18 ديسمبر، 2024 11:18 م

الشهيدُ مهدي الكناني وطنٌ في رجل

الشهيدُ مهدي الكناني وطنٌ في رجل

لا يمكنُ للكلمات عبر مقالٍ صغير أن تستوعبَ رجلاً مثلَ الشهيد مهدي الكناني . ولا يمكنُ للرثاءِ – مهما كان حجمهُ وحزنهُ – أن يكفيَ وفاءاً لروحهِ الطاهرة . وانّ الحديث عن هذا البطل المجاهد الغيور في ذكرى استشهاده يجعلُ أقلامنا في حَيْرةٍ من أمرها أمامَ رجلٍ تجاوزَ بكل تفاصيل رحلته الجهادية حدودَ الانسان المقاتل ليرتقي بعطائه وايمانه المطلق فوق جميع المُسمّيات المحدودة ، وليكون وطناً في رجل وليس رجلا في وطن . والذين يعرفون الكناني عن قرب يدركون تماماً نقاءهُ من كل شوائب الدنيا ومن جميع ملذاتها التي هجرها رغماً عن أنف الدنيا وما فيها . كما يعرفون تماماً من خلال هواجسهِ وأحلامهِ البيضاء أنهُ كان يعيشُ أيامهُ بثوب الشهادة قبل وقوعها ، بلْ كانت الشهادة بالنسبة لهُ الثمرة التي ينتظرُ نضوجها من أجل اللحاقِ بكوكبة الشهداء العظام . وحين رحل الكناني ، فقد رحلَ عاريا من شهوات الحياة ومن تجارتها ومن صخبها وضجيجها ، واتجّهَ مخضبا بجراحهَ الى الرحمن الرحيم الذي لا يضيعُ عندهُ أجرُ المُحسنين . لقد رحل ولم يكن لديه طموحٌ واحد بالحصول على مكتسب من المكتسبات الدنيوية الكثيرة التي مازالَ يتمتعُ بها أهلُ العروش والكروش الذين لولا تضحيات هذا البطل الكريم لما بقيت عروشهم ولا امتلأت كروشهم بالمال الحرام . لقد رحلَ شريفاً طاهراً لم تلوثْ ضميرهُ مفسدةٌ ولا منفعةٌ شخصية ولا غاية يرجو منها الثراء والترف والعيش الرغيد . وانما آمن بالجهاد الايمان الحقيقي وعرف كيف يؤدّبُ نفسهُ ويصقلها على هذا الطريق العظيم الذي سلكه سيد الشهداء الامام الحسين ( ع ) ، فكانت الصخورُ والأحجارُ والأعشاب المنتشرة على سوح المعارك ملجأ لراحتهِ حين يهدأ وطيسها ويصمتُ أزيزُ رصاصها . ولم يذهبْ بخيالهِ – كما يفعلُ البعض من الذين يرقصون على دماء الشهداء – خارجَ معاناة وهموم الوطن والدين ، ولم يستسلمُ تفكيرهُ للقصور الضخمة وللسيارات الفخمة وللمناصب الرفيعة ، فكان فضاء تفكيره مفعماً بأكملهِ بالواجب الشرعي المقدس والتصدّيْ لأعداء الله وأعداء الانسانية . سلامٌ من الله على الشهيد حين ولدَ وحين رحل الى العالم الآخر وأسكنه الله فسيح جناته مع الشهداء والصدّقين .