19 ديسمبر، 2024 3:49 ص

الشهيد الطيار مؤيد السراي/101

الشهيد الطيار مؤيد السراي/101

{إستذكارا لدماء الشهداء التي ستظل تنزف الى يوم القيامة، من أجساد طرية في اللحود، تفخر بها أرواح خالدة في جنات النعيم، أنشر موسوعة “دماء لن تجف” في حلقات متتابعة، تؤرخ لسيرة مجموعة الابطال الذين واجهوا الطاغية المقبور صدام حسين، ونالوا في معتقلاته، خير الحسنيين.. الشهادة بين يدي الله، على أمل ضمها بين دفتي كتاب، في قابل الايام.. إنشاء الله}

أفياء “الثورة” لحاف وترابها وسادة، لقيلولة الشهيد الطيار مؤيد كاظم نافع السراي، عندما كان طفلا يمرح في أزقتها، التي لا تسع صهد الظهيرة، فتطفق الارواح الى خارج البيوت.

تقطن أكثر من خمسة عشر نفسا، في الدار الواحدة، كمعدل عام، ما يلجئ الكثير من الشباب، الى التطوع في الجيش؛ درءا لغائلة الفقر عن الاسرة.

باح الشهيد الطيار مؤيد السراي، برأي سديد، لأصحابه في الاعدادية، إقتدوه، فكانوا حطبا لنيران الحروب الهوجاء التي شنها الطاغية المقبور صدام حسين، على الجارة المسلمة ايران مرة، وعلى دولة الكويت الشقيقة، مرة، مسبوقتين بحرب مفتوحة تزامنت معهما وإستامرت الى ما بعدهما، على الشعب العراقي؛ فالطغاة يقتلون شعوبهم من دون ذنب حين لا يجدون عدوا يفتعلونه في الخارج؛ إذ قال: “لابد لكل عائلة ان يتوع واحد من أبتائها، ضابطا في الجيش؛ كي تخرج من ربقة الفاقة وأسر الفقر ومهانة الإهمال الإجتماعي.

لذا كان الشهيد الطيار السراي، ضحية غالها هوس صدام بملاحقة شعبه!

 

ميراج

ولد الشهيد السراي في بغداد العاصمة.. مدينة الثورة – الصدر حاليا، العام 1968، الولد البكر في العائلة، يليه ثلاثة أخوة اصغر منه.. توفي والده وهو في الدراسة الابتدائية؛ فعانى ظروفاً مادية قاسية جدا، حيث لم يكفل له حياته غير والدتة التي أخذت تشتغل في أعمال بسيطة؛ كي تؤمن لهم لقمة العيش.

 هذا ديدن الامهات المجاهدات اللواتي جعل منهن الصبر والتقوى مثالاً للاجيال..

أكمل دراستة الابتدائية في مدرسة الوركاء والمتوسطة في “الاخوة” خائضا ظروفا بالغة القسوة، ظل خلالها مصرا على دخول كلية القوة الجوية، بعزيمة مسددةٍ واصرار فتي.. تخرج فيها برتبة ملازم طيار العام 1991، متدرجا حتى بلوغ رتبة نقيب.

ظل مصرا على التفوق؛ كي يعوض حرمان اليتم، متدربا على طائرة “الميراج” الفرنسيه الصنع .. كان محط إحترام وتقدير جميع الضباط المشرفين على تدريبه.. تزوج العام 1993.

 

نزوة الحرب

عاش ثلاث سنوات زوجا وابا نبيل السلوك وسط عائلته وعموم مجتمعه، مخلصا متفانيا، يراقب ذاته كي لا يقع في عقد اليتم المعروفة، من قسوة وبخل وعدوانية؛ إذ عاش رحوما كريما مسالما!

فجأة، ومن دون سابق إنتباه من العائلة، او محيط العمل، إعتقل من قبل سلطات الأمن العسكري – الإستخبارات، يوم 23 تشرين الثاني 1996، بتهمة الانتماء الى حزب الدعوة الاسلامية.

لم يكن عضوا سياسيا تقليديا كما ينبغي، ولا عسكريا إستهلاكيا، يؤدي “اليس.. يم” ويجلس خلف مقودة الطائرة، يلقي جام حمم صواريخ حمولته المدمرة، على شعبه او الشعوب المجاورة كما يهدف الشيطان الحكم في قصور صدام حسين المائة، إنما ظل وفيا لشعبه ودول المحيط الانساني، المتأهبة لعدون الطاغية، كل لحظة وحين، برغم وجوده في جيش إستحدث في 6 كانون الثاني 1921؛ لقمع العراقيين والاعتداء على الجيران.. لا شغل له سوى ذلك، مبهظا إقتصاد البلد لإرضاء نزوات الطاغية!

 

حاكمية الموت

إعتقل من وحدتة في ديالى.. ناحية العظيم، وتبين أن مكان إعتقاله الأول كان في الأمن العسكري ومن ثم الى الحاكمية، مكث مكابرا برغم ضعفه، كأسير بيد عدوه، وليس سجينا في وطنه؛ لأن صدام يجرد المعارضين لسياسته من إنتمائهم الوطني، كما لو كان هو العراق، ورددها مرات: “إذا قال صدام قال العراق” تيمنا بطغاة التاريخ من قبله، مثل لويس السادس عشر: “أنا الدولة”.

 

لا عزاء

تب لسان القاضي الذي حكمه بالاعدام، من دون سند قانوني، سوى حكم عرفي إفتراه الطاغية، وصدقه القضاء العراقي المغلوب على أمره.

أرسل الى سجن “ابو غريب المركزي” وقد عقدت ملائكة الجنة مهرجانا لرفيف الحوريات، يوم 26 تشرين الاول 1997، لحظة تنفيذ حكم الاعدام به رميا بالرصاص.

إهتزت الارض وربت، واطلقته شمعة أثيرية النور، وهاجة في الريح.. بين الارض والسماء، ناقلة الصلة من ظلمات المنصهر البركاني يمور جحيما تحت الارض، الى فضاءات كون مترامي الابعاد الى ما لا نهاية، بينما قاتله ظل في درك السدوف الليل المقيم.. لا يزول.

تسلم ذووه جثمانه الطاهر من مستشفى بعقوبة العسكري، ملزمين بالإمضاء على التعهد بعدم اقامة مراسيم عزاء..

إختفاء الصحب

من جملة اصدقائه الذين يترددون عليه في البيت الرائد رعد والمقدم ابو سارة اللذين أعدما ايضا ومن اصدقائه الاحياء السيد سلام والملازم قصي، اللذين إختفيا…

منذ إعتقال الشهيد مؤيد السراي و إستشهاده لم يسمح بزيارته او الاعلام عن مصيره، الذي طوته الارض بحنو مكين، حين إرتحلت روحه الى جنان النعيم.

أحدث المقالات

أحدث المقالات