18 ديسمبر، 2024 10:12 م

الشعب ..مسكين ام مستكين !

الشعب ..مسكين ام مستكين !

يكثر ترداد عبارة (شعبنا مسكين ) للدلاله على ضعفه امام حاكميه وقلة حيلته ، وذاك عندما يحين النقد او الجد في الحوار “الجارح” نفسيا للمواطن بكل اطيافه حيث ينظر الى حاله وذله وضياع حقوقه وفقره وبؤس مدارسه وجامعاته وخواء مستشفياته ، وتفريق وحدته ونهب ثرواته ، وقذارة مياه شربه وظلام طرقاته ،وتحطيم حاضره وسحق امنياته ..
ولاغرابة ان يشيع هذا المفهوم “العذر” الغريب ! بين العامه ، ذاك انه يعطيهم الشعور بالراحه النفسيه والتخلص من عقدة تأنيب الضمير تجاه الواجب الملقى على عاتق كل فرد من اجل التغيير او ازاحة الطغم الفاسده او الظالمه من على حكم الشعب ونهب خيراته..فالعامه ينزعون الى تخدير انفسهم بعبارات مثل هذه ليتملصوا (لاشعوريا ) من واجب العمل والاجتهاد والتضحيه بالوقت والمال وبالنفس حتى ، من اجل التغيير الى الصلاح والعدل والحرية ..فلاشيء بلا جهد وثمن وخسائر جسيمه ..وللعامة اسبابهم التي قد نتفهمها لان:
حب السلامة يثني عزم صاحبه ….عن المعالي ويغري المرء بالكسل
ولكن الغريب في شعوبنا المتخلفه (في كل شيء) ان النخب “المثقفه” هي ايضا تقول مثلما تقول العوام من الناس ، وهذا من اشد الامور غرابة ، وينبيك عن مدى التخاذل او التراخي او التخدير الذاتي الذي بلغ بتلك الشعوب وجعلها توطن نفسها ان الامر لايتعدى ان يكون (ان الشعب مسكين !) وان الحاكم او الحكام فاسدون واقوياء ! وهذا من غرائب الطبيعه البشريه المتخاذله…فلو انك تحدثت في مقام آخر وقلت لشخص ان رجلا او بضعة رجال قد دخلوا الى قرية تعدادها 50 الف رجل فاغتصبوا القرية المسكينه ونهبوا ثرواتها ونصبوا انفسهم حكاما على الناس هناك وساموهم الخسف ، لأنتفض وقال :وكيف لذلك ان يكون ! او لعله يكذبك ولن يعود الى سماع قصصك (التافهه) ..
فكيف اذن نعقل ان شعبا من عشرات الملايين يكون مسكينا لان مئة رجل اتوا من شتات الارض واستولوا على ثروات هذا الشعب بمساحات اراضيه المتكونه من ملايين الهكتارات ..وجباله وسهوله وانهاره وبساتينه وحقول نفطه ومدارسه وجامعاته وشرطته وجيشه ..! حتى وان احتججت بالمحتل وسلاحه الذي عاونهم به ..فها وقد ولى منذ عقدين ،،وهؤلاء المائة رجل يحكمون وينهبون ويغتصبون الحقوق والبشر، هل يكون ذلك فقط لان الشعب مسكين ؟! اذن من يدير لهؤلاء (العصابه ) المئه مراكز الشرطه ووحدات الجيش ؟ اليس ابناء نفس هذا الشعب “المسكين !” ومن يستخرج لهم النفط من الابارتحت الشمس الحارقه ومن يصدره لهم ؟ ابنائهم ! ام ابناء هذا الشعب “المسكين !” ..ومن يسجن لهم الاصوات المعارضه ؟ ويهدد الرافضين واهل الضمير من الناس ؟ ابنائهم ام ابناء هذا الشعب ” المسكين!” ومن يزور لهم الانتخابات ؟ هم بايديهم ام بايدي موظفين من هذا الشعب “المسكين “؟ ومن ينظم لهم الاشعار ويكتب لهم المقالات ويدبرلهم الندوات التثقيفية ..ادبائهم ام ادباء هذا الشعب ” المسكين ” ..من يدير لهم البنك المركزي الذي يسرقون منه الاموال النقديه ويحولونها الى الخارج ؟! اليس هو الشعب “المسكين!” ..ومن يزرع لهم الارض التي ينهبون محاصيلها ويأكل الشعب “المسكين!” الفتات ..اليس هم فلاحو الشعب “المسكين!” ..و من ..ومن..ومن ؟! فوالله انه ليس الشعب المسكين بل هو الحاكم الفرد الضعيف هو المسكين ..
وانما الشعب ” مستكين “.. ورحم الله ابا القاسم الشابي !