{إستذكارا لدماء الشهداء التي ستظل تنزف الى يوم القيامة، من أجساد طرية في اللحود، تفخر بها أرواح خالدة في جنات النعيم، أنشر موسوعة “دماء لن تجف” في حلقات متتابعة، تؤرخ لسيرة مجموعة الابطال الذين واجهوا الطاغية المقبور صدام حسين، ونالوا في معتقلاته، خير الحسنيين.. الشهادة بين يدي الله، على أمل ضمها بين دفتي كتاب، في قابل الايام.. إن شاء الله}
إعتقلت الشهيدة نجاة محمد علي مطرود، في ظروف ما زالت غامضة، حتى بعد العثور على جثتها، بكامل بهاء الشهادة، من دون ان تمسسها بالتآكل!
كأن الثرى طوع الآية القرآنية الكريمة: “ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا، بل أحياء عند ربهم يرزقون” إذ عجزت دائرة أمن كربلاء، عن تغييب ذكرها، الذي أعاد الرب تخليده، عقب سقوط نظام الطاغية المقبور صدام حسين، وتجلي أرواح الشهداء، من أديم الأرض، التي إحترمت جثامينهم، فلم تطرِ تغييرا عليها، كأن كل ذرة تراب، تعظم بتحية كونية، يؤديها ملائكة السماء.. همسا من لألاء الثرياء الى رائحة الثرى.. زكية عابقة بالطيب، تعطر جروح الشهداء، بلسماً شافيا للروح يسعدها في مراقي الرب.
فرجة دولية
ولدت الشهيدة مطرود، في كربلاء المقدسة، في العام 1945، وصوت بكائها للوهلة الاولى، يتردد على جدران ضريح ابي عبد الله الحسين.. عليه السلام.
لاقت ربها، محفوفة برفيف أجنحة الحوريات، ولها من العمر ستاً واربعون سنة، إستنفدتها بالتقوى.. صوما وصلاة وبرا لأبويها وزوجها وحسن تربية لأولادها، الذين فارقتهم العام 1991، ضمن صفوف الشهداء، الذين طالهم جور الطاغية، بأيدي أعوانه.. حسين كامل تحديدا، وهو يتسلى بإزهاق الارواح البريئة، التي (شاغت) الى ربها مستنجدة بالموت شفيعا من قسوة العذاب!
بعد إحباط إنتفاضة آذار 1991، تفرد حسين كامل بأهالي كربلاء.. جبانا إذا تولى لا يعف! مطلقاً يد السفلة، يستبيحون المدينة، من دون حساب!
إستحوذوا على الاموال واستحيوا الاعراض، بينما المجتمع الدولي يتفرج، من دون إعتراض!
لكن كيف وأين وجدوها ومتى إعتقلتوها، هذا ما دبره أعوان حسين كامل، يودعونها مطامير أمن كربلاء، المعدة لتهين فطرة الله وصورته في عباده المتقين.
نداء الروح
الشهيدة نجاة.. متزوجة، ولها أطفال، غادرتهم مخلفة رحمة الرب فيهم.. تقيهم شر المنظمة الحزبية، التي تطاردهم وتستفزهم، إستدعاءً ليمكثوا ليلة في إستعلامات فرقة كربلاء لحزب البعث.. لا مسموح لهم بالمغادرة، ولا أحد يقابلهم.. حتى الصباح.. وبهذا الخبث المدمر للأعصاب عاشت العائلة بعدها، حتى إنزاحت غمة البعث وطاغيته صدام يوم 9 نيسان 2003.
إنه فن البعث.. حزب سادي ينكل بشعب لا يريده! ولا يحترم إزدواجية نظامه الداخلي، وتنافيه مع الحق والعدل والخير، متسلطا بالنار والحديد،…
ومن بين جثث الشهداء التي تراكمت في مقبرة جماعية، إستشعر ذووها نداءً خفيا، سمعوه بقلوبهم والعقول، مؤشرين جسدها الطاهر، ليشيعوه، بالمهابة التي كللته روحيا، الى قبر منيف.