18 ديسمبر، 2024 9:17 م

الشهيد عز الدين سليم حالة عبقرية متالقة

الشهيد عز الدين سليم حالة عبقرية متالقة

لم يكن الشهيد عبد الزهرة عثمان – (عز الدين سليم) علما في السياسة والاعلام والتاريخ والفكر والحكم وحسب بل كان -رحمه الله – صاحب رؤية ثاقبة وبصيرة واعية وعبقرية قل نظيرها .
كان ابو ياسين ينتقي ويختار الاشخاص كل في موقعه ومكانه المناسب ويرعى الكفاءات والطاقات , لقد كان مربيا ومنتجا لجيل من الكتاب والمثقفين والاعلاميين والادباء يشار لهم اليوم بالبنان استطاع من خلالهم ان يؤسس لدولة الانسان التي كانت هاجسه اليومي ومطمح احلامه .
كان ابو ياسين يشخص بدقة متناهية ظروف المرحلة وكيفية وطبيعة العمل الاسلامي ومسارات وتوجهات المجتمع , لقد نذر عمره للعلم والجهاد ومساعدة الاخرين والرفق بهم وتزويدهم بالمعرفة والرؤية الصائبة دون اي مقابل سوى مرضاة الله .
تحول منزله البسيط سواء في الكويت اوفي طهران الى خلية عمل وتثقيف وترشيد في مختلف المجالات والاهتمامات لم تشغله كتاباته ومؤلفاته عن رعاية الناس والاهتمام بهم وتوجيههم واكتشاف الطاقات المخبوءة في دواخلهم .
الرجل لم يتشرنق في ذاته او في دائرته السياسية او المناطقية فكما ان ابراهيم العبادي – ابو برير – من البصرة قريبا منه كان خالد توفيق- (جواد الكسار) من كربلاء قريبا منه وهكذا بالنسبة للاخ ابو مختار من ديالى وطالب الاحمد من بغداد وابو قاسم الكاظمي وابو عمار الجيزاني ,وابو صالح رستمي وغيرهم كثيرون.
كان يوكل الي مثلا كتابة افتتاحية صحيفة الشهادة رغم ان الافتتاحية مرتبطة به لكونه كان مسؤول وحدة الثقافة والاعلام في المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق انذاك ولكون صحيفة الشهادة كانت تعبر عن راي ومواقف المجلس الاعلى الا انه كان يوكل الامر لي ويطلب مني كتابة الافتتاحية او يطلب مني احيانا عكس رؤية سياسية او فكرية تدور في ذهنه , وعندما كنت اكتب باسم (ابو جهاد العيدان) اعترض علي وقال لي بحنان وابوية هذا الاسم ليس صحفيا فحذف منه (ابو) , ليبقى اسمي الصحفي هو جهاد العيدان احد الاسماء التي كان للشهيد عز الدين سليم الفضل والبركة في صقله وتهذيبه ليكون بمستوى الطموح ان شاء الله وها انا اعتز به لحد الان لانه ثمرة هذا الرجل الرائع والمبارك .
لم يكتف عز الدين سليم بتوجيهاته لنا في مجال الكتابة السياسية والفكرية والصحفية بل انه شجعنا على الكتابة في المركز الاسلامي للدراسات السياسية والاسلامية التابع له لانه يرى بان الكاتب يجب ان يصقل موهبته وملكته الكتابية عبر المراكز الدراسية الاستراتيجية وليس في الصحافة المجردة التي كان يطلق عليها مجازا بالكتابات السندويشية لانها مجرد كتابات عابرة وانية وكثيرا ما يطلب مني التفرغ للكتابات العميقة والتحليلية والفكرية والاستراتيجية لانها الاكثر بقاءا وخلودا وتالقا .
كلفني برئاسة تحرير مجلة المراءة المسلمة التي اصدرها من خلال وحدة الثقافة والاعلام اضافة الى سكرتارية تحرير صحيفة الشهادة باعتبار اهمية الاهتمام بالمراءة ورعاية دورها وتثقيفها وتوجيهها لتكون رديفا للرجل في مرحلة الجهاد والتصدي لفرعون العراق انذاك الطاغية صدام كما كلفني بالعلاقات الخارجية مع الجهات الصحفية والشخصيات السياسية لاعتبارات كان يشخصها تحديدا .
لا احد ينسى خلقه الرفيع، وأبتسامته التي ترتسم في محياه، وإطلالته الحكيمة وحلوله الناجعة،كنا في اقسى لحظات الجهاد وفي اسوء لحظات القلق الا انه وبمجرد اطلالته علينا يبدد هذه المخاوف ويعيد الراحة النفسية لقلوبنا ويفتح بنفسه الطاهرة افاقا من الصمود والطمأنينة لم نلحظها الا بوجوده وباشراقته وبنكاته المعبرة عن كل تنوعات وتضاريس الواقع وحقائقه باسلوب طريف وعملي .
ان من يلتقي به ولو لمرة واحدة لايستطيع الانفكاك او الابتعاد عنه او نسيانه ولايستطيع مفارقته , بل ان القرب منه يعتبر مصدر الهام وعطاء ونقاء.
لم يهمل رحمه الله حتى الاشخاص مريضي الانفس الذين يجعلون من انفسهم عيونا واذانا للاخرين بل كان يجاملهم باسلوبه الواعي وبكلماته الهادئة وبنفحات روحه الطاهرة وعندما نخبره بخطورة هؤلاء كان يضحك ويفاكهنا قائلا وهل هم اخطر من الشيطان .
بدأ رحمه الله مبكرا بالاهتمام بالجانب العلمي،والفكري ،والتاريخي..مما اتاح له لمسات واضاءات كتابية رائعة ومباركة في ان واحد .
ان الاسلوب الشيق في كتابته للأحداث التاريخية بشكل موضوعي دون اي تهويل اوصخب اوتاويل يعد السمة العلمية في منحاه الكتابي المعرفي, لقد أتحف المكتبة الاسلامية بعشرات المؤلفات القيمة العميقة والجزلة ،كما انه اختزل الدعوة والفكر الاسلامي برؤية انسانية حضارية لم يالفها المجتمع انذاك ولم يفهمها الكثيرون ممن عاصروه , ومع هذا الخزين العلمي والكتابي والفكري الا انه تعفف عن المكاسب المادية و التقرب من ذوي السلطة والشان بل كانت الدنيا تقبل عليه لانه مع الله ومن كان مع الله كان الله معه .
وقد أثنى كل من عاصر الرجل على حسن سيرته، وخلقه وادبه الجم وعرف بعدم الخصومة مع الجميع ،ومن يختلف معه بالرأي،وتعامل مع جميع القوى الوطنية بشفافية وود دون اي تقاطعات واختلافات وافتعال للازمات……
كان الشهيد عز الدين سليم يرى أن الشيعة دفعوا الثمن مرتين في عهد الدولة العثمانية الطائفية، وفي عهد الدولة البريطانية.. أقصتهم الأولى فدافعوا عنها بوجه الثانية مسجلين أنبل موقف في وقته، ولكنهم لم ينصفوا لا من الأولى ولا من الثانية، ولا من الحكومات العراقية التي جاءت بعد ذلك، وحذر ان يتكرر هذا الموقف في ظل صراع الارادات القائم على العراق كما انه حذر ولمرات عديدة من عودة حزب البعث واكد ذلك للاكراد عندما شدد عليهم بضرورة العمل السياسي الوطني بما يخدم العراق وان اي خروج عن دائرة الوطن الواحد يفتح المجال للمتربصين بدفع البلد نحو الهاوية واعادة تاهيل الجماعات الحاقدة من اجل ارتكاب مجازر جديدة بحق الشعب العراقي .
ان شهادة رئيس مجلس الحكم العراقي عز الدين سليم تعتبرخسارة وطنية كبرى،لما يحمله الرجل من تاريخ مشرف عمده وضمخه بالشهادة،كان يأمل ببناء عراق حضاري انساني يحترم فيه الانسان ودولة القانون وسلطة العدل وتحترم فيه كل الاقليات والاتنيات والقوميات والتنوعات وكان يؤمن بالتعددية السياسية والفكرية والطائفية والقومية ،وكان رحمه الله يأمل بكتابة دستور جديد يؤسس لعراق يصبح انموذجا في محيطه،لكن الارهاب البعثي والسلفي ومشروع الفوضى الخلاقة وتصفية الرموز الوطنية عاجل بشهيدنا الغالي الى عليين،ودوّن اسمه في سفر الخلود مع شهداء آل الصدر وآل الحكيم وآل بحر العلوم وكوكبة الهدى وشهداء الاسلام…فسلام عليك ابا ياسين يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حيا,ستبقى دائما وابدا رفيفا في روحنا والقا في ضميرنا الى يوم يبعثون .