23 ديسمبر، 2024 6:45 ص

الشيخ المفيد مؤسس المذهب البويهي 5

الشيخ المفيد مؤسس المذهب البويهي 5

الشيخ المفيد والخمس
عرض الشيخ احمد الكاتب نظرة موجزة موفقة للخمس في كتابه تطور الفكر السياسي الشيعي ، وقد عكست جهدا كبيرا بذله في جمع تلك المادة وفي عرضها ، ولو قارنا ذلك بما كتبه في كتابه الشيخ المفيد حقل ( الحيرة في حكم الخمس في عصر الغيبة ) لوجدنا فراغات كان من المفروض ملأها لكي يفهم القارئ كيفية تناول الشيخ المفيد لفقرة مهمة من العبادات ، فقد ذكر المؤلف ماسطره الشيخ في رسالته العملية ( المقنعة ) من روايات ، ولم نر دراسة سندية لما ذكره في هذا الحقل ، لكي يبين ضعف الاسس التي استند عليها الشيخ المفيد في بناء الروايات المتهالك ، ولم نعرف دوافع الشيخ المفيد في اعتماده على هذه الروايات التي جاء معظمها معلقا من غير سند يصل الشيخ بمصدر الحديث ، ولم نحصل على صورة قلمية لهذا الضعف ، وكيفية شيوع تلك الروايات في فترة الغيبة الصغرى ، وندرتها (في ما يخص الخمس ) في فترة الائمة الاطهار .
لم نجد مشاركة للشيخ المفيد في هذا الفصل الا اجتهاده في عزل سهم الامام (10بالمائة نصف الخمس) واجتهاده في دفن هذا السهم لغاية ظهوره على اعتبار ان الارض تظهر كنوزها عند ظهور القائم ، ثم عودة الشيخ عن هذا الرأي بسبب عدم معقولية الفكرة ، وذهابه الى فكرة غير معقولة ايضا وهي وصية المكلف لسهم الامام لمن يثق فيه ، والاستمرار بايصال وتجميع المبالغ عند الموثوقين من المكلفين لغاية ظهور المهدي !! .
كان الخمس يجمع على نحو غير منتظم وغير محدد ، ولم يعرف الوكلاء بنوده قبل عصر الغيبة , وقد طلب الإمام الجواد – كما ورد في احدى الروايات – جمع الخمس في عام واحد وربما كان ذلك لحاجة ماسة إستوجبت ذلك , فقد قال ( احملوا الي الخمس فأني لست آخذه منكم سوى عامي هذا ) ( أبن شهر اشوب المناقب ص 495) , وقد صادف هذا العام 220ه عام وفاته , وقد شكك الباحث حيدر علي قلمداران في صحة تلك الرواية ، وتوصل الى أنها من وضع علي بن مهزيار لفائدة شخصية يجنيها من الخمس لأنه وكيل ، وعدم حاجة الإمام الجواد للخمس لأنه كان يعيش في السنة الأخيرة من حياته في بيت المعتصم ، فهو زوج ابنة المأمون كما هو معروف ، وقد إعتبر قلمداران الرواية موضوعة بسبب ظهورها بعد وفاة الإمام الجواد ( ٱنظر كتاب بحث عميق في مسألة الخمس ). الخمس من خمسة : كان الخمس – لغاية الفترة التي عاش بها محمد بن يعقوب الكليني – يخص خمسة اشياء فقط هي الغنائم الحربية والغوص ( الدر والعنبر) والكنوز( التي يعثر عليها دون معرفة صاحبها) والمعادن ( التي ينقب عنها ) والملاّحة (الاراضي التي يستخرج منها الملح) , ولا يوجد بينها المال ولا المكاسب والارباح ولا السلسلة الطويلة التي يفرض عليها الخمس في أيامنا هذه , فقد روى الكليني عن العبد الصالح ع قال ( الخمس من خمسة اشياء : من الغنائم والغوص ومن الكنوز ومن المعادن والملاحة) ( الكافي ص 616 حديث رقم 1417) , وتقول بعض الروايات بأن الخمس كان يؤخذ في زمن الأئمة بشكل غير منتظم من تلك الأصناف المذكورة , ولم نحصل على رواية صحيحة تؤكد أخذ الإمام علي الخمس في فترة خلافته ولا الإمام الحسن ولا الحسين ولاعلي بن الحسين ، حتى أن الإمام الصادق ع رفض إستلام الخمس عن الغوص ( ٱنظر الكافي ص 463 حديث رقم 1066) ، ولم تكن مسألة الخمس واضحة حتى زمن السفراء . ولو كان الخمس مفروضا من الله لوضع الأئمة أحاديثا كثيرة تؤكدة . وقد صرح اية الله كمال الحيدري بان الخمس في غير غنائم الحرب هو حكم ولائي يصدره المجتهد المطلق لم يشرعه الله وليس له اصل قرآني ، ويمكن ان يتغير هذا الحكم حسب الظروف ، يعطيه المكلف طوعا لتغطية حاجة فقراء الشيعة ، وهو ضريبة تحدد نسبتها الظروف .
لاندري بالضبط ماصحة ماورد من روايات في كتاب الكافي عن الخمس ، لان كتاب الخمس موجود في ذلك الكتاب في غير محله ، وكان غائبا عن النسخة المخطوطة القديمة الموجودة في مكتبة مجلس الشورى الايراني المؤرخة بتاريخ 652ه ، وكذلك مخطوطة ابن مينا المؤرخة في 664ه التي اعتمد عليها المجلسي ، كما ان اقدم نسخة مخطوطة للمقنعة كتبت عام 955ه في فترة الدولة الصفوية ، وكان كتاب الكافي قد اكمل في تلك الفترة ايضا حيث ضم 5كتب في المخطوطة المذكورة من مجموع 35 كتابا .
وقف الشيخ المفيد بين اباحة الخمس لغاية ظهور القائم ، وبين وجوبه فقد اشار احمد الكاتب الى ذلك ، حيث جمع بين الروايات ( المحللة والمشددة ) ، وهو واحد من التناقضات الشائعة في سيرة الشيخ المفيد ، فقد نقل حديثا من كتاب سليم بن قيس الهلالي وقد طلب من المتدين تجنب العمل بكل مافي ذلك الكتاب !! . كما ذهب الى وجوب الخمس بالرغم من وجود توقيع ظهر ايام السفير الثاني في اباحة الخمس لغاية ظهور القائم . واعتمد كذلك على روايات لم يتأكد من صحتها في شمول الخمس للمال الحلال المخلوط بالحرام ( رواية الحكم بن علياء الاسدي ) والمال المأخوذ سرقة او غيلة .(يوجب معظم الفقهاء اخذ الخمس من المال الحلال المخلوط بالحرام عدا السيد عبد الاعلى السبزواري الذي افتى بأخذ خمسين الاول لطهارة المال والثاني لخمسه ) .
اننا ولو راجعنا بدء تشريع الخمس لم نجد فيه الا اية واحدة وهي ( واعلموا انما غنمتم من شيئ فان لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ان كنتم امنتم بالله الانفال 41) . ولم يذكر القران باقي المواد التي يوجب فيها الخمس كالغوص والكنوز والمعادن والملاحة والمال الحرام المخلوط بالحلال ولا مال السرقة ، بل جاءت تلك البنود على شكل روايات عن النبي تناقلتها الموسوعات الحديثية عند البخاري ومسلم ، واقرها الشيعة لكن الخلاف جاء في توزيعها وفي مستحقيها . لم يأخذ الامام علي في فترة خلافته ولا الامام الحسن خمسا ، وبعدما علم المنصور العباسي استلام الامام الصادق مالا عن طريق وكيله المالي المعلى بن خنيس قتل هذا الوكيل واستدعى الامام الصادق سنة 147 ه الى دار الخلافة للتحقيق معه في جملة امور منها : ان اهل العراق يقرون بامامته ويدفعون له زكاة اموالهم ( مطالب السؤال لابن طلحة 82 ) فاوضح له بان مايصل اليه ليس خمسا ولا خراجا وانما هدايا شخصية ( بحار الانوار 47 ص 187 ) .
يبدو ان الوكلاء قد جمعوا اموالا بشكل غير منتظم في فترة الامام الهادي ، ولم يكن اساس جمعها واضحا للشيعة ولا للوكلاء ( هدايا .. زكاة .. كفارات .. رد مظالم .. خمس، غير محددة ) ، ( فقد كتب ثلاثة من الوكلاء الرئيسيين للامام وهم : ابو علي بن راشد وكيل العراق ، وعلي بن مهزيار وكيل الاهواز ، وابراهيم بن محمد الهمداني وكيل همدان كتابا الى الامام الهادي يطلبون فيه الجواب عن اسئلة تردهم من الشيعة حول مفهوم الحق المالي للامام والدائرة التي يشملها التهذيب 4 ص123 ) و ( د. حسين مدرسي طباطبائي ) . وكانت اجوبة الامام الهادي والعسكري لا تتضمن اسم الخمس ، كما لم نحصل منهم على احاديث مفصلة عن الخمس ، ولم نصادف شيئا يعتد به يبين طريقة توزيعه . في نفس الوقت لم نحصل على توقيع واحد خلال الغيبة الصغرى حول جمع الخمس وشروطة ، بل حصلنا على توقيع واحد في فترة السفير الثاني يطلب فيه عكس ذلك وهو اباحة الخمس للشيعة لغاية ظهور المهدي ، وصادف ذلك ظهور المهدي القرمطي عام 281ه في البحرين الذي طلب جمع الخمس والزكاة لصالح ثورته ، وهو الامر الذي احرج شيعة العراق وجعل تهمتهم جاهزة نظرا لقرب القرامطة ( الشيعة الاسماعيلية ) من الشيعة الجعفرية الاثني عشرية .
لقد عرض كتاب الشيخ احمد الكاتب عقائد الشيخ المفيد بخصوص الخمس دون ان ينقدها .
زواج الصغيرات : ذكر الشخ احمد الكاتب في حقل عدة المطلقة اليائس والصغيرة رأي الشيخ المفيد دون ان ينقده ايضا ، وهو امر مازال الفقه الشيعي والسني يعانيه بسبب خطأ في التفسير . فقد قال الله تعالى (“واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا”. )الطلاق ٤ ، وذهب الى ان الارتياب المذكور في الاية يعود الى الصغيرة التي لم تبلغ تسع سنين ، وهو امر لم يدخل حسب نص الاية في ذلك بل قال بوضوح عن اللائي يئسن . والمشكلة في هذا المورد هو ( واللائي لم يحضن ) .
لقد ورد هذا النص في صورة الطلاق ففسرها المفسرون بأن الله يعني الصغيرات اللائي لم يبلغن تسع سنين . ويعني ذلك انهن تزوجن قبل بلوغهن سن الحيض وتم طلاقهن قبل هذا السن لذلك ذكرت الاية بأن عدتهن ثلاثة اشهر .( انظر موثق عبد الرحمن بن الحجاج ) وهي رواية ضعيفة .
ان هذا التفسير سبب مشكلة يخجل المراجع منها ، وهي ان عمر الزواج حسب ذلك يبدا من عمر الفطام ، ويجوز للرجل ان يتزوج الصغيرة التي تجاوزت عمر الرضاعة ، وبمجرد اعطاء الزوج المهر فان حقوق الزوج تجري على هذه الزوجة ، والزواج حسب هذا المنطق هو مهر مقابل بضعة ولذة ، لذلك افتى البعض بجواز التلذذ بالصغيرة جنسيا بل ومفاخذتها ، وهو باب موجود في كل المذاهب بسبب خطأ المفسر . لقد وضع الفقهاء شرطا للزواج متناقضا مع هذا التفسير وهو حرمة الدخول شرعا بالزوجة قبل بلوغها التاسعة .
ان تفسير الاية بان الطلاق قد تم قبل المحيض سبب اشكالا واضحا ، لانه يعني ان الزواج تم قبل سن المحيض ايضا ، ويعني كذلك تمام الدخول بها لان الفقه اعطاها ثلاثة اشهر تعتد بها قبل الزواج مرة ثانية . فلو جلس الشيخ المفيد وفكر مليا في تفسير الاية ولم يقلد من سبقه لانتهى الى ان تفسير هذه الاية (اللائي لم يحضن ) ليس بسبب صغرهن بل لاسباب مرضية قد تحدث لسبب او اخر ، ومن يذهب الى احد اطباء النسائية سيجد معلومات وافية عن تأخر او عدم حدوث الحيض لسنين طويلة لدى بعض البنات . ان الفقهاء قد تورطوا في هذه الفتوى وهم بالتأكيد يرفضونها ، فلم نسمع احدا منهم كان قد زوج ابنته من عمر الفطام . لذلك اتوقع عودة الفقهاء للتفكير في هذا الامر وتكليف الفتوى فيه للاطباء وعلماء الاجتماع والنفس وليس للمفسرين .

وفي الختام تحياتي واحتراماتي لمؤلف الكتاب ولحسن خلقه ، وتواضعه الذي ينم عن شرف علمي كبير في احترام الرأي والكلمة ، ولنشره تلك المقالات في صفحته الخاصة ، واتمنى من كل اصحاب البحث سلوك هذا المنحى في احترام الاراء المختلفة الباحثة ليس عن الشخص بل عن الحقيقة ، وفي هذه الاجواء تستطيع الكلمة والحقيقة ان تجد لها المهد الصالح للعيش والنمو .