ديوان مشهور اسمه : المغرب العربي ، تغنى فيه بثورة الجزائر وكفاح ليبيا وتونس ومراكش ( المغرب ) من اجل الاستقلال ٠ وله كذلك قصائد كثيرة عن فلسطين وسوريا والسويس ( ١٩٥٦ ) ، فضلا عن ديوانه – والذي طُبع الجزء الاول منه عام ١٩٥٧ و الجزء الثاني عام ٢٠١٢ – وديوانين في اهل البيت ورثائهم ٠ واثرى المكتبة العربية بعدد وافر من المؤلفات والمراجع والتحقيقات اشهرها : البابليات ( اربعة اجزاء ) عن شعراء الحلة وادبائها والحركة الادبية فيها واشهر احداثها ، كما قام بتحقيق ونشر ستة دواوين شعرية لعدد من الشعراء ٠ وهو اول من لُقب بشيخ الخطباء في النجف بل في العراق كله ٠
الجدير بالذكر ان احد الادباء استعار مخطوطة من مؤلفات اليعقوبي والتي لم تكن قد طُبعت بعدُ ، وقام باستنساخها ، واضاف لها ما اضاف ، ثم قام بطباعتها باسمه ودون ان يشير لاسم اليعقوبي ٠ وليته اكتفى بذلك ، انما ظل ينال من الشيخ بمناسبة وبغير مناسبة ٠
كتب كثيرون عن اليعقوبي ، منهم د٠ عثمان سعدي ( سفير الجزائر في بغداد ) في كتابه المهم والذي ارجو ان تُعيد وزارة الثقافة العراقية طباعته : الثورة الجزائرية في الشعر العراقي ( جزءان ) ٠ وقيل ان كاتب النص هو الشاعر العراقي المشهور عبد الوهاب البياتي والذي كان صديقا حميما لعثمان سعدي ( وقد ضم الكتاب – والذي طبع ببغداد ١٩٨١ – ١٠٧ شاعرا وشاعرة و٢٥٥ قصيدة ، وقد قرأته في سجن ابي غريب عام ١٩٨٤ ) ٠ وكتب عنه ايضا د عبد الهادي التازي الاديب المغربي وسفير المغرب في بغداد في الستينات ٠ وممن كتبوا عنه : الدكتور محمد بحر العلوم رحمه الله ( طُبع الكتاب عام ١٩٦٧ ) وارجو من صديقي العزيز الدكتور ابراهيم بحر العلوم ان يُعيد طباعته ، وكذلك جعفر الخليلي في موسوعته الشهيرة : هكذا عرفتهم ، والشهيد السيد جواد شبر في موسوعته ادب الطف ( الجزء العاشر ) ، والدكتور الصغير في ( فلسطين في الشعر النجفي المعاصر ) ، والسيد محسن الامين ، وكثيرون غيرهم ٠ ولعل افضل دراسة ادبية عنه كانت رسالة ماجستير من جامعة الازهر – عام ١٩٧٨ – عنوانها : الشيخ اليعقوبي دراسة نقدية في شعره للدكتور عبد الصاحب الموسوي ( رحمه الله ) وقد طبعت في كندا عام ١٩٩٥ ٠
قال عنه معجم البابطين : “شعره غزير، تناول أغراضًا عديدة فيها روح التجديد، فهو من رواد النهضة الأدبية الحديثة في العراق، تناول شعره مختلف الأغراض الدينية والقومية والاجتماعية، ويغلب على شعره الدعوة الإصلاحية، له ثنائيات أكثر انتشارًا وتداولاً لعفويتها وسخريتها السياسية اللاذعة. أولى القضية الفلسطينية عناية خاصة فأوقف كثيرًا من شعره عليها. شعره حسن السبك، متين الأسلوب، ولغته سلسة تميل إلى التقرير، ويهتم بمعانيه وموضوعاته فهي واضحة متعددة، أما بلاغته فتقليدية.” ( شعراء النجف في معجم البابطين – الكويت ٢٠١٢ – ص ٢١٤ ) ٠ وبالمناسبة فان هذا الكتاب ورغم تراجمه المبتسرة وخلوه من الشواهد الشعرية فانه عمل رائع وجهد كبير ٠
للاسف ان الحكومات المتعاقبة لم تكرم اليعقوبي ، ولم تطلق اسمه على شارع او مدرسة ، ولم توشح طابعا بريديا بصورته ، مع انه كان صوت الشعب وضميره ، وكان شعره سجلا لكفاحه وقضاياه ، فعندما طالبت تركيا بالموصل ، قال مخاطبا المجلس التأسيسي :
يا أيها الـــنواب صونوا شعبكم
بالاتـــحاد وبالحجى والبـــاسِ ِ
الموصل الحدباء رأس بلادكم
والجسم يفنى بعد قطع الراسِ

ومن أشهر قصائده التهكمية والساخرة في المجالس النيابية ما قاله في منتصف الثلاثينيات :
أرأيت في بــغداد مجلسنا الذي
أخذت مقاعدها به النــــــوابُ
نصبت على تلك الكراسي التي
فيها هياكل كلّهــا أنصــــــابُ
نجحوا وأسباب النجــاح كثيرةٌ
في الانتخاب، وبئست الأسبابُ
رضيت نفوسهم بنيل مرارهـــا
وجميع أبناء البلاد غضـــابُ
ما ضرّهم،وقصورهم فيما ازْ
دهت معمورة، إنّ البلاد خـرابُ
سيطول موقفهم إذا ما حوسبوا
حيث الجرائم ما لهنّ حســـابُ
ومن الأمور المستحيلة أنّــه
ينجو القطيع، وحارسوه ذئـــابُ

وله ايضا :
للانتخابات قـــــــــامت معـــــاركٌ ومعامعْ
لكلّ حزبٍ هـتـــــــافٌ تستك منه المسامعْ
فللشباب طمــــــــــوحٌ و(للشيوخ) مطامعْ
سوق الضمـائر فيها مابين شارٍ وبائــــعْ

وقال معرضا بالفساد :
آلا قل للوزارة وهي تبغي
مكافحة الجراد عن البــــلادِ
فهلا كافحت في الحكم قوماً
أضرّ على البلاد من الجرادِ

الا ان تعريضه الاقذع بالفساد ، كان بعد ان اغلق الجمالي دور البغاء :
قالوا ببغداد الجمـــــالي قد محى منازل قد كانت بهنّ العواهرُ
فإنْ طهرت تلك المنازل لم تكن لتطهر من ابنائهنّ الدوائـــــُر

الشيء بالشيء يُذكر ، كنتُ ابحثُ في مكتبة الامام الحكيم العامة في النجف – عام ٢٠٠٧ – عن كتاب نادر ( دراسات ادبية لغالب الناهي – مطبوع ١٩٥١ ) ، واذا بطالب دراسات عليا من جامعة الكوفة ، ورسالته للماجستير عن اليعقوبي ٠ الغريب انه لم يقرأ عنه في حياته سطرا ولا يحفظ له بيتا ، ويريد ان يكتب عن هذه القامة الادبية الكبيرة ٠
قلتُ له هل تعرف صندوق اليعقوبي ٠٠٠ هل سمعت به ؟ قال : لا ، فقلتُ له : اكتب عن موضوع آخر ، دع هذا الرجل لغيرك !! وافترقنا ، ولا ادري هل كتب عنه ام لا ٠ وهذه من اكبر مصائب التعليم العالي في العراق ، اذ يتصدى للدراسات العليا مَن لايملك موهبة الباحث ولم يقرأ في حياته كتابا وليس عنده نزعة المثقف ٠
اما صندوق اليعقوبي ، فهو ما كان يدخره اليعقوبي من نصوص ووثائق ومخطوطات نادرة لا يملكها غيره، وقد كتب عنه بعض الأدباء، حتى ان الكاتب المعروف توفيق الفكيكي اصدر كتابا اسماه : صندوق اليعقوبي مطارحات ادبية.