20 ديسمبر، 2024 4:38 ص

الشيخ الدهنين وتنقية التراث عرض ومناقشة

الشيخ الدهنين وتنقية التراث عرض ومناقشة

مقدمة
        إن من يُدقق في عناوين المحاضرات لموسم عاشوراء لهذا العام 1435هـ يلحظ حرص الكثير من الخطباء على نقد ومناقشة بعض الأطروحات الأخيرة للسيد كمال الحيدري –حفظه الله- فنلاحظ أن لهذه الأطروحات حضوراً بارزاً في عناوين محاضراتهم، فالعديد منها اشتملت على نفس المواضيع التي تطرق لها كـ (إسلام القرآن وإسلام الحديث، ومحورية القرآن الكريم، وتنقية الموروث الروائي، وتسرب الإسرائيليات)، وغيرها من العناوين الأخرى التي تناولها السيد الحيدري ضمن حلقات برنامجه في شهر رمضان الماضي لعام 1434هـ.
 
        وليست لدي أية مشكلة في أن يتعرض السيد الحيدري وأطروحاته للنقد والمناقشة تصريحاً أو تلميحاً، فذلك أمر جيد ويدل على تفاعل المجتمع وعدم جموده أمام الأفكار والرؤى التي تُعرض عليه، ولكن بشرط أن يتم ذلك وفق الموازين العلمية والآداب العامة، وهذا ما أكدت عليه كثيراً في كتاباتي السابقة، كما أن ذلك لا يعني أيضاً بأن علينا القبول والتسليم لأي رد أو نقد يُطرح علينا، إذ من المهم كذلك أن يتم مناقشة هذه الردود ونقدها، خصوصاً إذا كانت هزيلة ومتهالكة، وذلك من أجل المساهمة في نضوج الأفكار وتكامل مسيرتها.
 
        من هذا المنطلق سوف نقوم بمناقشة ما طرحه الشيخ علي الدهنين –حفظه الله- في محاضرته المُعنونة بـــ “تنقية التراث الشيعي”، والتي طرحها في الليلة الثالثة من شهر محرم 1435هـ، وذلك لاعتقادي بأنه قد وقع في بعض الأخطاء التي ما كان ينبغي أن يقع فيها، خصوصاً وأن الكثيرين كانوا ينتظرون هذه المحاضرة ويتوقعون منها الرد على أطروحات السيد الحيدري حول الموروث الروائي، ولكن وللأسف الشديد كانت هذا المحاضرة مخيبة للآمال، وذلك لأنها كانت هزيلة جداً، ولا يمكن لها الصمود أمام النقد العلمي.
 
 
وإن ما دفعني للكتابة في هذا الموضوع بالدرجة الأولى هو حرصي الشديد على أن لا يتوهم مُتوهم أن الشيخ الدهنين قد أصاب فيما طرحه أو أنه أجاد في الرد على ما طرحه السيد الحيدري في هذا الشأن.
 
 
تنقية التراث في حديث الشيخ الدهنين
افتتح الشيخ الدهنين مجلسه ببعض الروايات الواردة عن الإمام الصادق عليه السلام في ضرورة عرض الروايات على كتاب الله، وبعدها أشار إلى محور محاضرته بقوله: “هذه الليلة موضوعنا عن تراثنا الشيعي، الموروث والمأخوذ من أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، والحديث فيه مهم جداً، لأنه حقيقة يهم كل شيعي أن يتعرف على تراثه، وعلى مأخذ دينه واعتقاداته وأخلاقه”[1].
 
مزايا الحديث في مدرسة أهل البيت (ع)
تحدث الشيخ الدهنين عن مصادر المذهب الشيعي، ثم تطرق لبعض مزايا الحديث عند الشيعة على الحديث عند أبناء العامة، وذكر منها أن فترة امتداد الحديث عند الشيعة استمرت إلى نهاية الغيبة الصغرى، بعكس أحاديث أبناء العامة التي فترة استمرار الحديث عندهم قصيرة، وذلك لأن المعصوم عندهم هو خصوص الرسول (ص)، الذي استمرت فترة دعوته ثلاثة وعشرون سنة فقط. وأكد الشيخ الدهنين على أهمية هذه الميزة نظراً لأن الشيعة طوال هذه الفترة كانوا على تواصل مع المعصوم، إذ يقول في ذلك: “وهذه نقطة مهمة إيجابية موجودة في المذهب الشيعي غير موجودة في المذاهب الأخرى، يعتقدون بمذهب أهل البيت فيرجعون إليهم، ولهم الدور الكبير في تنقية التراث، في تكوينه ثم إيجاده، ثم في تنقيته وفي غربلته، نعم، لا حظوا بعض الفروقات”[2].
 
 فالميزة الأولى التي يذكرها الشيخ الدهنين هي: “أن السند (أي سند الحديث) وهو المعصوم يستمر من بعثة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله إلى نهاية الغيبة الصغرى، ثلاثمئة سنة وأكثر”[3]، وأما الميزة الثانية التي أشار إليها فهي أن كتابة الحديث عند أبناء العامة تأخرت مئة سنة بسبب منع تدوين الحديث، أما عند الشيعة فالأمر مختلف، لأن الحديث لم يمنع تدوينه، بل كان يكتب أولاً بأول، إذ يقول في ذلك: “إن الحديث كان يكتب أول بأول، فأول من كتب الحديث من فم رسول الله صلى الله عليه وآله مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب سلام الله عليه، فكتب الكتاب المعروف بالجامعة، ويعترف به البخاري وغيره، كتاب الجامعة كتاب عظيم كتبه أمير المؤمنين سلام الله عليه بإملاء رسول الله صلى الله عليه وآله، وكان هذا الكتاب موجوداً عند الأئمة يتداولونه ويتوارثونه واحداً بعد واحد، والآن هو عند الإمام الحجة سلام الله عليه…”[4].
 
المناقشة
       نلاحظ هنا أن الشيخ الدهنين بين بأنه سوف يتحدث عن موروثنا الروائي أو عن التراث الشيعي كما يعبر، وبين بأن هذا الأمر يهم كل شيعي أن يتعرف على من أين يأخذ دينه واعتقاداته وأخلاقه، ولكنه لم يحدد لنا مراده ومقصوده من (التراث الشيعي)، إذ كان عليه أن يعطينا مفهوماً ولو عاماً عن مراده منه، وأقول ذلك، لأن هذا المفهوم غير واضح المعالم عنده، لأنه تارة يستعمله ويريد به معنىً (كل التراث الروائي للشيعة)، وأخرى يستعمله ويريد منه معنى آخر (خصوص الكتب الأربعة)، وهذا يؤشر على الاضطراب وعدم التحديد الدقيق لمراده منه، ففي هذا المورد مثلاً يُفهم منه أن مراده من التراث هو عموم الموروث الذي اشتملت عليه كتبنا الروائية، ولكنه في موارد أخرى سوف تأتي يُفهم من كلامه خصوص بعض هذه الكتب (كالكتب الأربعة)، وهذا الخلط وعدم الوضوح في تحديد المراد سوف يتضح أكثر فيما سيأتي في نقاط قادمة بإذن الله تعالى.
       طبعاً لا يعني ما ذكرته سابقاً بأنني أعترض على ما ذكره الشيخ الدهنين في هذه النقطة، لا، لأنني لم أنقل ما ذكره من أجل الاعتراض عليه، وإنما نقلته نظراً لأهميته، وذلك لأنه سوف يعتمد عليه كأساس للوصول إلى بعض النتائج التي سوف نناقشها في حينها[5].
 
الأئمة ينقون التراث ويحذرون من كعب الأحبار والإسرائيليات
يقول الشيخ الدهنين: “والأئمة عليهم السلام حذوا شيعتهم من أن يأخذوا من اليهود أو من النصارى مثل كعب الأحبار…” ويبين الشيخ شدة الإمام الصادق عليه السلام في رفض كلام كعب الأحبار، وبعد ذلك قال: “فالأئمة أبعدوا شيعتهم عن الأخذ عن كعب الأحبار وأمثاله”[6].
 
تراثنا نقي وصافٍ
        يؤكد الشيخ الدهنين في كلامه بأن تراثنا الشيعي نقي وصافٍ، ومن أجل التدليل على ذلك يقول: “أقول الآن أنت أيها الشيعي، خذ الرسالة العملية، الرسالة العملية والتي تشتمل على أصول الدين التوحيد، العدل، النبوة، الإمامة، المعاد، هذي أصول الدين، وتشتمل الرسالة على بيان الأحكام من الطهارة والصلاة والصيام والحج والزكاة والخمس والبيع إلى بحث الديات، تصورت الموضوع، أتعلم ماذا أريد أن أقول لك؟ أريد أن أقول لك، هذه الرسالة بين يديك أتحدى أي شخص على وجه الأرض أن يثبت أن حكماً من الأحكام الموجودة في الرسالة أخذ من يهودي أو من نصراني أو من إسرائيلي، هذا التحدي واضح.. يعني تراثنا كله نقي”[7].
 
المناقشة
       إن تحذير الأئمة (ع) من كعب الأحبار وأمثاله لا يعني ذلك بأن موروثنا الروائي قد أصبح صافياً ونقياً من جميع المدسوسات والإسرائيليات، ولهذا من المهم إثبات عن عدم وجود أي أثر لها في كتبنا الروائية لا مجرد إطلاق مثل هذه الدعاوى فقط.
       قد تكون هذه الروايات المدسوسة (الإسرائيليات مثلاً) موجودة في تراثنا نتيجة لتسربها إلى موروثنا عن طريق موروث الآخرين، كما يؤكد على ذلك السيد كمال الحيدري[8]، وليس نتيجة الأخذ من الإسرائيليات أو التأثر بأصحابها بشكل مباشر، وهذا الأمر ليس فقط عند السيد الحيدري، بل إن السيد الطباطبائي (صاحب الميزان) أكد عليه أيضاً، وذلك في جواب شبهة وقوع تحريف القرآن بالنقص والتغيير من خلال التمسك ببعض الأخبار، حيث قال: “وهذا النوع على شذوذه وندرته غير مأمون فيه الوضع والدس فإن انسراب الإسرائيليات وما يلحق بها من الموضوعات والمدسوسات بين رواياتنا لا سبيل إلى انكاره ولا حجية في خبر لا يؤمن فيه الدس والوضع”[9].
       بناءً على ما سبق؛ يكون كلام الشيخ الدهنين من أن “تراثنا كله نقي” غريب جداً، والأغرب منه هو أنه لم يبين مراده من مفردة “التراث”، ومن مفردة “نقي”، فهل يقصد يا ترى أن جميع كتبنا الروائية نقية تماماً كما يفهم من كلامه هنا أم أنه يقصد معنى آخر كما في عبارات أخرى له سوف تأتي؟!!
       ومن الغريب أيضاً أن يقول الشيخ الدهنين أن الرسالة العملية تشتمل على أصول الدين، ولذا أعتقد بأنه كان مخطئاً في هذا القول وأنه لم يكن يقصده، وذلك لأن الرسالة العملية عادةً ما تخلو من بيان أصول الدين، ما عدا الرسائل العملية لبعض العلماء والتي أدخلت بيان أصول الدين معها، وهذه الحالة تعتبر حالة نادرة وليست أصلاً في الرسائل العملية، وإلا فإن غالبية الرسائل العملية للعلماء لا يوجد فيها إلا المسائل والأحكام الفقهية فقط.
       أما بالنسبة للتحدي الذي أطلقه وهو إثبات “وجود حكم من الأحكام التي في الرسالة العملية مبني على حديث يهودي أو نصراني (إسرائيليات)”، فهذا التحدي باهت وفي غير محله، لأن من يتحدث بوجود الدس والإسرائيليات في تراثنا لم يقل بأن ذلك خاص بروايات الأحكام حتى يتم التحدي بمثل هذا الكلام الهزيل!! بل إننا نجد أن السيد الطباطبائي (صاحب الميزان) يؤكد بأن دواعي الدس والوضع في غير الفقه أكثر، إذ يقول في ذلك:”ومن المعلوم ان الدس والوضع غير مقصورين في أخبار الفقه بل الدواعي إلى الدس والوضع في المعارف الاعتقادية وقصص الأنبياء والأمم الماضين وأوصاف المبدء والمعاد أكثر وأوفر ويؤيد ذلك ما بأيدينا من الإسرائيليات وما يحذو حذوها مما أمر الجعل فيها أوضح وأبين”[10]. فلماذا يتجاهل الشيخ الدهنين ذلك ويصور الأمر وكأن الحديث عن المدسوسات والإسرائيليات متعلق فقط بالأحاديث المتعلقة بالأحكام الفقهية؟! أوليس هذا استغفال واضح لعقول مستمعيه؟!!
       عندما تحدث السيد الحيدري في بعض أحاديثه واصفاً بعض العلماء بأنهم علماء حلال وحرام تحسس البعض من كلامه أشد التحسس، ومنهم الشيخ الدهنين، إذ عدوا كلامه هذا إهانةً وإساءةً لبعض العلماء، وللأسف أن كلام الشيخ الدهنين وتحديه بالرسالة العملية يدلل على صحة كلام السيد الحيدري!!
       لا توجد ملازمة بين خلو الرسالة العملية من الاعتماد على روايات كعب الأحبار والإسرائيليات وبين خلو جميع موروثنا الروائي منها، فكيف يتخذ الشيخ الدهنين هذا الأمر دليلاً على أن ذلك “يعني تراثنا كله نقي” كما يقول..!! لأنه وبالرجوع إلى بعض الكتب الروائية نجد أن هناك روايات تُروى عن كعب الأحبار مباشرةً، هذا فضلاً عن تلك الروايات التي تذكر نفس مضامين كلامه ولكنها مروية عن غيره، وسوف أنقل لكم بعض الروايات الموجودة في بعض المصادر والمروية عن كعب الأحبار مباشرة، علماً بأنني هنا لا أنوي مناقشتها من ناحية الصحة أو عدم الصحة، ولكن أذكرها فقط للتأكيد على وجود هذه المرويات في مصادرنا الروائية، وذلك فيما يلي[11]:
–       ابن المتوكل، عن محمد العطار، عن ابن عيسى، عن علي بن الحكم، عن عمر بن حفص، عن زياد بن المنذر، عن سالم بن أبي جعدة قال: “سمعت كعب الأحبار يقول: إن في كتابنا أن رجلا من ولد محمد رسول الله يقتل ولا يجف عرق دواب أصحابه حتى يدخلوا الجنة فيعانقوا الحور العين، فمر بنا الحسن عليه السلام فقلنا: هو هذا ؟ قال: لا، فمر بنا الحسين فقلنا: هو هذا ؟ قال: نعم”[12].
–       تفسير الفرات: باسناده عن الحسن عليه السلام فيما سأل كعب الأحبار أمير المؤمنين عليه السلام قال: لما أراد الله تعالى يخلق آدم بعث جبرئيل فأخذ من أديم الارض قبضة فعجنه بالماء العذب والمالح وركب فيه الطبايع قبل أن ينفخ فيه الروح، فخلقه من أديم الأرض فطرحه كالجبل العظيم، وكان إبليس يومئذ خازنا على السماء الخامسة يدخل في منخر آدم ثم يخرج من دبره، ثم يضرب بيده على بطنه فيقول: لأي أمر خلقت؟ لئن جعلت فوقي لا أطعتك، ولئن جعلت أسفل مني لأعينك فمكث في الجنة ألف سنة ما بين خلقه إلى أن ينفخ فيه الروح الحديث”[13].
–       عن كعب الاحبار أنه قال: “إذا كان يوم القيامة حشر الخلق على أربعة أصناف: صنف ركبان، وصنف على أقدامهم يمشون، وصنف مكبون، وصنف على وجوههم صم بكم عمي فهم لا يعقلون ولا يكلمون ولا يؤذن لهم فيعتذرون، أولئك الذين تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون، فقيل له: يا كعب من هؤلاء الذين يحشرون على وجوههم وهذه الحال حالهم؟ فقال كعب: أولئك كانوا على الضلال والارتداد والنكث، فبئس ما قدمت لهم أنفسهم إذا لقوا الله بحرب خليفتهم ووصى نبيهم وعالمهم وسيدهم وفاضلهم، وحامل اللواء وولى الحوض والمرتجى والرجا دون هذا العالم، وهو العلمالذي لا يجهل والمحجة التي من زال عنها عطب وفي النار        هوى، ذاك علي ورب كعب أعلمهم علماً، وأقدمهمسلما، وأوف رهم حلما، عجب كعب ممن قدم على غيره. ومن نسل على القائم المهدي الذي يبدل الارض غير الارض، وبه يحتج عيسى بن مريم (عليه السلام) على نصارى الروم والصين، إن القائم المهدي من نسل علي أشبه الناس بعيسى بن مريم خلقا وخلقا وسمتا وهيبة، يعطيه الله جل”[14].
–       عن كعب الاحبار حين أسلم في أيام خلافة عمر بن الخطاب وجعل الناس يسألونه عن الملاحم التي تظهر في آخر الزمان فصار كعب يخبرهم بأنواع الاخبار والملاحم والفتن التي تظهر في العالم ثم قال: “وأعظمها فتنة وأشدها مصيبة لا تنسى إلى أبد الآبدين مصيبة الحسين عليه السلام وهي الفساد الذي ذكره الله تعالى في كتابه المجيد حيث قال: “ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس” وإنما فتح الفساد بقتل هابيل بن آدم، وختم بقتل الحسين عليه السلام أو لا تعلمون أنه يفتح يوم قتله أبواب السماوات ويؤذه السماء بالبكاء فتبكي دما فإذا رأيتم الحمرة في السماء قد ارتفعت ، فاعلموا أن السماء تبكي حسينا فقيل: يا كعب لم لا تفعل السماء كذلك ولا تبكي دما لقتل الانبياء ممن كان أفضل من الحسين؟ فقال: ويحكم إن قتل الحسين أمر عظيم وإنه ابن سيد المرسلين، وإنه يقتل علانية مبارزة ظلما وعدوانا ولا تحفظ فيه وصية جده رسول الله وهو مزاج مائه وبضعة من لحمه، يذبح بعرصة كربلاء فو الذي نفس كعب بيده لتبكينه زمرة من الملائكة في السماوات السبع، لا يقطعون بكاءهم عليه إلى آخر الدهر، وإن البقعة التي يدفن فيها خير البقاع، وما من نبي إلا ويأتي إليها ويزورها ويبكي على مصابه، ولكربلاء في كل يوم زيارة من الملائكة والجن والانس فاذا كانت ليلة الجمعة ينزل إليها تسعون ألف ملك يبكون على الحسين، ويذكرون فضله وإنه يسمى في السماء حسيناً المذبوح وفي الارض أبا عبدالله المقتول، وفي البحار الفرخ الازهر المظلوم، وإنه يوم قتله تنكسف الشمس بالنهار، ومن الليل ينخسف القمر، وتدوم الظلمة على الناس ثلاثة أيام وتمطر السماء دما، وتدكدك الجبال وتغطمط البحار، ولولا بقية من ذريته وطائفة من شيعته الذين يطلبون بدمه ويأخذون بثأره، لصب الله عليهم ناراً من السماء أحرقت الارض ومن عليها”[15].
 
عموماً، لقد كان ما نقلناه في السابق ذكر لبعض الروايات الواردة مباشرة عن طريق كعب الأحبار في موروثنا الروائي دون مناقشة لها، وكان الغرض من جميع ما ذكرناه هو توضيح أن كتب الحديث عندنا ليست بريئة من روايات كعب الأحبار وأمثاله كما يحاول أن يصور لنا الشيخ الدهنين، علماً بأن كلام السيد الحيدري لم يكن عن تسرب الموروث الروائي الإسرائيلي بشكل مباشر إلى موروثنا، وإنما كان في اختراقه لموروثنا ونسبته للأئمة (ع)، وهذا ما أوضحه في قوله: “أن ذلك الموروث الإسرائيلي انتقل إلى الموروث الروائي عند مدرسة أهل البيت عليهم السلام وخصوصاً عند المفسرين والمؤرخين، وبالعكس بدل أن ينسب إلى أنه من أهل الكتاب نسب إلى أئمة أهل البيت عليهم السلام”[16].
 
علماؤنا والتشدد في الحديث
        يذكر الشيخ الدهنين بعض الأسباب التي جعلت تراثنا نقي بزعمه في قوله: “من هنا أقول تراثنا نقي، لعدة أسباب، أولاً: لأنه أخذ من المعصومين مباشرة، لم يكن هناك نقل بالمعنى، لا يخلو من نقل بالمعنى ولكن كثيراً منه كان ينقل باللفظ، كانوا يكتبون من الإمام مباشرة أو من الرسول مباشرة صلى الله عليه وآله أو من الأئمة مباشرة، وينقلونه إلى الجيل الذي بعدهم صافياً نقياً، وأقول لك بأنه نقي، لأنه هناك جهود عظيمة جداً بذلت من قبل الأئمة الأطهار في تنقية التراث، كانوا يحذرون من أهل الدس مثل أبي الخطاب، من الغلاة، كانوا يحضرون عند الإمام الصادق ويأخذون أحياناً، ويدسون في الأحاديث… فصار هناك خلط، هذا الخلط الذي صار في المرحلة، في مرحلة تلامذة الإمام الصادق عليه السلام، قام الأئمة المتأخرون (الإمام الرضا عليه السلام) بتنقية الأحاديث المروية عن جده الإمام الصادق، وقام بهذا الدور كثير من أصحاب الأئمة سلام الله عليهم مثل يونس بن عبدالرحمن. يونس ابن عبدالرحمن وأمثاله قاموا بعرض الأحاديث على الإمام الرضا، وبعرض الكتب، فكان الإمام الرضا عليه السلام يقول هذا الحديث صحيح أو هذا يزاد فيه، أو هذا ينقص فيه…”[17].
 
        ويذكر الشيخ الدهنين السبب الثاني لكون تراثنا نقي كما يرى وهو تشدد علماء الشيعة في قبول الروايات، إذ    يقول في ذلك: “هذا نوع من الشدة عند الشيعة، واقعاً نوع من التشديد، فعلماؤنا تشددوا وبذلوا قصارى جهدهم في تنقية التراث حتى وصل إليكم هذا التراث صافياً نقياً نعتز بتراثنا وبعلمائنا الكرام، حقيقة ونقول شكر الله سعيهم على ما بذلوا من جهود”[18].
 
ويؤكد الشيخ الدهنين أيضاً على أن “أهل المجاميع المتأخرة الكتب الأربعة (الكليني والصدوق والشيخ الطوسي)، المحمدون الثلاثة في الكتب الأربعة، هؤلاء مجمع على وثاقتهم… فإنه لم ينسب التدليس إلى أحد من علمائنا الكبار العظام الذين كتبوا تراثنا، فتراثنا كتب بأيدي أمينة، مجمع على وثاقتهم، ومجمع على إيمانهم”[19].
 
المناقشة
       تنقية الأئمة (ع) للتراث لا يعني أن التراث قد وصل إلينا نقياً، كما أن كتابة الحديث من الرسول الأكرم (ص) والأئمة (ع) مباشرة لا يعني أن هؤلاء كانوا “ينقلونه إلى الجيل الذي بعدهم صافياً نقياً” كما يقول الشيخ الدهنين، لأنه إذا كان كذلك؛ فلماذا رأينا العلماء من بعدهم (ع) قاموا بتنقيته وهم يعلمون أنه نقل إليهم صافياً ونقياً، إذ ما الحاجة لتنقيته وتصفيته وهو نقي وصافٍ..!!
       كما أن تشدد العلماء وبذلهم الجهود من أجل تنقية التراث لا يعني أيضاً أنهم تمكنوا من أن يجعلوه نقياً وصافياً، وذلك لأن العلماء مختلفون فيما بينهم، ويكفي للتدليل على بطلان ذلك الجهود التي يبذلها علماؤنا في عملية الاجتهاد في الفقه، فإذا كان “تراثنا كله نقي” كما يقول الشيخ الدهنين فما الحاجة لمثل هذه الجهود؟!! أوليس يكون من العبث ما يقوم به الفقهاء من جهود مضنية ومتواصلة من أجل تنقيته؟!!
       وأما ما قاله الشيخ الدهنين من أن أصحاب الكتب الأربعة مجمع على وثاقتهم وأنهم لم ينسب إليهم التدليس، فهذا كذلك لا يدل على أن “تراثنا كله نقي”، لأن تراثنا الروائي ليس فقط ما هو موجود في الكتب الأربعة، فهناك كتب أخرى أيضاً.
       والأمر الآخر أن هناك أسباباً تجعل من الموروث الروائي غير  نقي وصافٍ غير الكذب والتدليس، فهناك الاختراق والاشتباه في النقل والفهم وغيرها من الأمور التي يتعرض لها البشر عادةً، فلماذا يغفل الشيخ الدهنين عنها؟! وهناك رواية يرويها الكليني في (باب اختلاف الحديث) عن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم ابن عمر اليماني، عن أبان بن أبي عياش، عن سليم بن قيس الهلالي، قال: قلت لأمير المؤمنين عليه السلام: إني سمعت من سلمان والمقداد وأبي ذر شيئاً من تفسير القرآن وأحاديث عن نبي الله صلى الله عليه وآله غير ما في أيدي الناس، ثم سمعت منك تصديق ما سمعت منهم ورأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن ومن الأحاديث عن نبي الله صلى الله عليه وآله أنتم تخالفونهم فيها، وتزعمون أن ذلك كله باطل، أفترى الناس يكذبون على رسول الله صلى الله عليه وآله متعمدين، ويفسرون القرآن بآرائهم؟ قال: فأقبل علي فقال: قد سألت فافهم الجواب. إن في أيدي الناس حقاً وباطلاً، وصدقاً وكذباً، وناسخاً ومنسوخاً، وعاماً وخاصاً، ومحكماً ومتشابهاً، وحفظاً ووهماً، وقد كذب على رسول الله صلى الله عليه وآله على عهده حتى قام خطيبا فقال: أيها الناس قد كثرت علي الكذابة فمن كذب علي متعمداً فليتبوء مقعده من النار، ثم كذب عليه من بعده، وإنما أتاكم الحديث من أربعة ليس لهم خامس: رجل منافق يظهر الإيمان، متصنع بالإسلام لا يتأثم ولا يتحرج  أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله متعمداً، فلو علم الناس أنه منافق كذاب، لم يقبلوا منه ولم يصدقوه، ولكنهم قالوا هذا قد صحب رسول الله صلى الله عليه وآله ورآه وسمع منه، وأخذوا عنه، وهم لا يعرفون حاله، وقد أخبره الله عن المنافقين بما أخبره ووصفهم بما وصفهم فقال عز وجل: “وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم” ثم بقوا بعده فتقربوا إلى أئمة الضلالة والدعاة إلى النار بالزور والكذب والبهتان فولوهم الأعمال، وحملوهم على رقاب الناس، وأكلوا بهم الدنيا، وإنما الناس مع الملوك والدنيا إلا من عصم الله، فهذا أحد الأربعة. ورجل سمع من رسول الله شيئاً لم يحمله على وجهه ووهم فيه، ولم يتعمد كذباً فهو في يده، يقول به ويعمل به ويرويه فيقول: أنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله فلو علم المسلمون أنه وهم لم يقبلوه ولو علم هو أنه وهم لرفضه. ورجل ثالث سمع من رسول الله صلى الله عليه وآله شيئا أمر به ثم نهى عنه وهو لا يعلم، أو سمعه ينهى عن شئ ثم أمر به وهو لا يعلم، فحفظ منسوخه ولم يحفظ الناسخ، ولو علم أنه منسوخ لرفضه، ولم علم المسلمون إذ سمعوه منه أنه منسوخ لرفضوه. وآخر رابع لم يكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله، مبغض للكذب خوفا من الله و تعظيما لرسول الله صلى الله عليه وآله، لم ينسه، بل حفظ ما سمع على وجهه فجاء به كما سمع لم يزد فيه ولم ينقص منه، وعلم الناسخ من المنسوخ، فعمل بالناسخ ورفض المنسوخ…”[20].
 
علماؤنا وتقسيم الحديث
        يقول الشيخ الدهنين في مقام بيان المراد من الحديث الموضوع بقوله: “الحديث الموضوع هو الحديث الذي نعلم أنه كذب، نعلم أنه كذب، فحينما نقول بأن تراثنا نقي من الأحاديث الموضوعة لا يعني أنه نقي من الأحاديث الضعيفة لا، تشتمل أحاديثنا على الأحاديث الضعيفة، نقول: لا تشتمل على الأحاديث الموضوعة، الموضوعة يعني التي نعلم بكذبها، لأنك لو قرأت عن الكليني كيف ألف كتاب الكافي، الكافي ماذا يقول؟ يقول كتبت هذا الكتاب كتاب الكافي ليكون حجة فيما بيني وبين الله، وكذلك الفقيه، ما كتبت إلا ما أراه حجة وأفتي به بيني وبين الله تبارك وتعالى، فالحديث الذي يعلمون كذبه، أو يعلمون أنه منحرف عن مذاق أهل البيت، أو يعلمون أنه خلاف القرآن، فالحديث عندهم هذا زخرف ولا يعملون به، وإن ترددوا فيه يردون علمه إلى أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين”[21].
 
المناقشة
       استغرب كثيراً من قول الشيخ الدهنين بأن تراثنا نقي من الأحاديث الموضوعة، ولا أدري ماذا سيقول عن الروايات التي تتحدث عن تحريف القرآن الكريم والروايات الأخرى التي تشكك في بعض العقائد والضروريات..؟!!
       بالإضافة إلى ما سبق؛ فإن تراثنا الروائي ليس محصوراً في كتاب الكافي أو في من لا يحضره الفقيه أو في الكتب الأربعة حتى يأخذ الشيخ الدهنين من كيفية تأليف العلماء لهذه الكتب دليلاً على قوله أن “تراثنا كله نقي”.
       مقتضى كلام الشيخ الدهنين أن أحاديث العرض على كتاب الله لسنا بحاجة إليها في وقتنا الحالي، لأن أصحاب الكتب الأربعة عرضوا هذه الكتب على كتاب الله، واستبعدوا الروايات التي يعلمون كذبها والتي تخالف القرآن الكريم، وتخالف مذاق أهل البيت عليهم السلام وغيرها، وهذا الأمر لا يمكن القبول به بحال من الأحوال، ولا أظن بأن الشيخ الدهنين يقبل به أيضاً، ولهذا فإن ما ذكره لا يصلح أن يكون دليلاً على نقاء التراث.
 
علماؤنا واستمرار الاجتهاد
        يقول الشيخ الدهنين: “ولهذا نقول نحن الآن لا يزال البحث جارياً إلى عهدنا هذا اليوم، لأنه من الأمور التي امتاز بها مذهب أهل البيت عليهم السلام، هو أنه بلي، باب الاجتهاد لا يزال عندهم في كل المجالات، باب الاجتهاد عندهم في الفقه موجود، في الأصول، في علم الرجال. الآن السيد الخوئي رحمه الله تلميذ الشيخ النائيني يختلف معه في المباني الرجالية، الشهيد الصدر تلميذ السيد الخوئي يختلف معه في المباني الرجالية، حقيقة مراسيل أبن أبي عمير في الجملة مع تفصيل نذكره في غير المنبر السيد الخوئي لا يراها حجة، الشهيد الصدر يراها حجة، كذلك سماحة السيد السيستاني، أساساً السيد السيستاني يختلف عن السيد الخوئي في المباني الرجالية”[22].
 
المناقشة
       إذا كان “تراثنا كله نقي” لأنه كان يُكتب عن النبي (ص) والأئمة (ع) مباشرة وكان من يكتبونه “ينقلونه إلى الجيل الذي بعدهم صافياً نقياً” وأن علمائنا السابقين تشددوا في الأحاديث، وأن تراثنا لا يوجد فيه حديث موضوع، كما مر بنا من كلمات الشيخ الدهنين، فالسؤال الهام هنا: لماذا يبذل فقهاؤنا الجهود المضنية من أجل الاستنباط الفقهي؟!! لأن الشيخ الدهنين يقول بأن “تراثنا كله نقي” وإذا كان كذلك فما الحاجة لهذه الجهود التي تبذل من أجل الاجتهاد وتنقية الأحاديث لدى الفقهاء؟!! ولقد أشرنا إلى ذلك مسبقاً.
       لماذا يتم الاهتمام بتنقية التراث في المجال الفقهي ولا يُهتم بتنقيته في المجالات الأخرى رغم كون دواعي الوضع في المجالات الأخرى أكثر كما مر بنا من كلام السيد الطباطبائي؟!! أوليس هذا يقودنا لتفهم كلام السيد الحيدري عندما وصف المدرسة الأصولية بأنها أصولية في الفقه الأصغر أما في غيره فهي إخبارية، وذلك لأنها لم تهتم بتنقية التراث في غير الجوانب الفقهية، وذلك في قوله: “وهنا لابدّ أن أشير إلى أن العقل الأصولي الشيعي المتكون من زمان الشيخ الأنصاري وإلى يومنا هذا والآن سواء في مدرسة النجف الحديثة أو في مدرسة قم أو في غيرها، طبعاً أتكلم الحالة العامة ويوجد لكل حالة عامة استثناءات، العقل الأصولي وإن كان أصولياً وعقلياً بالمعنى الذي يدعى، ولكنه في الفروع وأمّا على مستوى الفقه الأكبر والعقائد فهو منهجهم منهج أخباري… إذن حوزاتنا العلمية سواء كانت في النجف أو كانت في قم أو في أي حواضر أخرى هذه الحوزات على مستوى البحث الفقهي وإن صارت أصولية كما يقال إلّا أنّها بقيت أخبارية على مستوى العقائد، يعني المدار هو الرواية وليس القرآن الكريم، وهذا بحث في محله”[23].
 
تراثنا نقي وتكرار التحدي
يقول الشيخ الدهنين: “ومن هنا إذا أحببتم أقول لكم: بأن تراثنا نقي جداً، وقلت لك: هذه الرسالة العملية أمامك، موجودة في بيوتكم، ابحثوها حكماً حكماً أو أي شخص يقول لك أنت يا شيعي تراثك فيه اسرائيلي، قل له البحث علمي، هاي رسالتي العملية، أنا من أصلي أفتح الرسالة العملية، من أصوم أفتح الرسالة العملية، من أجرح طفل باب الديات أفتح الرسالة العملية، من أتزوج أحكام الزواج أفتح الرسالة العملية، هاي الرسالة العملية رحم الله والديك، شوف لي حكم من الأحكام مأخوذ من إسرائيلي، وإلك ألف دولار، عفواً والله قليلة إلك مليون دولار، أنا أطلقتها الآن، حكم ندين الله به، أما تجي إلى كتاب من كتب الشيعة من كتب التفسير، تقول شوف شوف هذه الرواية راويها إسرائيلي، وإذا راويها إسرائيلي، إيه موجوده روايه، موجودة روايتين، شكو موجودة خمس، أنت تفهمني شريد أقول، أنا أريد أقول تراثي الشيعي، شنو معنى تراثي، الذي أدين الله به، مو هذه الذي أدين الله به في الاعتقاد، وأدين الله في العمل صلاة وصوم، هذا التراث أتحداك أن يكون مستنداً إلى إسرائيلي أو إلى كعب الأحبار أو إلى كذا، واضح أعزائي”[24].
 
المناقشة
       نلاحظ أن الشيخ الدهنين اختلف عنده المراد من التراث هنا، إذ استثنى التفسير منه، وإن كان لا زال مصراً على التحدي بالرسالة العملية، وهذا يدل على خلاف قوله السابق بأن “تراثنا كله نقي”، لأنه إذا كان تراثنا كله نقي، وكتب التفسير ليست نقية وفيها إسرائيليات ورايات عن كعب الأحبار مثلاً رغم كونها من ضمن التراث، فهذا يعني نقض لكلامه السابق، لأن التراث لن يكون نقياً في هذه الحالة، لأن جزء منه وهو التفسير غير نقي!!
       ذكر السيد الحيدري العديد من الأمثلة على الاختراقات في العقائد لقضايا يدين الله بها بعض العلماء كسهو النبي والتشكيك في عصمته ونومه عن الصلاة، والتي تؤثر في الجوانب العقدية وبلا شك، فهل مع وجود هذه الحالات نستطيع أن نطلق العبارات ونقول لا يوجد عقائد ندين الله بها متأثرة بمثل هذه الأمور؟!![25] لا أعتقد بأن هذا دقيقاً، وبالخصوص وأن البعض (ومن العلماء) يدين الله بها.
 
الدليل على أن تراثنا نقي وصافٍ وخالي من الإسرائيليات
        يبين الشيخ الدهنين بأن السيد الخوئي تبين بأنه عُرض عليه هذا الإشكال فقال: تراثنا نقي (أي السيد الخوئي)، وبعدها يعرض الشيخ الدهنين تسجيل صوتي للسيد الخوئي يقول فيه: (الكتب الموجودة بأيدينا.. الكتب الأربعة خالية من هذه الروايات إلا الشاذ النادر، وإلا فهي خالية… والعلماء…)[26] يعني –والكلام للشيخ الدهنين- ما أمنع أنا أن تكون رواية موجودة راويها إسرائيلي، ولكن شلي أمنع، أقول قليلة وأقول شنو أنا لم أستند إليها، فإذا موجودة في كتابي صار موروثي إسرائيلي، ها. أنا لم استند إليها اسمع اسمع (الكتب الموجودة بأيدينا الكتب الأربعة، خالية من هذه الروايات إلا الشاذ النادر، … وإلا فهي خالية… والعلماء، بلي، نزهوا الروايات وألقوا تلك الروايات المخالفة للكتاب…)”[27].
 
المناقشة
       الغريب أن الشيخ الدهنين نسب إلى السيد الخوئي أنه يقول أن تراثنا نقي، وبعدها عرض تسجيل صوتي للسيد الخوئي للتدليل على ذلك، ولكن هذا التسجيل لا يؤكد هذه الدعوى، لأن السيد الخوئي في هذا المقطع كان يتكلم فقط عن الروايات الموجودة في (الكتب الأربعة) لا عن عموم كتب التراث هذا أولاً، ومع ذلك أيضاً لم يقل بأن هذه الكتب الأربعة كلها صافية ونقية كما قال الشيخ الدهنين، وإنما قال لا يوجد فيها إلا الشاذ النادر، وهذه المقولة تختلف عن كون تراثنا نقي وصافٍ، فتأملوا!! ولذلك وجدنا الشيخ الدهنين وبعد أن عرض تسجيل السيد الخوئي واستمع الناس له أدرك بأنه لا يمكن الاستدلال به على أن “تراثنا كله نقي” كما يقول، ولهذا نجده غير كلامه وقال: “يعني ما أمنع أنا أن تكون رواية موجودة راويها إسرائيلي، ولكن شلي أمنع، أقول قليلة وأنا لم أستند إليها، فإذا موجودة في كتابي، صار موروثي إسرائيلي” مع أنه كان يؤكد وفي أكثر من مورد أن “تراثنا كله نقي” وخالٍ من الإسرائيليات، فيا للعجب!!
       من قال للشيخ الدهنين بأنه إذا كانت هناك رواية مدسوسة (إسرائيلية) موجودة في التراث صار الموروث إسرائيلي، فالسيد الحيدري لم يقل بأن موروثنا إسرائيلي، بل قال بأن موروثنا مخترق وقد تسربت إليه الإسرائيليات، ومثل ذلك يقوله السيد الطباطبائي أيضاً، فهناك فرق كبير بين ما قاله السيد الحيدري وما صوره الشيخ الدهنين، فتأملوا!!
 
 
تكرار النتيجة وتكرار التحدي
        يقول الشيخ الدهنين: “إذن أهل البيت اهتموا كثيراً بحفظ التراث كتبنا الأربعة، الكافي للكليني، والتهذيب والاستبصار لشيخ الطائفة، ومن لا يحضره الفقيه للصدوق، غربلت وحققت كثيراً في عشرين سنة. الكافي يكتب كتاب الكافي الكليني، وجهود كثيرة من بعدهم تضافرت حتى وصل إلينا هذا التراث نقياً.. أكرر يا شيعي، هاذي رسالتك العملية التي تدين الله بها، كل حكم فيها، مصدره الكتاب العزيز أو السنة الشريفة المروية إما بأحاديث متواترة قطعاً أو بأحاديث غير متواترة، ولكنها حجة من حيث الاعتبار، لأن خبر الواحد، حجة ومعتبر ويجوز الاستناد إليه في مقام أخذ الحكم الشرعي …”[28].
 
المناقشة
       ما ذكره الشيخ الدهنين هنا ملخص وتكرار لكلامه السابق، ولهذا لا حاجة لتكرار التعليق، ولكن عجبي منه أنه وبعد ما نقله عن السيد الخوئي وتراجعه عن كلامه بأن (تراثنا نقي)، وذلك لأن فيه القليل من الإسرائيليات، يعود مرة أخرى ويقول: “وجهود كثيرة من بعدهم تضافرت حتى وصل إلينا هذا التراث نقياً”!!! فمرة يقول: “تراثنا كله نقي” وأخرى يقول: فيه القليل، ومن ثم يعود ويقول: تراثنا كله نقي!! ولا أدري كيف يناقض نفسه بنفسه بهذه الصورة خلال دقائق معدودة فقط؟!!
 
ملاحظة عامة
أبرز ملاحظة نسجلها على الشيخ الدهنين، والتي صاحبته من أول محاضرته إلى نهايتها هو الارتباك وعدم ضبط العبارات ضبطاً علمياً دقيقاً، وإذا عرفنا ذلك فليس من المستغرب إذا وجدناه يخالف نفسه بنفسه، فيطرح بعض الأمور ويطرح ما يخالفها بعد دقائق معدودة، ونجده يؤكد على أمر ويستشهد على صحته بما يؤكد على خلافه كما في استشهاده بكلام السيد الخوئي قدس الله نفسه، والعجيب أنه يعود بعدها ليؤكد رأيه الأول الذي ناقضه بعد أن ذكره!!، وغيرها من الأمور التي تكشف عن عدم الارتباط وعدم تناسق المعلومات التي يذكرها.
 
الشيخ الدهنين يخالف السيد الخوئي
        مر بنا أن الشيخ الدهنين يؤكد في أكثر من مورد من كلامه بأن تراثنا نقي وصافٍ، ونسب إلى السيد الخوئي أيضاً القول بذلك، وذكر عدة أسباب لذلك منها: أولاً: أن تراثنا نقل مباشرة من المعصومين (ع)، إذ كان الرواة يكتبون الحديث منهم مباشرة “وينقلونه إلى الجيل الذي بعدهم صافياً نقياً”، ثانياً: أن علماءنا تشددوا في قبول الروايات، إضافةً إلى أن أصحاب الكتب الأربعة (الكيني والصدوق والطوسي) مجمع على وثاقتهم، وأنه “لم ينسب التدليس إلى أحد من علمائنا الكبار العظام الذين كتبوا تراثنا، فتراثنا كتب بأيدي أمينة، مجمع على وثاقتهم، ومجمع على إيمانهم”، كما نجد الشيخ الدهنين أيضاً قد نفى وجود أحاديث موضوعة في تراثنا، وذلك في قوله:”الحديث الموضوع هو الحديث الذي نعلم أنه كذب، نعلم أنه كذب، فحينما نقول بأن تراثنا نقي من الأحاديث الموضوعة لا يعني أنه نقي من الأحاديث الضعيفة، لا، تشتمل أحاديثنا على الأحاديث الضعيفة، نقول: لا تشتمل على الأحاديث الموضوعة، الموضوعة يعني التي نعلم بكذبها”[29].
 
ويستدل الشيخ الدهنين على خلو تراثنا من الروايات الموضوعة بما قاله الشيخ الكليني في مقدمة كتاب الكافي، حيث قال جواباً لسائله:”وقلت: إنك تحب أن يكون عند كتاب كافٍ يجمع فيه من جميع فنون علم الدين ما يكفي به المتعلم، ويرجع إليه المسترشد، ويأخذ منه من يريد علم الدين والعمل به بالآثار الصحيحة عن الصادقين عليهم السلام…”[30]، حيث يشير الشيخ الدهنين لهذا القول للتدليل على كون تراثنا نقي وصافٍ وخالٍ من الأحاديث الموضوعة، وجميع ما ذكره الشيخ الدهنين حول هذه النقطة يشبه ما يستدل به علماء الاخبارية، وهذا ما يرفضه السيد الخوئي كما سيتضح لنا فيما سيأتي.
 
نظرة السيد الخوئي للكتب الأربعة (كتاب الكافي نموذجاً)
مر بنا أن الشيخ الدهنين نسب إلى السيد الخوئي أنه يرى أن تراثنا نقي، ولقد بينا فيما سبق بأن هذا الكلام غير صحيح، وسوف ننقل لكم كذلك رأي السيد الخوئي -رحمه الله- في كتاب الكافي كنموذج لنظرته للكتب الأربعة، وهل يراها نقية ولا يوجد بها أحاديث موضوعة كما يقول الشيخ الدهنين أم لا؟!
 
أستطع أن أؤكد أن السيد الخوئي لا يقول بما يقوله به الشيخ الدهنين، بل ويرفض ما استدل به الشيخ الدهنين من كلام الشيخ الكليني في مقدمة كتابه (الكافي) على عدم وجود روايات موضوعة، حيث يقول إن ظاهر كلام الكليني انه “لم يكن يعتقد صدور روايات كتابه عن المعصومين عليهم السلام جزماً، وإلا لم يكن مجال للاستشهاد بالرواية على لزوم الأخذ بالمشهور من الروايتين عند التعارض، فإن هذا لا يجتمع مع الجزم بصدور كليهما؛ فإن الشهرة انما تكون مرجحة لتمييز الصادر عن غيره، ولا مجال للترجيح بها مع الجزم بالصدور”[31].
 
    وللأسف أن ما ذكره الشيخ الدهنين هو ترديد لعبارات بعض علماء الأخبارية الذين يرون بقطعية صدور ما جاء في الكتب الأربعة وأمثالها، وهذا ما يرفضه السيد الخوئي في قوله: “ذهب جماعة من المحدثين إلى أن روايات الكتب الأربعة قطعية الصدور. وهذا القول باطل من أصله. إذ كيف يمكن دعوى القطع بصدور رواية رواها واحد عن واحد ، ولا سيما أن في رواة الكتب الأربعة من هو معروف بالكذب والوضع”[32].
 
وبعدها نجد السيد الخوئي يذكر أهم ما ذكره الأخباريين لإثبات صدور روايات الكتب الأربعة عن المعصومين، إذ يقول: “وأحسن ما قيل في ذلك هو : أن اهتمام أصحاب الأئمة عليهم السلام وأرباب الأصول والكتب بأمر الحديث إلى زمان المحمدين الثلاثة ـ قدس الله أسرارهم ـ يدلنا على أن الروايات التي أثبتوها في كتبهم قد صدرت عن المعصومين عليهم السلام ، فإن الاهتمام المزبور يوجب -في العادة- العلم بصحة ما أودعوه في كتبهم، وصدوره من المعصومين عليهم السلام”[33].
 
وفي مقام رد كلامهم يقول السيد الخوئي: “وأما ما ذكر من شهادة محمد بن يعقوب بصحة جميع روايات كتابه وأنها من الآثار الصحيحة عن الصادقين عليهم السلام ، فيرده[34]:
       أولاً: إن السائل إنما سأل محمد بن يعقوب تأليف كتاب مشتمل على الآثار الصحيحة عن الصادقين عليهم السلام، ولم يشترط عليه ان لا يذكر فيه غير الرواية الصحيحة، أو ما صح عن غير الصادقين عليهم السلام. 
       وثانياً: لو سلمنا أن محمد بن يعقوب شهد بصحة جميع روايات الكافي، فهذه الشهادة غير مسموعة، فإنه إن أراد بذلك ان روايات كتابه في نفسها واجدة لشرائط الحجية، فهو مقطوع البطلان؛ لان فيها مرسلات، وفيها روايات في اسنادها مجاهيل ومن اشتهر بالوضع والكذب كابن البختري وأمثاله. وان أراد بذلك أن تلك الروايات وان لم تكن في نفسها حجة إلا أنه دلت القرائن الخارجية على صحتها ولزوم الاعتماد عليها، فهو أمر ممكن في نفسه، لكنه لا يسعنا تصديقه وترتيب آثار الصحة على تلك الروايات غير الواجدة لشرائط الحجية؛ فإنها كثيرة جداً، ومن البعيد جداً وجود أمارة الصدق في جميع هذه الموارد، مضافاً إلى أن إخبار محمد بن يعقوب بصحة جميع ما في كتابه حينذ لا يكون شهادة، وإنما هو اجتهاد إستنبطه مما إعتقد أنه قرينة على الصدق. ومن الممكن أن ما اعتقده قرينة على الصدق لو كان وصل إلينا لم يحصل لنا ظن بالصدق أيضاً، فضلاً عن اليقين.
       ثالثاً: أنه يوجد في الكافي روايات شاذة، لو لم ندع القطع بعدم صدورها من المعصوم عليه السلام فلا شك في الاطمئنان به، ومع ذلك كيف تصح دعوى القطع بصحة جميع روايات الكافي وأنها صدرت من المعصومين عليهم السلام.
       ومما يؤكد على ما ذكرناه من أن جميع روايات الكافي ليست بصحيحة: أن الشيخ الصدوق –قدس سره- لم يكن يعتقد صحة جميع ما في الكافي وكذلك شيخه محمد بن الحسن بن الواليد على ما تقدم من أن الصدوق يتبع شيخه في التصحيح والتضعيف.
 
إلى أن يخلص السيد الخوئي إلى هذه النتيجة: “والمتحصّل أنّه لم تثبت صحّة جميع روايات الكافي، بل لاشكّ في أنّ بعضها ضعيفة، بل إنّ بعضها يطمأن بعدم صدورها من المعصوم عليه السلام. واللّه أعلم ببواطن الامور”[35].
 
وهذه الكلمة واضحة في أنه لا يدعي عدم وجود روايات موضوعة في الكتاب، أو أن “تراثنا كله نقي” كما يقول الشيخ الدهنين وينسبه له، وإلا كيف نفهم عبارته “إن بعضها يطمأن بعدم صدورها من المعصوم عليه السلام”؟!! ولو أكتفينا بهذه العبارة فقط لكفتنا لإثبات عدم صحة ما ذكره الشيخ الدهنين.
 
الشيخ الدهنين يردد مقولات علماء الأخبارية
إن كلام الشيخ الدهنين يشابه كلام بعض علماء الأخبارية، بل لعلنا لا نكون مبالغين لو قلنا بأن هناك تطابق بينه وبينهم في بعض النقاط والجزئيات، وسوف يتضح ذلك فيما يلي:
 
•       الشيخ الدهنين والمحدث الإسترآبادي
ذكر المحدث محمد أمين الإسترآبادي في كتابه الفوائد المدنية اثني عشر وجهاً لصحة جميع أحاديث الكتب الأربعة، أولها في قوله: “من الوجوه الدالة على صحة أحاديث الكتب الأربعة –مثلاً- باصطلاح قدمائنا :إنا نقطع قطعاً عادياً بأن جمعاً كثيراً من ثقات أصحاب أئمتنا -ومنهم الجماعة الذين أجمعت العصابة على أنهم لم ينقلوا إلا الصحيح باصطلاح القدماء- صرفوا أعمارهم في مدة تزيد على ثلاثمائة سنة في أخذ الأحكام عنهم عليهم السلام وتأليف ما يسمعونه منهم عليهم السلام وعرض المؤلفات عليهم السلام ثم التابعون لهم تبعوهم في طريقتهم واستمر هذا المعنى إلى زمن الأئمة الثلاثة  -قدس الله أرواحهم-“[36].
 
وهذا الكلام يشبه ما جاء في محاضرة الشيخ الدهنين، كما أن النتيجة التي توصل إليها المحدث الإسترآبادي هي أيضاً تشبه إلى حد كبير ما توصل إليه الشيخ الدهنين، بل نستطيع أن نؤكد أن كلام الشيخ الدهنين يطابق في مضمونه كلام المحدث الإسترآبادي في هذا النطقة أو الوجه.. فتأملوا !!
 
•       الشيخ الدهنين والحر العاملي
       كذلك نجد أن كلام الشيخ الدهنين يشابه كلام الحر العاملي في النظر إلى الروايات، فالحر العاملي استشهد في الفائدة السادسة من خاتمة كتابه الوسائل بعدة أقوال على صحة الكتب الأربعة وأمثالها من كتب علمائنا القدماء، منها قوله: “شهادة جمع كثير من علمائنا بصحة الكتب المذكورة وأمثالها وتواترها وثبوتها عن مؤلفيها وثبوت احاديثها عن أهل العصمة”[37].
 
كما يذكر الحر العاملي في الفائدة التاسعة (22) دليلاً على صحة أحاديث هذه الكتب منها ما استدل عليه بقوله: “انا قد علمنا قطعياً بالتواتر والأخبار المحفوفة بالقرائن أنه قد كان دأب قدمائنا في مدة تزيد على ثلاثمائة سنة ضبط الأحاديث ويرونها في مجالس الأئمة عليهم السلام وغيرها، وكانت همة علمائنا مصروفة في تلك المدة الطويلة في تأليف ما يحتاج إليه من أحكام الدين ليعمل به الشيعة، وقد بذلوا أعمارهم في تصحيحها وضبطها وعرضها على أهل العصمة، واستمر ذلك إلى زمان الأئمة أصحاب الكتب الأربعة”[38].
 
وهذا الكلام يشبه إلى حد ما كلام الشيخ الدهنين كما هو واضح، ولهذا أجد أن أفضل رد للرد على كلام الشيخ الدهنين هو ما رد به السيد الخوئي (قدس الله روحه) على الحر العاملي والأخبارية، حيث قال: إن هذه الدعوى فارغة من وجوه أربعة، وملخصها[39]:
 
       أولاً: أن أصحاب الأئمة عليهم السلام وإن بذلوا غاية جهدهم واهتمامهم في أمر الحديث وحفظه من الضياع والاندراس حسبما أمرهم به الأئمة عليهم السلام، إلا أنهم عاشوا في دور التقية، ولم يتمكنوا من نشر الأحاديث علناً، فكيف بلغت هذه الأحاديث حد التواتر أو قريباً منه!
       ثانياً: أن الاهتمام المزبور لو سلمنا أنه يورث العلم، فغاية الأمر أنه يورث العلم بصدور هذه الأصول والكتب عن أربابها، فنسلم أنها متواترة، ولكنه مع ذلك لا يحصل لنا العلم بصدور رواياتها عن المعصومين عليهم السلام، وذلك فإن أرباب الأصول والكتب لم يكونوا كلهم ثقات وعدولاً، فيحتمل فيهم الكذب. وإذا كان صاحب الأصل ممن لا يحتمل الكذب في حقه، فيحتمل فيه السهو والاشتباه.
       ثالثاً: لو سلمنا أن صاحب الكتاب أو الاصل لم يكذب ولم يشتبه عليه الامر، فمن الممكن أن من روى عنه صاحب الكتاب قد كذب عليه في روايته أو أنه اشتبه عليه الأمر، وهكذا.
       رابعاً: إن الاصول والكتب المعتبرة لو سلمنا أنها كانت مشهورة ومعروفة إلا أنها كانت كذلك على إجمالها، وإلا فمن الضروري أن كل نسخة منها لم تكن معروفة ومشهورة، وإنما ينقلها واحد إلى آخر قراءة أو سماعاً، أو مناولة مع الاجازة في روايتها، فالواصل إلى المحمدين الثلاثة إنما وصل إليهم عن طريق الآحاد، … وعلى الجملة: إن دعوى القطع بصدور جميع روايات الكتب الأربعة من المعصومين واضحة البطلان. ويؤكد ذلك أن أرباب هذه الكتب بأنفسهم لم يكونوا يعتقدون ذلك[40].
 
ولهذا فإننا نقول للشيخ الدهنين ما قاله السيد الخوئي لأصحاب هذه الدعاوى، وهي: إن دعواك بأن “تراثنا كله نقي” وبأنه لا توجد فيه أحاديث موضوعة دعوى فارغة للوجوه التي ذكرها السيد الخوئي، وبالخصوص في النقطة الثانية والثالثة والرابعة فراجعها وتأمل فيها جيداً !!، علماً بأن السيد كمال الحيدري     -حفظه الله- لديه رؤية مختلفة عن السيد الخوئي فيما يخص الكتب الأربعة ولكن ليس هاهنا محل بيانها[41].
 
 كلمة الختام
       تناولنا في هذا الموضوع ما جاء في محاضرة الشيخ علي الدهنين –حفظه الله- حول تنقية التراث الشيعي، وبينا مواضع الخلل والقصور في كلامه. وكلي أمل أن يطلع عليها ليتعرف على مواطن الضعف والتهافت التي وقع فيها، وذلك لكي يأخذها بعين الاعتبار ويتجنب الوقوع فيها في المستقبل، إذا ما أراد أن يتطرق لهذا الموضوع في محاضرات قادمة. 

________________________________________
[1] راجع محاضرة الشيخ الدهنين في الليلة الثالثة من شهر محرم لعام 1435هـ والتي عنونها بـ (تنقية الموروث الشيعي)، ويمكن الاستماع لها على الرابط التالي: https://www.youtube.com/watch?v=Bb5KKHn1Ulw
علماً بأنني حرصت في الكثير من الموارد على إيراد كلام الشيخ الدهنين كما هو دون أي تغيير، ولذا نعتذر عن عدم وضوح بعض العبارات.
 
[2] راجع المصدر السابق.
[3] راجع المصدر السابق.
[4] راجع المصدر السابق.
[5] وهي قوله  أن تراثنا كله نقي وصافي ولا توجد فيه روايات موضوعة.
[6] راجع محاضرة الشيخ الدهنين في الليلة الثالثة من شهر محرم لعام 1435هـ والتي عنونها بـ (تنقية الموروث الشيعي)، ويمكن الاستماع لها على الرابط التالي: https://www.youtube.com/watch?v=Bb5KKHn1Ulw
[7] راجع المصدر السابق.
[8] راجع حلقة برنامج السيد الحيدري في شهر رمضان 1434هـ.
[9] راجع تفسير الميزان للسيد الطباطبائي ج12 ص112.
[10] راجع كتاب الميزان في تفسير القرآن للسيد الطباطبائي ج12، ص108.
[11] سبق وأن ذكرت هذه الروايات في مقالي المُعنون بـ (الإسرائيليات في موروثنا الروائي..نظرة نقدية حول بعض الإشكالات المطروحة حول السيد الحيدري).
[12] راجع كتاب بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج44، ص224، (1) أمالي الصدوق، المجلس 29، الرقم 4.
[13] راجع المصدر السابق ج60، ص197-198/تفسير فرات:67.
[14] راجع المصدر السابق ج52، ص225.
[15] راجع المصدر السابق ج45، ص315.
[16] راجع برنامج مطارحات في العقيدة، شهر رمضان 1434هـ، حلقات (من إسلام الحديث إلى إسلام القرآن، القسم الثامن) للسيد كمال الحيدري.
[17] راجع محاضرة الشيخ الدهنين في الليلة الثالثة من شهر محرم لعام 1435هـ والتي عنونها بـ (تنقية الموروث الشيعي).
[18] راجع المصدر السابق.
[19] راجع المصدر السابق.
[20] راجع كتاب الكافي للكليني ج1، ص62-63.
[21] راجع محاضرة الشيخ الدهنين في الليلة الثالثة من شهر محرم لعام 1435هـ والتي عنونها بـ (تنقية الموروث الشيعي).
[22] راجع المصدر السابق.
[23] راجع حلقة (من إسلام الحديث إلى إسلام القرآن، القسم الثاني) للسيد كمال الحيدري.
[24] راجع محاضرة الشيخ الدهنين في الليلة الثالثة من شهر محرم لعام 1435هـ والتي عنونها بـ (تنقية الموروث الشيعي).
[25] راجع حلقات السيد الحيدري.
[26] بعض العبارات لم أستطع فهمها وسماعها جيداً ولذا وضعت مكانها نقاط.
[27] راجع محاضرة الشيخ الدهنين في الليلة الثالثة من شهر محرم لعام 1435هـ والتي عنونها بـ (تنقية الموروث الشيعي).
[28] راجع المصدر السابق. 
[29] راجع المصدر السابق.
[30] راجع مقدمة كتاب الكافي للكليني ج1، ص8.
[31] معجم رجال الحديث ج1 ص40.
[32] راجع معجم رجال الحديث للسيد الخوئي ج1، ص22.
[33] راجع المصدر السابق.
[34] سوف ننقل ما أورده السيد الخوئي في معجم رجال الحديث ج1 ص82 وما بعدها باختصار.
[35] راجع معجم رجال الحديث للسيد الخوئي ج1، ص86.
[36] راجع كتاب الفوائد المدنية والشواهد المكية للمحدث محمد أمين الإسترآبادي، السيد نور الدين العاملي، الفصل التاسع، ص 371.
[37] راجع وسائل الشيعة ج30، ص193.
[38] راجع المصدر السابق ج30، ص252.
[39] راجع معجم رجال الحديث للسيد الخوئي ج1، ص22 وما بعدها منقول باختصار.
[40] راجع معجم رجال الحديث للسيد الخوئي ج1، ص22-25 منقول باختصار.
[41] راجع بحوث خارج الفقه، مفاتيح عملية الاستنباط الفقهي للسيد كمال الحيدري من الدرس (287) إلى الدرس (290).

أحدث المقالات

أحدث المقالات