19 ديسمبر، 2024 12:43 ص

الشهيد الخالد حسين عبد النبي الطائي

الشهيد الخالد حسين عبد النبي الطائي

على اعتاب المعرض السنوي الرابع لصور شهداء الحركة الشيوعية واليسارية في العراق، والذي اقيم في يوم الشهيد الشيوعي العراقي ( 14 شباط ) وصلتني العديد من صور الشهداء من الاصدقاء والمعارف وعوائل الشهداء، عبر شبكة التواصل الاجتماعي او عن طريق تواجدي الاسبوعي المستمر في ايام الجمع في شارع المتنبي وفي مقهى القيصرية لصاحبه حافظ، حيث اقوم بالتأكد والتحري عن تلك الصور قدر الامكان ومن ثم تهيئتها للطبع والنشر، استوقفتني كثيرا مجموعة من الصور لأحد الشهداء الأبطال، وهو الشهيد الخالد حسين عبد النبي، وصلتني عبر البريد الخاص على صفحتي في ( الفيس بوك ) من ابن شقيقه الصديق العزيز عدي حسن الطائي، ومنها صور لجثمانه وهو مسجى بعد الاغتيال، مع القليل من المعلومات عن الشهيد الخالد، نشرت بعض الصور، وكالمعتاد مع اي صور جديدة احصل عليها على صفحة الشهيد الشيوعي العراقي، عسى ان احصل على معلومات اكثر عن الشهيد، ولكن دون جدوى، اتصلت بأحد اصدقائي من  الشيوعيين المخلصين والثابتين على القيم والمبادئ الخالصة بعيدا عن المزايدات الرخيصة والثرثرة الجوفاء من مدينة الكوت وممن اثق بهم تماما، فوعدني خيرا على ان يزودني بالمعلومات لاحقا، وفعلا جاء الرد من صاحبي المخضرم في اليوم التالي وعبر الهاتف الجوال، ولكن كلامه كان مليء بالاسى والشجن على مصير ونهاية الشهيد حسين عبد النبي، ثم انقطع الصوت لأسمع بعدها صوت نحيب وبكاء خافت، استدراكا للموقف اعتذرت من صاحبي شاكرا ووعدته ان نلتقي لاحقا، فقال بصوت متقطع كذلك، وعند اللقاء زودني بالمعلومات المكتوبة التالية انشرها كما هي للأمانة وفاءا للشهيد الخالد حسين عبد النبي كونه أحد الجنود المجهولين في تاريخ الحركة الشيوعية في العراق، وما أكثرهم .    
عن عملية استشهاد حسين عبد النبي
بعد القبض على عزيز الحاج عام 1969 واستسلامه لأجهزة أمن العفالقة ويظهر انه كان مهيأ مسبقا بكشف اوكار القيادة والبيوت التي يسكنها كوادره من دون ان يترك شيئا لم يقدمه لتلك الأجهزة، سواء في العاصمة بغداد او في المحافظات .
ولما كانت الضربة مفاجئة وسريعة، فقد تم اعتقال مجموعة من الرفاق منهم الشهيد عبد النبي مجيد من محلية الكوت الذي اعدم لاحقا مع اخرين في محاكمات عفلقية قرقوشية .
استطاع رفاق آخرين منهم ناجي عبود الراضي المتفرغ للعمل الحزبي منذ عام 1963 وهو معلم من الحي وعبد الزهرة مزبان، من أهالي البصرة والهارب من سجن الحلة من النجاة، وانسحبوا باتجاه الريف .
أثناء التحقيق مع المعتقلين في أمن الكوت، وحفاظا على سلامتهم قام كل من ناجي عبود الراضي وعبد الزهرة مزبان وأخرين باقتحام دار مدير أمن الكوت اثناء الدوام وفي وضح النهار – ضياء العلكاوي ــ في مدينة الكوت، وسيطروا على شرطة الأمن وحراس الدار وقيدوهم واخذوا أسلحتهم ثم دخلوا الدار وطلبوا من زوجة مدير الأمن ( العلكاي ) ان تتصل بزوجها عن طريق هاتفهم الأرضي آنذاك بعد ان طمأنوها على حياتها مع اطفالها، واخبروها بانهم شيوعيون وليسوا سراق ولا قتلة .
بعد الاتصال الهاتفي مع مدير الأمن، تناول سماعة الهاتف ناجي عبد الراضي وبلغ مدير الأمن انه في حالة موت او قتل احد رفاقنا المعتقلين تحت التعذيب فان أيدينا ستطال أي مسؤول في المحافظة ومصيره الموت الحتمي وبإمكانهم اجراء التحقيق الاصولي مع المعتقلين عن طريق الورقة والقلم بعد ذلك انسحبت المجموعة من الدار .
في نفس اليوم طلب ضياء العلكاوي التكريتي من مسؤوليه في بغداد اعفاءه من مهمته ورحل هو وعائلته من الكوت .
ظلت سلطة العفالقة برئاسة المحافظ آنذاك محمد محجوب الدوري تغري بعض ضعاف النفوس أو الذين لهم علاقة بحزب البعث من الفلاحين بمبلغ ( 3000 ) دينار مع بندقية كلاشنكوف لكل من يخبرهم بأماكن تواجد الشيوعيين في أرياف المحافظة لا سيما في أرياف قضاء الحي .
كانت مجموعة ناجي عبود الراضي، وعبد الزهرة مزبان، وحسين عبد النبي، وحميد شلش واخرين لديهم قاعدة في منطقة واسط القديمة على فرع دجلة الدارس حيث كانت مدينة الحجاج بن يوسف ( واسط ) تقع عليه، ويمتد النهر الى غرب مدينة علي الغربي حيث تبدا أهوار الجنوب، وتغطي المنطقة أحراش كثيرة .
ولما وصلت أخبار المجموعة وتواجدها في تلك المنطقة تم تجهيز حملة من البعثيين ورجال الأمن والشرطة المحلية، وكان يتقدم الحملة مفوض الأمن المجرم جبارة والمعروف بقساوته وإجرامه حيث استشهد من جراء قساوته أحد رفاق الحزب بعد شباط 1963 على يديه .
وللتوثيق أكثر عن المعركة التي دارت في نيسان 1969 في منطقة واسط نورد أقوال عباس كشكول وهو عضو فرع في حزب البعث ومن المشاركين في تلك الحملة للقبض على رفاق الحزب .
حيث يقول عباس انطلقت الحملة لمحاصرة الشيوعيين من مدينة الكوت وقضاء الحي من الحزبيين ورجال من الشرطة والأمن، وفي المقدمة مفوض الأمن جبارة يركب سيارة ( بيك اب ) وامامه  رشاش جاهز للضر،عند الوصول الى تلك المنطقة ( واسط القديمة ) لم نجد أحدا ولا يدل المكان على وجود أي تحرك وكان يسود المنطقة السكون، في تلك اللحظات ونحن نتهيأ للنزول من سياراتنا، واذا باطلاقة واحدة من الامام اصابت المفوض جبارة قائد الحملة في صدغه ليسقط ميتا .
عند ذاك اصابنا الارتباك، ونحن في هذا الموقف ظهر من خلفنا رجل بملابس الفلاحيين وبيده بندقية رشقنا بصلية فوق رؤسنا وصاح علينا انسحبوا والا نبيدكم جميعا، ثم قال لنا نحن لا نريد ان تسيل الدماء، ثم هتف بحياة الحزب الشيوعي العراقي مع صلية أخرى فوق رؤسنا، وانسحبنا نحن الحزبيين الى الوراء متراجعين، بينما ظلت الشرطة المحلية وشرطة الأمن محاصرين، وتخلصنا نحن، حيث كنا نطلق الرصاص في الهواء .
كانت نتيجة المعركة مقتل 5 من افراد الشرطة المحلية و 6 افراد من شرطة الامن بضمنهم المجرم مفوض الأمن جبارة .
انسحبت المجموعة المناضلة حتى لا يتم محاصرتها باتجاه الجنوب، وسقط الشهيد حسين عبد النبي الطائي بعد ان كان يغطي انسحاب رفاقه .
اتجهت المجموعة باتجاه الاهوار غرب علي الغربي، حيث كانت هنالك قاعدة من سنة 1963 يديرها في حينه الشهيد حافظ بغدادي عضو محلية العمارة وهو من اهل شيخ سعد، داهمهم الجيش والحرس القومي عام 1963 واستشهدوا في معركة غير متكافئة .
نقل جثمان الشهيد حسين عبد النبي واسمه الحركي ( أبو نجم ) ووضع الجثمان امام بلدية الحي، للتعرف عليه أولا ولإرهاب الناس في البلدة .
وبنفس الأسلوب قامت أجهزة أمن العفالقة  بوضع جثمان الشهيد عبد الأمير رشاد وهو معلم من عائلة ميسورة، وفي وقت لاحق جثمان الشهيد احمد محمد صالح بعد اغتيالهم في الريف بعد اختراقه من أجهزة أمن العفالقة البرابرة، والأخير من مناضلي الموصل وهارب من سجن الحلة، وكلاهما كانا تنظيميا مع اللجنة المركزية وهم أعضاء في محلية الكوت .
ووضعت جثامينهم بعد اغتيالهم في فترات متفاوتة امام بلدية قضاء الحي لكن مع المناداة بانهم كانوا يسرقون في الريف ( حرامية ) وتم قتلهم على ايدي الفلاحين في قراهم جراء سرقاتهم .
هل نقول بان قادة الحزب الشيوعي العراقي كانوا في القصر الجمهوري، وفي ذلك الوقت يتفاوضون مع مجرمي البعث قاتلي رفاق الحزب بعد شباط 1963 لعقد جبهة (( لا وطنية )) ومناضلي الحزب يتم تصفيتهم على انهم سراق ؟ أليست هذه مأساة شعب العراق ؟ انتهى ما كتبه صاحبي
شكرا لصاحبي المخلص والوفي على تلك المعلومات القيمة .
المجد والخلود للشهيد الخالد حسين عبد النبي الطائي وكل شهداء الحركة الوطنية في العراق