19 ديسمبر، 2024 12:59 ص

الشهيد الخالد سلام عادل في ذاكرة العراق

الشهيد الخالد سلام عادل في ذاكرة العراق

تصدر في بغداد شهريا مجلة بعنوان ( أوراق من ذاكرة العراق ) يحررها الصحفي والاعلامي شامل عبد القادر، يتناول كل عدد منها شخصية عراقية تركت اثرها في مجال السياسة او الادب والثقافة والفنون أو حادثة مهمة في تاريخ العراق، وغالبا ما تطرح تلك الذاكرة معلومات أو مواقف لم تطرق سابقا، وبالتالي فان المجلة رغم قصر عمرها نسبيا ولكن شعبيتها في ازدياد مستمر ولها وقعها في عالم الاعلام والصحافة .
العدد 36 من المجلة الصادر في نيسان 2015 كان عدد خاص عن القائد العراقي الوطني سلام عادل، وكما جاء في الغلاف الامامي للمجلة، وتكمن أهمية هذا العدد في تناول شخصية القائد والشهيد الشيوعي العراقي سلام عادل ( حسين الرضي ) وبإنصاف وحيادية وصدق لا يخلوا من التعاطف رغم ان رئيس التحرير ورئيس مجلس الادارة ( السيد شامل عبد القادر ) بعيد نسبيا عن الوسط الشيوعي واليساري في العراق أو على الأقل لم يكن محسوبا عليهم، ان لم نقل ان البعض يحسبه على القوم
يين، مما اعطى لهذا العدد من المجلة نكهة خاصة وشد وجذب لافت للنظر .
* الموضوع الاول جاء بعنوان ( اللحظات الاخيرة في حياة سلام عادل ) بقلم السيد أمير الجنابي يتناول فيه شهادة الكاتب والروائي الفلسطيني ( محمد ابو عزة ) في صحوة ضمير متأخرة يروي فيها اللحظات الاخيرة من حياة الشهيد سلام عادل وكيف بصق الشهيد في وجه علي صالح السعدي القيادي في حزب البعث، بعدما طلب السعدي من سلام الاعتراف لكونه منتهي، وعلى اثر تلك البصقة أشار السعدي وبعصبية الى الاوغاد المرافقين له ومنهم الشاهد للإجهاز على الرجل، ويختم الشاهد ابو عزة شهادته بالقول : ( ولا أريد ان اسهب في كيفية اجهازنا عليه ) .
* الموضوع الثاني كتبه رئيس التحرير السيد شامل عبد القادر وبعنوان ( قائد شيوعي . . . بائع فشافيش )) وحقيقة حاولت استعراض الموضوع بتناول بعض فقراته باختصار ولكني فشلت في اختيار فقرة دون غيرها وشدتني الفقرات الواحدة تلو الاخرى، فوجدت حالي ادرج الموضوع كاملا مع الاعتذار من القارئ الكريم على الاطالة رغم احساسي انه سيعذرني بعد الانتهاء من الموضوع .
قائد شيوعي . . . بائع ( فشافيش )
رئيس التحرير : شامل عبد القادر
في برنامج من اعدادي وتقديمي عنوانه ( اوراق من ذاكرة العراق ) من فضائية السلام المعتدلة المحايدة وغير الطائفية سجلت (3) حلقات عن حياة القائد الشيوعي سلام عادل عرضت في البرنامج المذكور عام 2013 واثناء اعدادي لسيرة المرحوم سلام عادل اكتشفت فيها محطات مذهلة لا يستحق الرجل عليها هذه القتلة الشنيعة عام 1963 .
سلام عادل أو حسين أحمد الرضي أو سيد حسين سيد أحمد الموسوي لا فرق فالرجل مواطن نجفي معجون بعراقية نادرة لا يصلح في الحياة الا ان يكون شيوعيا لا غير برغم ان خصومه عدوه من التبعية الايرانية وحرفوا لقبه ( الرضي ـ نسبة للشريف الرضي الشاعر العباسي الذي تأثر به سلام عادل كثيرا وهو طالب في دار المعلمين فاطلق عليه زملاؤه الطلبة بالرضي وليس الرضوي ) !!
تسربت اليه الشيوعية ببطء شديد واعتنقها كما لو كان يدري ان مصيره الأوحد في عالم الملوكية والعرش ونوري السعيد والشرطة السرية والشعبة الخاصة ان يكون مناضلا مقداما !
توسل اليه بهجت العطية مدير شرطة الديوانية ان يتنازل عن ( الفكر الهدام !! ) مقابل ان يبقي على راتبه رحمة بوالديه المسنين لكنه أبى ان يتنازل للجلاد وانطلق يشوي ( الفشافيش ) في النجف وعلاوي الحلة ويبيع ( اللفات ) لكي يستمر في الحياة شيوعيا. أنا شخصيا أطلعت على حياته فأثارتني جدا واعجبت بعصامية الرجل الذي ولد موهوبا وهو طفل وصبي وشاب فقد عرف خطاطا رساما وممثلا ومخرجا في المسرح ومعلما ذكيا وزوج شيد عائلة متعاونة ومناضلة من زوجته الرائعة ثمينة ناجي يوسف واولاده علي وايمان! الشيوعية بالنسبة لسلام عادل ليست قميصا أو دشداشة تلبس الساعة
وتخلع بعد ساعة كما هو عند بعض الانتهازيين !!
الشيوعيون ليسوا فاكهة تثمر في الصيف وتختفي في الشتاء او لا تراها في سلال الربيع وتتعفن بعد النضج وهم يثمرون عادة في أوقات الضيق لا فرق فالشيوعية كبذار القمح تحتاج الى وقت طويل حتى تتحول الى سنابل ممتلئة سواء بوجود فهد أو سلام عادل أو عبد القادر اسماعيل أو صالح دكلة وغيرهم من عشرات العراقيين الشرفاء الذين ضحوا بأرواحهم من اجل قضية الوطن والمبدأ! لا اعرف تفسيرا واحدا لقتل عراقي يعشق وطنه ويذود عنه وهو في الحجرات الباردة في ( نقرة السلمان ) أو ينام في رمضاء سجون بعقوبة والحلة وعندما يرمي الكتاب عن يديه للحظات ينطلق يغني بصوت خافت
أغاني أهل الجنوب المسحوقين بالقهر والجوع والألم ويتطلع من كوة صغيرة الى صحراء أو ليل أو موت مرتقب لكن يديه تبقى مشدودة الى الكتاب!! سلام عادل الذي قتل ولم يغدر برفاقه تحت سقيفة قصر النهاية لم يتوسل جلاديه لكي يعيش ومثلما رحل ( ابو علي ) بجسده رافقته الاف الأرواح الشيوعية وقتذاك لكن الأهم ان سلام عادل تحول الى مرشد رائع لشيوعيي اليوم . . قتل الرجل الشريف بوضعه تحت حادلة سحقت عظامه وهرست لحمه لكنها عجزت تماما عن ازالة ذكره …
رحم الله سلام عادل ورفاقه .
* الموضوع اللاحق بعنوان تاريخ الشيوعية في العراق يستعرض فيه الكاتب، سريعا تاريخ الحركة الشيوعية واليسارية في العراق منذ بداية التأسيس حتى يومنا هذا ويركز على محطتي الحزب الشيوعي العراقي وعبد الكريم قاسم والحزب الشيوعي وحزب البعث .
* ثم موضوع مهم يتناول الرسالة التي بعثتها السيدة ثمنية ناجي يوسف ( أم ايمان ) أرملة الشهيد الخالد سلام عادل الى صحيفة ( الحياة )، على أثر نشر الصحيفة لذكريات حازم جواد القيادي السابق في حزب البعث المنحل والتي افترى فيها على الشهيد مدعيا انه التقى سلام عادل بناء على طلبه في معتقل ( قصر النهاية ). وكان معه في هذا اللقاء طالب شبيب ـ وزير خارجية العراق آنذاك، وادعى ان سلام عادل أدلى أمامهما بتصريحات سياسية خطيرة. وقد فندت الرسالة افتراءات واكاذيب حازم جواد المتناقضة بالاستناد الى مذكرات طالب شبيب وهاني الفكيكي وزكي خيري وبالحجج
الدامغة، وألقمته حجرا. الموضوع كان بعنوان ( أرملة سلام عادل تفند تصريحات حازم جواد في صحيفة ( الحياة ) / مقدار كبير من الافتراء … لم يتقادم عليه الزمن ) .
* يليه موضوع بعنوان ( ذكريات . . عن سلام عادل والخلايا المبكرة في الهندية ) للسيد محمد عبد الله الهنداوي يتحدث فيه الكاتب عن ذكرياته ولقاءه الاول مع الشهيد سلام عادل دون ان يعرف اسمه الا بعد ان شاهده يسير مع قادة الحزب في تظاهرة ايار 1959 فعرف انه الرفيق سلام عادل .
* ( سلام عادل ودوره السياسي في العراق / 1922 ـ 1963 ) هذا هو عنوان رسالة الماجستير التي قدمتها الطالبة شيماء ياس خضير خلف الى كلية التربية للعلوم الانسانية / جامعة ذي قار وحازت بها على درجة جيد جدا، وهو عنوان احد مواضيع المجلة بقلم السيد حيدر ناشي آل ديبس يستعرض فيه دور الباحثة في استقصاء المعلومات عن الشهيد الخالد سلام عادل، وعن سبب اختيار شخصية سلام عادل من قبل الباحثة، بينت ان العديد من خصال وصفات الشهيد ومواقفه الوطنية وكذلك عمله الحثيث لاشاعة قيم الديمقراطية واحترام حقوق الانسان كانت وراء اختيارها لتلك الشخصية،  وأضافت : ( ان سلام
عادل هو قائد سياسي من طراز خاص ويستحق المزيد من الدراسة والبحث وتعريف جيلنا والأجيال القادمة على هذا العلم المهم ) .
* نشرت المجلة قصيدة الشاعر مظفر النواب بحق الشهيد سلام عادل والتي كانت بعنوان : مرثية للشهيد سلام عادل، والتي جاء في مقدمتها :
لحظة ان سملوا عينيك العاشقتين
أضاء النفق المظلم بالعشق الاحمر
واحتضر الموت
قال رفاقك لم تتوجع
إلا رجفة صبر
وتوجع مما غار السفود في عينيك
الكون وصاح الصمت
أدرت عماك المبصر للشعب
أعطيت بيان الصمت
وتقويمك فاجتمع الوقت  . . .
* ومن عناوين المجلة ( سلام عادل وانقلاب 8 شباط ) للسيد حكمت شناوة السليم، تناول فيه ذكرياته عن معتقلات انقلاب 8 شباط الاسود حيث كان نزيلا فيها بعد اعتقاله من مدرسته الابتدائية في البصرة على يد ثلة من مجرمي الحرس القومي معتمدا على مشاهداته الحية وما قرأه في كتابات الاخرين، ونقلا من كتاب المناضلة ابتسام توفيق الرومي ( طوارق الظلام ) والذي جاء فيه حول تصفية الشهيد الخالد سلام عادل : ( … وقد مورست جميع أنواع أساليب التعذيب مع المناضل سلام عادل سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي بعد اعتقاله، بعد ان فشلت جميع اساليبهم في النيل
من ارادته واجباره على الاعتراف وبعد ضربه بالهراوات حتى أدموه علقوه من رجليه مشدودا الى السقف ـ وقطعوا من لحم ساقيه وذروه بالملح ـ وتركوه في سراديب قصر النهاية اياما وليالي في مياهها الآسنة مقيدا عاريا … حرموا عليه الأكل والشرب والمنام وامتدت ايديهم الى عينيه … ضغطوها بالاصابع حتى ينزف منها الدم وأخيرا طرحوه أرضا فاقد البصر وسيروا فوقه عجلة سحقت جسده .
* بالاضافة الى كل ذلك تضمن هذا العدد الخاص من مجلة ( أوراق من ذاكرة العراق ) مواضيع اخرى، منها ( شيوعية عراقية تتذكر ايام النضال ) بقلم السيد عبد المطلب عبد الواحد حول المناضلة زينة جاكوب شيفاجي تستعرض فيه سيرتها النضالية وخصوصا في فترة قيادة الشهيد الخالد سلام عادل. وهناك مقال يستعرض كتاب السيدة ثمينة ناجي يوسف زوجة الشهيد الخالد سلام عادل الموسوم ( سلام عادل … سيرة مناضل ) بجزئيه الاول والثاني. والمقال الاخير بعنوان ( حول اعترافات احد قادة انقلاب 8 شباط 1963 ) بقلم السيد مارسيل فيليب دنخا يعود فيه ثانية الى اعترافات حازم جواد القيادي
في حزب البعث خلال الانقلاب المشؤوم ويفندها من خلال علاقته العرضية مع بهاء شبيب، شقيق طالب شبيب احد قادة البعث حينذاك .
* وتختم صفحات المجلة بملحق للصور بالإضافة الى الصور التي نشرت في ثنايا المقالات، وهي صور منوعة للشهيد سلام عادل وقادة الحزب الشيوعي العراقي وكذلك قادة البعث وانقلاب 8 شباط والزعيمين عبد الكريم قاسم وجمال عبد الناصر .
شكرا للصحفي المبدع شامل عبد القادر على هذا العدد الخاص من المجلة والامانة في العرض والطرح لسيرة مناضل من طراز خاص، عصي على النسيان .