{إستذكارا لدماء الشهداء التي ستظل تنزف الى يوم القيامة، من أجساد طرية في اللحود، تفخر بها أرواح خالدة في جنات النعيم، أنشر موسوعة “دماء لن تجف” في حلقات متتابعة، تؤرخ لسيرة مجموعة الابطال الذين واجهوا الطاغية المقبور صدام حسين، ونالوا في معتقلاته، خير الحسنيين.. الشهادة بين يدي الله، على أمل ضمها بين دفتي كتاب، في قابل الايام.. إن شاء الله}
تقترب به مروحة الهليكوبتر، من خلو الفضاءات المطبقة.. سماوات ركبن على بعضهن؛ فيتوحد النقيب الطيار عاصم حسين كاظم الجابري، مع دين جده.. محمد رسول الله.. علويا.. سيدا صحيح النسب؛ آثر الولاء لله، من خلال وفائه لكرم الدوحة المحمدية النبيلة، محتفظا بمكانتها عند الله والمؤمنين، من دون الخضوع لجبروت الطاغية المقبور صدام حسين، خضوعا يتواطأ مع جبن النفس وإغراءات المال والجاه والنساء، ضد الإسلام والشعب.
تأملات الفضاء، تحط على مدرج البطولة، عازمة على إنهاء دولة “البعث” الجائرة.
إبادة
نوع من إبادة لإرادة الرجال.. قهرا، أعدم الطاغية مجموعة من الطيارين.. العام 1980، ضمنهم النقيب الجابري، كانوا عازمين على سفح كبريائه بالقصف من عليين، بينما تستعرض الصنوف القتالية، أمامه، خلال 6 كانون الثاني 1980.. ما يسمى بعيد الجيش!
الخطة
تقضي الخطة، بضرب المنصة الرئاسية التي يجلس فيها المقبور، من قبل مجموعة الطيارين المنتمين الى حزب “الدعوة” الإسلامية، على طريقة إغتيال خالد الصعيدي للرئيس المصري محمد أنور السادات! ولم تفلح المجموعة بالتنفيذ؛ لأن جهات إستخبارية تعمل لصالح قوى دولية معروفة، كانت حينها بحاجة لشخص صدام حسين، في محاربة الإمام الخميني، في إيران؛ بغية الحد من إمتداد ثورته! فأحبطت ثورة طياري حزب “الدعوة” وأجهز على المشترين بها، ولم يجرِ الإستعراض أصلا!
سيرة إيمانية
ولد الشهيد الجابري، العام 1949 في بغداد، وسط عائلة ملتزمة، سائرة على سكة المنهج الصحيح لدين الحق، ذات مستوى معيشي متوسط، او دون المتوسط بقليل ترفعه عزة النفس عن الفقر، ويرصنه الإعتداد بالذات، عن الفاقة؛ لذا أكمل دراسته لغاية الإعدادية مكافحا بصلابة الأبطال الأفذاذ، وهو لم يزل غض العود غضيض المحيا.
منذ الإعدادية، تعرف الى الشهيد د. مهدي طالب ابو العبس الموسوي، الذي كرمه الله بالحسنيين.. دنيا وآخرة؛ إذ فضلا عن لقيا رب كريم، بوجه وضاء النور؛ تبوأ منصب مسؤول الجناح المسلح، في حزب “الدعوة”.
والجابري الشهيد.. شبل من تربية ذاك الأسد، التي غرس بذرة الأيمان المقاتل، في أنوات تفاعلت مع قدرها، من خلال توظيف المناصب العسكرية والمدنية، بخدمة الله والشعب، ضد ديكتاتورية الجور البعثي، المتجسدة في صدام!
إختار عاصم العسكرية.. ضابطا طيارا، برغم تخرجه في الإعدادية بمعدل كافٍ لإدخاله كلية متقدمة؛ لأن الإمام الشهيد آية الله محمد باقر الصدر، شعر بأن أجواء العراق ستطبق غمامها من حول الظالم، فتحتاج قائدا ميدانه الفضاء العلوي، من بين شباب “الدعوة” فأوعز لعاصم بهذا الشرف الذي يكحل عين الدنيا بمرود الآخرة.
تبارك الشهيد الجابري وتباركت اليد التي صافحت الأمام الصدر “قدس سره الشريف” وطاعت أوامره الإلهية الصادرة عن بشر أنعم الله عليه بفلسفة الأولين والآخرين.
عسكرة داخلية
عزا الشهيد.. الصدر الأول، توجيهه عاصما الى الكلية العسكرية؛ لعدم وجود عدد كافٍ من الضباط، في التنظيم؛ لذا آثر أن تتفتح بذور تشكل الطيار الجابري، من داخل المؤسسة العسكرية، لتوطيد دعائم خط عسكري يخترق منعتها الصدامية.
فكانت البشرى، بالبطولة التي “تداركها الله.. كصالح في ثمود” إذ أمد صدام في طغيانه، حتى ضاقت من حوله الدنيا “زاغور” في فلاة تكريت، التي لفظته مرتين، عندما ولى الى بغداد، طريدا قاتلا يلاحقه الثأر، وحين عاد إليها ويداه ملوثتان بدماء شعب كامل.. الأموات منهم والأحياء.. بل وبحوب شعب دولة الكويت الشقيقة، التي أيقظ أطفالها من لذة النوم على رعب الغزو.
طردته مرتان.. تكريت مسقط رأسه.. التي لم تتشرف به، بينما العراقيون جميعا يستحضرون شرف الشهادة يتجلى من النقيب الطيار عاصم حسين كاظم الجابري، ومن سحق إوار اللهب البعثي.. أشواكاً، ينتصر عليها، محلق الروح نحو السماء، كدأبه حيا.. دأبه شهيدا.