أدري وهمٌ فاعلٌ فينا , فالواحد منا يحسب أنه يدري وهو لا يدري , وقد تناول هذه المعضلة عدد من مفكري الأمة وأعلامها عبر العصور , وقد قسم الألمعي الخالد الخليل بن أحمد الفراهيدي الاشخاص إلى أربعة أضناف , منهم بدري أنه يدري , ويدري ولا يدري أنه يدري , ولا يدري ويدري أنه لا يدري , ولا يدري أنه لا يدري.
ومعظم القابعين في الكراسي لا يرون أنهم لا يدرون , ويتوهمون الدراية والقيادة والحكمة , ويقبضون على الحقيقة , فأذاقوا مجتمعاتهم الويلات وسوء المصير لأنهم جهلة يتوهمون المعرفة.
وما تسمعه منهم : ” أنا فاهم” , ” أنا عارف” , وغيرها من الكلمات والعبارات والتصريحات , التي تنم عن جهل مروع , ولهذا فهم لا يقرأون ويحسبون المكتوب في الصحف والمواقع هذربات وكلام بلا فائدة , وربما يكونون على حق , لأنهم ينفذون ما يؤمرون به , وقائمة ما عليهم إنجازه ترقد على مكاتبهم , وتكبلهم بمفرداتها الساعية لإجراءات تنفيذية لتأمين المصالح الأجنبية.
ولكي تمرر لوائح أوامرك عليك بالجهلة والمخصيين نفسيا وعقليا , والمبرمجين ليقوموا بدور الدمية.
وعليه فأن الذي لا يدري ولا يدري أنه لا يدري , هو المناسب في المكان المطلوب , والدمية الصالحة للمصالح.
وهؤلاء أعداء الذي يدري ويدري أنه يدري , لأنه سيرشدهم ويعارضهم , ولا يحتملون أنوار عقله ورؤاه , وما يطرحه من أفكار لصالح المجتمع الذي هو فيه , فتجدنا في أوضاع مأساوية خالية من فعل العقل وتأثيراته الإيجابية.
والذي لا يدري ولا يدري أنه لا يدري , يستعمل العواطف والإنفعالات , ويستثمر بتأجيجها بين المواطنين , لكي يحافظ على غنائمه وما يرضي رغبات النفس الأمارة بالسوء الفاعلة فيه.
ووفقا لذلك تكون المجتمعات منكوبة عندما يتسلط عليها اللاأدريون ولا يدرون أنهم لا يدرون.
فهل من قائد يدري ويدري أنه يدري؟!!
د-صادق السامرائي