بين يوم واخر، تبرز قضايا متجددة عن عدم نجاح العراق في الالتزام بمتطلبات المعايير الدولية لمنع الفساد ومنها مبادرة الشفافية الاستخراجية التي وافق العراق على شروطها عام 2008 وعلقت عضويته فيها عام 2017، لست هنا للدفاع عن جهة ما ، لكن الحقيقة المطلقة ، تؤكد على ان هذا الفشل يجسد عدم وجود الرجل المناسب في المكان المناسب، ويعزز القناعة بان أي حديث عن شفافية الكشف عن المصالح المالية للدولة واليات صرفها ، ما زالت بعيدة عن أسس التعامل في نظام ديمقراطي، قضية سبقت مطروحة يوميا للنقاش على مواقع التواصل الاجتماعي ، كل يدافع عن منهجه وحزبه ، ويتهم الاخر بالوقوف وراء مفاسد المحاصصة ، والسؤال اليوم ، كيف يمكن الخروج من مستنفع مفاسد السلطة ؟؟
هناك فجوة حقيقية ما بين الاستراتيجيات والحديث الجميل عن تبادل السلطة السلمي في العراق الجديد وبين واقع الحكومة العميقة او الخفية كما يصفها تفصيلا الدكتور محمد الدراجي في كتابه (رماد بابل .. الدولة الخفية في العراق) ، ومشكلة المعايير التي تطالب المنظمات الدولية من الجهات العراقية الالتزام بها ، وتدربهم على أساليب تنفيذ هذا الالتزام، تنتهي الى ايفادات للخارج كمجاملة لهذا او ذاك ، وحين يطرح السؤال الدولي عما تم إنجازه ، لا تجد الجهات المعنية بالموضوع الإجابة الوافية وفقا لمعايير تلك المنظمات الدولية وهذا ما حصل مع مبادرة الشفافية الاستخراجية، فانتهى الامر الى تعليق عضوية العراق، سيؤثر حتما على ترتيب العراق في التقرير السنوي لمنظمة الشفافية الدولية الذي كان في ذيل القائمة لعام 2016 ، فما التصور ليكون عام 2017 ؟؟
لذلك أي حديث عن حلول مستقبلية، لاستعادة العراق موقعه في هذه المبادرة لابد وان تنطلق من مثابة وطنية غير متحزبة، كون دخول مفاسد المحاصصة على أداء مثل هذه المنظمات يؤدي بالنتيجة النهائية الى أخطاء، يكون لها اب واحد هو العراق كله، فيما يحسب النصر لهذا الطرف او ذاك من مقاعد المحاصصة في إدارة شؤون الدولة، هذا الهاجس الوطني لابد ان يظهر بأعلى صوره في التعامل مع ثروة الشعب العراقي كله، وهناك اليات وأساليب استقصائية متبعة في ذلك يمكن الركون اليها.
في ذات الوقت، الموضوع ليس بمجال التنظير الإداري، او عقد ورش عمل لتبرير الأخطاء ومظاهر الفشل، مطلوب نشاط ميداني ، والاعلان عن تقارير ببيانات لها مصداقية التطابق ما بين الأرقام العراقية وتلك الأرقام التي تعلن من جهات دولية معروفة عن تصدير النفط عبر البحار، ليس العراق جزيرة طافية وسط محيط مجهول ، بل منطقة محورية من هذا العالم الذي تحول بفعل التطور التقني الى مجرد شاشة هاتف محمول، ومصداقية المقارنة ، تثبت صحة اعمل الجهات العراقية ،واحد مهمات القائمين على الشفافية الاستخراجية الكشف عن ارقام هذه المقارنة دوريا ، لإقناع أصحاب المصلحة من الجهات الدولية ، بان هناك فعلا شفافية في الكشف عن كميات استخراج النفط في العراق، وتداول هذه الأرقام على أوسع نطاق في وسائل الاعلام كافة ، لكي يتعرف المواطن على هموم دولته ذات الاقتصاد الريعي المعتمد كليا على تصدير النفط ، عندما تتداول التصريحات، حكومية كانت ام برلمانية ، ام من جهات رقابية، بان مفاسد المحاصصة تستهلك موازنة العراق دون حلول جذرية غير الاستقطاع من رواتب الموظفين ، ليسال هذا المواطن .. حافي القدمين … اين حقي من أموال النفط التي تعلن عنها مبادرة الشفافية الاستخراجية شهريا او يوميا … ولله في خلقه شؤون.