من النادر في تاريخ العراق الحديث ان تعثر على شخصية كوردية أحبت الدولة العراقية وآمنت بها وجعلت عراقيتها فوق الإنتماء القومي ودافعت عن البلد بإخلاص وشجاعة كشخصية الشهيد سعيد القزاز المولود في السليمانية عام 1904 والذي تقلد عدة مناصب حكومية آخر كان وزيرا للداخلية ، لقد كان وطنيا باسلا شريفا لدرجة تصدى حتى للحركات التخريبية الكوردية بوصفه وزيرا للداخلية ، وكان حازما عادلا حيثما تنقل في مناصبه بين البصرة والموصل وأربيل وبغداد .
عندما قرأت وقائع محاكمات المهداوي المكونة من 25 مجلدا هالني مهزلة الهرج والغوغائية والإعتداء على كرامات الناس التي قادها زمرة من الضباط والشيوعيين ، وقد لفت نظري الانحطاط والسقوط الأخلاقي للذين وجهوا الشتائم السوقية للشهيد سعيد القزاز ، وكان الشهيد شجاعا صلبا في تعرية مهزلة المحاكمة وكشف تلاعب الشيوعيين بها وقال مقولة الشهيرة الخالدة :
(( أنا أعرف أنكم ستصدرون حكم الإعدام عليّ، ولكنني عندما سأصعد المشنقة .. سأرى تحت قدمي أناسا لا يستحقون الحياة)).
يعود سبب عداء الشيوعيين للشهيد القزاز الى كونه كان سياسيا ذكيا وكشف مبكرا المشروع التآمري للحزب الشيوعي على الدولة العراقية بأوامر من موسكو التي كانت تزحف على مناطق ينابيع النفط في الوطن العربي وتستخدم وسائلها وأدواتها الأحزاب الشيوعية العربية للقيام بنشاطات تخريبية وإنقلابات عسكرية كي تمهد للإحتلال الروسي للمنطقة ، وكان الشهيد القزاز مؤمنا بالليبرالية وان مصير العراق ومستقبله مع محور المعسكر الغربي الذي يمكن ان يجعل من العراق دولة متطورة ، ولهذا تصدى الشهيد القزاز للشيوعيين حينما كان وزير للداخلية بحزم وشجاعة بدوافع وطنية حرصت على إستقرار العراق وإبعاد مؤامرات الإتحاد السوفيتي عنه .
وشخصية الشهيد القزاز نموذج وطني مشرق يلقي الضوء على طبيعة النخب السياسية في العهد الملكي كيف كانت مؤمنة بضرورة وجود وتطور الدولة العراقية وجعلها فوق الإنتماءات الطائفية والقومية ، وكان أروع ما ميز تلك النخب السياسية هو انها لديها مشروع سياسي وطني واضح وهو بناء العراق الحديث المتحضر من خلال ربطه بشبكة علاقات وتحالفات مع العالم الغربي وفي مقدمته : بريطانيا وأميركا .