{إستذكارا لدماء الشهداء التي ستظل تنزف الى يوم القيامة، من أجساد طرية في اللحود، تفخر بها أرواح خالدة في جنات النعيم، أنشر موسوعة “دماء لن تجف” في حلقات متتابعة، تؤرخ لسيرة مجموعة الابطال الذين واجهوا الطاغية المقبور صدام حسين، ونالوا في معتقلاته، خير الحسنيين.. الشهادة بين يدي الله، على أمل ضمها بين دفتي كتاب، في قابل الايام.. إن شاء الله}
نبغ الشهيد جمعة عباس حضرتي، عبقريا يتيما العام 1934، في خانقين.. إركواز.. كورديا فيليا، حظي بلقب “ملا” وهو في عمر مبكر، ومن أهم صفاته، أنه حمل إسم أمه؛ بإعتبار والده قتله لصوص فلتوا من العقوبة، لأن العراق مهدور الدم مسفوح الكرمة، في كل عهد وأوان.
فرجل وقور مثل والد الملا الشهيد، يموت وقتلته أقوى من قانون الدولة، إبان الثلاثينيات.
المشكلة هي ان القتلة ما زالوا هم الاقوى من زمنهم، أنى وجدوا.
الجد المعجزة
لعائلة الشهيد جمعة نفوذ رباني عند الله وملائكته ورسوله والأئمة المعصومين؛ فمؤسس العائلة، جدهم حضرتي، محبوب من الماس.. له أتباع ومريدين يقلجونه، بإذن المرجعية الحوزوية في النجف الاشرف.
الجد شديد الإرتباط بالمرجعية، وعائلته معه؛ إذ علمهم القرآن وشرحه لطلاب وساكني المنطقة.. مشاعا مجانيا لله.. “لا نريد منكم جزاءً ولا شكورا”.
تشبع بكلام الله، حتى قيل أن حضرتي ولد وهو حافظ للقرآن و… إعتبروه معجزه آنذاك.. وفي كل حين.
لله جنود ينشرهم في الارض، لإصال صوته، قال فيهم الرسول محمد.. صلى الله عليه وسلم: “الإختلاف في أمني رحمة”.
فهم يختلفون إنتشارا في الارض، ويتباينون تفاوتا في الرأي، لكنهم يظلون كالبنايان المرصوص والجسد الواحد، إذا إشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد، بالسهر والحمى”.
وَرّث الأجداد أبناءهم وأحفادهم ورعا والتزاما أخذ بمجامع قلوب الناس وحلم عقولها.. الملا اغا والملا عباس ..أولاد حضرتي، ساروا على نهج الاجداد مسددين الخطى تبع ركبهم.. شغفا.
الشورجة
دأبا على مهنة الآباء والاجداد عمل الشهيد جمعة تاجرا في الشورجة؛ يبيع الكماليات والعطور…
حرص على ان يعيش بارا بعائلته، فهو صاحب عائله وبيته مفتوح للأهل والأصدقاء، بكرم محتد لا نظير له… يفوق أي تصور؛ فسفرته ممدودة وجاره عزيز.
عاش حياة إلتزام ديني وإجتماعي؛ صنعا منه وجيها نابع المحبة من عمق قلوب الناس، لا يسقطها عليهم من ذارج ذواتهم!
ظل سعيدا بناسه، والمحيط سعيد به، الى ان جاءت السلطة والانقلاب …وتدهور الوضع…أحس أن خانقين غير أمينه للعيش فانتقل الى بغداد العام 1968.. ساكن الكاظمية، مقتربا من عمله في الشورجة،….
تنقل في السكن من مدينة موسى بن جعفر، الى ” العطيفية” ثم “المنصور”.
عاد يوما من عمله في الشورجة، وقد أشرت المعجزات في خاطره، حدثا جللا وشيك الوقوع؛ فطلب من زوجته التهيؤ للسفر.. “سنتجه الى لبنان لأن الوضع هنا مو تمام” مؤكدا لها: “الوضع مو تمام.. بدأت موجة إختطافات للمواطنين من قبل أجهزة الامن العامة، بل تصفيات في الشوارع او سجنا في الزنازين، ريثما تعقد محكمة باطلة، وتقضي بالإعدام كالعادة.
ظل الشعب يسمع ويتشاغل عن حقيقة إختفاء الناس.. إختطفا من قبل الأمن وقتلا، والشعب مثل بلاع الموسى.. عاجزا عن طلب الكف والتفاهم؛ لذا قرر الرحيل إلى لبنان.. يوم الثلاثاء 5 أيلول 1972.
7 آلاف
وجدوا بحوزته عند إعتقاله، سبعة آلاف وخمسمائة دينار، حملها لشراء سيارة معروضه في السفارة البحرينيه؛ ترصدوه… في عمليه مفربكة؛ بغية إختطافه، من قبل حكيم بك مراد، ومن معه.
النهاية
زج في قصر النهاية، وهناك كانت النهاية، لأن أحد لم يره بعدئذ وإنقطعت التسريبات عنه.
يرفق عادة الحكم في الأمن العامة، خلال عهد مديرها الفظيع ناظم كزار، بجملة محبطات لا تدع فرصة للأفصاح عنها؛ إذ صودرت امواله وتعرضت عائلته لمضايقات مريعة، منها الإستيلاء على شحنة في الجمارك بمبلغ …18 الف دينار.
نضج
بلغ أولاده عمرا متقدما، وما زالوا مستحضرين طفولتهم يرقبون مجيئه، عائدا من عمله اليومي، الى البيت يحتضنهم.. مع ام غريبة الاهل لا تعرف العربية، ذاقت الأمرّين في تنشئتهم.
صنم
بعد سقوط صنم الطاغية المقبور صدام حسين، علمت أسرته، أنه من المحتمل قد ألقى به كزار، في أحواض تيزاب حزب البعث الذي تفنن في الإبادة المهووسة بالموت.
لكنهم تأكدوا من سبب الاعدام، بحصولهم على مستمسك يشير الى كونه كرديا مواليا للملا مصطفى البرزاني، الذي زاره مع وفد من 40 شخصيه ل تهنئته ببيان 11 آذار.. وقعت بيد الأمن وأخذوا الصور من المصور صالح باجلان بنفس الليله من رجوعه من مدينة “كلالة” في كردستان. …
شريك ناصح
قال الحاج صالح باجلان.. شريكه: “إن الأمن اقتحموا محله وأخذوا الفلم والكاميرا والصور، التي لاحقوا من ظهر فيها وصفوه.. رجلا مؤمنبين ونساء محتسبات”.
فهو من مو الي سيد محسن الحكيم.. رحمه الله.. بحسب باجلان، الذي قال: “هذا ماكان يجري أمامي.. يزور النجف وكربلاء والكاظمية، بخشوع تام.. وعلاقاته واسعه، يستثمرها بالخير، لصالح الآخرين؛ إذ لم يدخر وسعا في المساعدة.. رحمه الله”