سيرة ومواقف
القسم الثالث
وكانت الاجازات العلمية تعطى للطلاب الذين يكملون المرحلة الدراسية، وتهيئهم عند ذلك كي يقوموا بالتدريس والخطابة والوعظ، فكان يجتمع لشهود تلك الاجازات علماء البلدة وأعيانها. وكانت الاجازات هذه تكتب بيد الشيخ أو الملا يعترف فيها بتدريسه علوماً معينة للطالب المجاز على أساس الرواية التي أخذها عن أسلافه من العلماء. (محسن عبد الحميد، الآلوسي مفسراً، ص36).
وبعد دراسة السيد عبد الحميد لعدة سنوات (دوازده عيلم- 12 علم) منح الاجازة العلمية من قبل الملا عثمان محمد الجبوري سنة1968م في حفلة أقيمت في مسجده الكائن في مدينة الموصل، وكان الشيخ عبدالحميد قد ألقى أول خطبة جمعة في مسجد قضيب البان عام1966م في الموصل، وبعدها تم تعيينه من قبل الشخصية الموصلية حجي سعدون في مسجده الذي يحمل اسمه.
وفي السنوات 1969- 1971م دخل المعهد الاسلامي في محلة النبي شيث في الموصل تحت اسم المدرسة الاحمدية الدينية الوقفية التابعة لرئاسة ديوان الاوقاف و تخرج منها في الشهر الثامن من عام 1971م، بعدها انتقل الى بغداد للدراسة في كلية الامام الاعظم (= كلية الشريعة) وبعد دراسة خمس سنوات (1971 – 1972م/1976- 1977م)، حصل على شهادة البكالوريوس في الشريعة الاسلامية، وكان من أقرانه في الكلية كل من: الشيخ الدكتور علي محيي الدين القره داغي الامين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والملا محمد بن الملا أحمد العقري رئيس اتحاد علماء الدين الاسلامي السابق في كردستان العراق، الملا مصطفى حسن الريكاني( المتوفى سنة 1433هـ/2022م)، الملا مهدي الزيباري( المتوفى سنة1423هـ/ 2020م)، وآخرون. وكان من أساتذته في الكلية كل من: الدكتور حمد عبيد الكبيسي، الدكتور أحمد الكبيسي، الدكتور هاشم جميل، الدكتور حارث الضاري، الدكتور محمد رمضان، وآخرون.
وكان السيد عبدالحميد قد درس علوم اللغة العربية والفقه الشافعي على يد كل من العلامة عبدالكريم المدرس(1905 –2005م) في الحضرة الكيلانية في بغداد، ودرس العلوم الاسلامية على يد الملا عبدالمجيد ملا عبدالله ملا عبدالكريم( 1920 -1994م)، وحاز منه على الاجازة العلمية الثانية بعد إجازته الاولى في مدينة الموصل على يد الشيخ عثمان محمد الجبوري.
وتجدر الاشارة إليه أن السيد عبدالحميد درس علوم اللغة العربية من النحو والصرف والبلاغة وغيرها على يد العلامة الموصلي الشيخ بشير الصقال رحمه الله، وعلامة العراق عبدالكريم المدرس رحمه الله كما أسلفنا؛ وهذا ما جعله ملماً بعلوم اللغة العربية ومتفوقاً على أقرانه في هذا المجال، وهذا لا يقلل من أستاذيته في المذهبين الفقهيين: الشافعي بحكم دراسته في كردستان والموصل وبغداد، والحنفي بحكم عمله في الدراسة والوعظ والخطابة في كل من الموصل وبغداد بحكم كون غالبية علمائها على المذهب الحنفي الذي كان مذهب الدولة الرسمي أيام الدولة العثمانية حتى انتهاء حكمها على العراق عام1918م، وبداية الحكم الوطني من 1920م لغاية سقوط بغداد بيد الاحتلال الامريكي عام2003م.
وكان الشيخ عبدالحميد أثناء دراسته الجامعية يلقي الخطب في جامع الحيدرخانة في بغداد، وبعد تخرجه تم نقله الى جامع الفضل بصفة إمام وخطيب، وبقي فيه الى عام 1982م، حيث طلب نقله الى مسقط رأسه في محافظة دهوك؛ إثر تعرضه لضغوط عديدة من جانب وزارة الاوقاف العراقية آنذاك للاشادة بالرئيس العراقي السابق صدام حسين أثناء القاء خطب الجمعة، وخاصة والحرب العراقية – الايرانية كانت في أوجها.
وفي سنة 1978م قبل الشيخ عبد الحميد في قسم المخطوطات وتحقيق النصوص في كلية الآداب/ الجامعة المستنصرية، وتخرج منها سنة 1980م بحصوله على شهادة الدبلوم العالي، بإشراف الاستاذ الدكتور صلاح الدين الناهي.
وكان نتاج ذلك هوتحقيقه لكتاب( أحكام الصغار) للفقيه الحنفي محمد بن محمود بن حسين الاسروشني(المتوفى سنة632هـ/) الذي يعد من أهم نتاجاته العلمية.
ومؤلف الكتاب هو محمد بن محمود بن حسين، مجد الدين الأسروشني: فقيه حنفي، نسبته إلى (أسروشنة) الواقعة شرقي سمرقند. وأُسْروشَنَة، أو أشروسنة، أو سروشنة، الاسم القديم لمنطقة في ما وراء النهر الواقعة بين سمرقند و نهر سيحون، و قد تبقت الآن منها آثار بالقرب من خجند فيطاجيكستان، ويرى المستشرق الروسي فاسيلي بارتولد (1869 – 1930م) أن الأطلال القائمة بالقرب من موضع يدعى شهرستـان في الجنوب الغربـي من أوراتبه، تعـود إلى أسروشنـة.
وذكر اسم أسروشنة في القرون الماضية وفي المصادر المختلفة بأشكال مختلفة. وقد ذكرتها المصادر الفارسية القديمة بهذه الصورة، أو سروشنة، و لكن أقدم مصدر عربي ذكرت فيه هذه المنطقة استناداً إلى المصادر المتوفرة هو صورة الأرض للخوارزمي، حيث ذكرها باسم أُشروسنة. و بعد ذلك تكرر هذا الاسم في المصادر الجغرافية والتاريخية وخاصة في القرون الأولى (البلاذري، ابن خرداذبه، ابن قدامة، الإصطخري، البتاني). وكان ياقوت الحموي قد موضعها في بلاد ما وراء النهر دون أن يحدد موقعها مثلما فعلت المصادر التاريخية والجغرافية التي سبقته، وكان القائد الاسلامي المشهور قتيبة بن مسلم الباهلي هو الذي فتحها سنة 85هـ.
للاسروشني عدة مؤلفات منها: كتاب الفصول وهو مخطوط في المعاملات، ضمه ابن قاضي سنماونة إلى كتاب (الفصول) للعمادي، وسماهما (جامع الفصولين – مطبوع)، و(أحكام الصغار – مطبوع) في الفروع، و(الفتاوي – مخطوط) و(قرة العينين في إصلاح الدارين – مخطوط).
والكتاب يشمل كل ما يخص الصغار من أحكام كالطهارة والعبادات، والأحوال الشخصية (النكاح، الرضاع، الميراث…)، والمعاملات والحدود وغيرها، وهو بهذا يعد موسوعة متكاملة تشمل الأحكام المتعلقة بالصغار، ولقد سبق المؤلف عصره في تأليفه لهذه الموسوعة التي سبقت القوانين والتشريعات التي كتبت بعدها بقرون، ولقد أحسن الشيخ الاختيار عند ما تولى تحقيق مخطوطة هذا الكتاب، ولإخراجه من رفوف المكتبات ليقدمه كهدية ثمينة للعلماء والباحثين وطلبة العلم ورجال الشريعة والقانون.
ونلخص هنا منهج الشيخ وجهوده في تحقيق الكتاب, واعتمدنا في ذلك على ما كتبه الشيخ في مقدمة الكتاب:
1- جمع ست مخطوطات للكتاب من مكتبات مختلفة.
2- تحليل نصوص الكتاب، وبيان المسائل الغامضة فيه، وإضافة المصادر إلى المواضع التي لم يشر فيها المؤلف إلى المصدر.
3- ترتيب النص وتنقيطه بعلامات التنقيط.
4- الفصل بين المسائل، ووضع عنوان لكل مسألة لتسهيل الوصول اليها.
5- المقابلة بين نسخ الكتاب، والإشارة الى الاختلافات الموجودة بينها.
6- تخريج الآيات القرآنية الواردة في الكتاب.
7- تخريج الأحاديث والآثار الواردة في الكتاب.
8- تخريج النصوص المنقولة من المصادر، والتعريف بتلك المصادر.
9-إضافة بعض المسائل المتعلقة بمواضيع الكتاب وفات المؤلف ذكرها.
10- تعريف الأعلام الواردة في الكتاب.
ونظراً لقيمة الكتاب العلمية وأهميته فقد أوصت الجامعة المستنصرية بطبعه على نفقتها، ولقد طبع بناءً على تلك التوصية في عام 1982م في أربع مجلدات.