18 ديسمبر، 2024 7:48 م

” إني وإن كنت الأخير زمانه ….لآتٍ بما لم تستطعه الأوائل”
ربما توهم المعري في قوله هذا , فلا أحد سيأتي بما جاءت به الأوائل بخصوص المشاعر الإنسانية , فالعرب أمعنوا في وصفها بجميغ تقلباتها , فما بقيت شاردة ولا واردة إلا وأشبعوها شعرا.
فلم يتركوا فرصة لكتابة شعر غزلي يتفوق على ما كتبوه , ولا في الرثاء أو المديح , ويستطيع الشعراء على الدوام الإتيان بشعر وصفي , لأن الزمان والمكان تحت رحمة إرادة الدوران.
ما عدا ذلك , فقد بلغ العرب ذروة الشعر , ولن يتجاوزهم شاعر على مر العصور القادمات.
فلماذا الشعر؟!
الشعر وسيلة للتعبير عمّا يعتمل في دنيا البشر , يتمكن منها بعض الذين إمتلكوا موهبة وقدرة على صقلها وتهذيبها , وفقا لتوصيفاته وضوابطه , أما الإتيان بما يعن في الخاطر , فيستطيعه أي مخلوق.
الأطيار في الصباح تقيم إحتفالية غنائية , ذات منظومة إيقاعية واضحة.
وما نسميه حياة , عبارة عن نبضات منضبطة , تبدأ من القلب الخفاق بنغمة متعارف عليها , إلى باقي أعضاء البدن الحي , أيا كان نوعه وحجمه , وحالما تضطرب الإيقاعات الداخلية للموجود الحي تجتاحه المخاطر ويحتفي به الموت.
وعندما نطبق هذا المفهوم على الشعر , فأن الخلخلة الإيقاعية ستؤدي إلى موته وإنتفاء الحاجة إليه , فالأحياء ينفرون من الأموات.
الحديث عن المشاعر لا ينفصل عن إنتظام النبضات وتداخل النغمات , بتوليفات لحنية ذات علاقة بالحالة الشعورية الفياضة.
فالمشاعر كالأمواج لها أطوالها وأحجامها وتواصلها المتوائم , المنسجم مع نبضات المحتوى ودفقات التيار الدافع لها.
فالشعر ليس بوحا منفلتا , ولا كلمات لا تعرف أحرفها , وعبارات تنكر كلماتها , ونصوص محشوة بأفكار مضطربة , تأبى الإنتظام في مسبحة متوافقة مع ومضات العقول وتفاعلها مع منهج الحياة.
فهل أن المشاعر مياه مندلفة فوق الرمال؟!!
د-صادق السامرائي