يرى اليوت ((ان لا الشاعر ولا العالم يمتلك الأقناع الكافي الذي يعينه على الأستمرار في عمله دون ان يكون فيه فائدة للمجتمع .))…واذا كان الشعر عونا على الفعل فمؤدى هذا الكلام ان يأتي الخلق تاما وجميلا ….
والشاعرذلك المصورالبشري الخلاق الذي يأسرالمساحات الواسعة في الكون بين السماء والارض ويجعلها تكون بين يديه أوعلى ورقته الصغيرة وكما يسميها ((ارشيباللد مكاليش )) في أقل من مساحة بوصة اي ان الشاعر المتمكن لأدواته يستطيع ان يتجاوز النسبيات الأعتيادية للعالم ليجعلنا ننتبه لهذا التصور الخلاق وتلك المغامرة غير المعهودة حين يعمل بها جاهدا فيعثر على ((اجود الالفاظ في اجود نسق))….أو مثلما يسميه محمد الماغوط بالصياد الغريزي الذي يبعده كثيرا عن العقل ومنطقه ومعادلاته الصعبة وبحثه الدائم في الوجود والعدم وفلسفةالأشياء فيقول كلما تقدم عقل الانسان تراجع الشعر خطوتين فالعاطفة والشعر تؤمان سياميان يعيشان معا ويموتان معا والعقل متلصص عليهما ويعبر عنه في صيغة اخرى فيعتبره مثل حيوان بري حر طليق والقيود النمطية كالوزن والقاقية مثلا تدجنانه مثلما تسجن حديقة الحيوانات حيوان الغابة ذلك الكائن البري ((الشعر)) ولهذا فهو يريده طليقا حرا في غاباته وغاياته ويرسمه لنا اويرصد حركته وتحولاته من بعيد كما يعتقد الماغوط وقد نجح في مشروعه الشعري الجديد نجاحا ملحوظا وتفوق وقصيدته اخذت مكانتها خلال خصوصيته وتميزه حقا لانه كان صادقا في تجربته وواضحا وجريئا في طرحه وكان انعكاسا لتقلباته الحياتية والفكرية وصورة لتسكعه والقصيدة النثرية عنده هي بادرة حنان وتواضع جميل في مضمار شعرنا العربي الذي كان قائما على القسوة والغطرسة اللفظية كما يصرح دائما …..
وهوحقا عندما ترك هذه القيود كما يسميها عوض عنها في مجالات طرح المضمون وانفتاح افقه مع افق الحرية التعبيرية وانعكاس ثقافته ورؤاه الفكرية ولغته البسيطة الجديدة وجمالية طرحه لقضايا الواقع …
والقصيدة الحديثة لغة جديدة أستثنائية بما في هذه الكلمة من معنى وابعاد ولكي تأخذ معناها ومغزاها الحديث معنى وشمولا عليها ان تستوعب التجارب المعاصرة
والتطورات الحديثة والحياة بكل مافيها من غزارة وتنوع واحداث وتعقيدات ورؤى تضع الشاعر وجها لوجه امام حقيقة تجربته وتفاعله الصميمي وتضطره الى مواجهة الاشياء والعالم دون لف ودوران النمطية الشعرية السائدة والركاكه اللفظية المكررة والالتزامات اللامنطقية في التعامل الحياتي اليومي ….
وما يجعل الكلام شعرا هو الخروج عن اللغة العادية المألوفة الى لغة جديدة تعتمد الاقتران التركيبي والدلالي والايقاعي ومنه ينطلق شاعرنا الجديد اذا كان جادا ومجتهدا الى هذا العالم الواسع الجميل تحفزه الرؤيا الصادقة الحرة وليكون طبيعيا في تكويناته مثل الرعود والامطار والزوابع ومتسلسلة في عملية الخلق مثل الولادة في مراحل تكويناتها …كما عبر عنه نزار قباني …
((والشعر عونا على الفعل ))….كما يقول ايلوار…والقصيدة فعل وكما هي في اليونانية ((لوغوس)) واللوغوس الكلمة تعني الخلق والابداع والجمال في الفعل / والكلمة ابداع من عدم …
والشاعر في خلقه القصيدة ينشي عالما مغايرا خاصا به يبهرنا ويجعلنا نرتاده دون اذن ونزور مدنه دون جواز سفر منه عندما ينشر ويوزع ويخرج من دائرة الشاعر الخاصة الضيقة الى العالم ويؤسس وجودا جديدا حيث التفاعل والخلق الآخر وكما تعرفه الدساتير الحديثة هوفن والفن غايته البعيدة غاية الهية ….ووظيفته في الحياة متعة فنية لا نصائح وعظية كما يرى ((جون كيتس ))…او كما يرى شللي في تلخيصه الجميل ((ان القصيدة هي صورة الحياة نفسها معبرة عنها في حقيقتها الخالدة …))
ولا ننسى تراثنا في تعريفاته المتداولة التي تدل على مكارم الاخلاق وصواب الرأي واضهارالعزة والكرامة وبيان الحكمة وسحر القول والجمال …
وكل جديد يخرج من هذه الدائرة ويتجاوز العناصر التي تحدد صفة الجمال في الشعر وحريته المقنعة يكون مصيره الانعزال والتهميش والركون واذا عدنا الى الجدوى في كل ابداع سيكون ركاما لامعنى له ولاقيمة …ولأنه نتاج نفسي وفكري فلا بد من ان يكون هكذا …..