الشعب لا يخون الوطن أيها السياسي المحترم

الشعب لا يخون الوطن أيها السياسي المحترم

في صباح هذا اليوم اطلعت على قول ينسب الى احد السياسيين وهو في وارد التعقيب على الصراع بين  ايران والكيان الصهيوني، حيث يقول بان الشعب العراقي لا يقف مع حكومته لان لديه توجيه عقائدي على عكس الشعب الإيراني، وهذا التصريح او القول يستفز ضمير كل عراقي شريف، لان محتواه ان الشعب ممكن جدا ان يتخلى عن وطنه في ازماته، لكن فات على السياسي المحترم ان الشعب العراقي لم يتخلى عن وطنه يوماً، وانما السياسي والحاكم الفاسد هو من تخلى عن الوطن والشعب تحت شهوة فساده النهمة، والمقارنة مع الشعب الإيراني وتسبيبها بالعقائدية غير موفق تماماً،

يا أيها السياسي لو لا حظت ان غالبية أبناء الشعب الإيراني بما فيهم المعارضين للحكومة والنظام الحالي وحتى الذي يرتمون بأحضان الغرب وامريكا على وجه الخصوص، لم يتخلوا عن وطنهم ووقفوا معه، والسبب أيها السياسي الكريم ليس لانهم بلا عقائد وانما هم من اهل العقيدة وحماتها، بل جميع الاتهامات الموجهة اليهم بانهم طائفيون لانهم يتعصبون لعقيدتهم، وبذلك ليس للعقيدة الدينية دور في التفاف الشعب الإيراني حول حكومته عند اشتداد المعارك، وانما لسبب اخر، وجميع الحكام ومن يتولى إدارة بلدنا قد تغافل عنه، وسأوضحهلك وعلى وفق الاتي:

1. هل لاحظت أماكن سكن وإقامة كبار المسؤولين من العسكريين وكبار العلماء ورؤساء دول وغيرها، ولو لم يصل الصراع الى اغتيالهم، لربما كان البعض في غفلة ايضاً، فهؤلاء لم يسكنوا القصور الفخمة ولم يوظفوا إمكانيات الدولة لمنافعهم ومصالحهم الشخصية، ولم يرسلوا عوائلهم الى دول امنة مرفهين بعيدين عن فلك الصراع مع العدو، ولم يملكون الفلل والعقارات الفخمة في اوربا والخليج، او يملكون جزر في المحيطات والبحار، ولم ينهبوا أموال الدولة بعنوان العطايا والمزايا بسرقة عقارات الدولة وبمواقعها المتميزة تحت عنوان المكارم، ولم يتكبروا في مظهرهم وسلوكهم على أبناء جلدتهم، واليك بعض الأمثلة حتى تضح لك الصورة أيها السياسي الكريم،
2. رؤساء الجمهورية في ايران، نجاد ، خاتمي وروحاني هل وجدت لهم فلل فخمة، وهل حصلواعلى امتيازات هائلة تميزهم عن أبناء شعبهم، وكذلك إبراهيم رئيسي الذي كان يوما رئيساً للسلطة القضائية هل اطلعت على مسكنه ومسكن والدته، ومدى بساطته، ثم هل علمت بان قائد الحرس الثوري ورفاقه الذي استشهدوا في الصراع الأخير يسكن في شقة بسيطة لا تظهر عليها أي من مظاهر الفخامة، وهل اطلعت على سلوك علماء الذرة الذين نهضوا بمشروعهم الدفاعي وابهروا العالم به، وهل لاحظت انهم لا يميزون انفسهم عن عامة الناس يستقلون النقل العام وغير ذلك،
3. هذا الذي غاب عن ذهنك أيها السياسي الكريم، لم يغب عن ذهن الشعب  الإيراني مما دعاه للالتفاف حول حكام بلده، وكذلك الشعب العراقي يلاحظ هذه الفوارق بين هؤلاء وبين الحاكمين في العراق، ويعلم بان هناك فرق بين ان تلتف حول مسؤول وحاكم يبذل قصارى جهده لخدمة بلده، وبين مسؤول يجعل من منصبه وموقعه وسيلة للنهب والارتزاق، ولا يحتاج المواطن الى عناء كبير لمعرفة ذلك لأنه عايش هؤلاء الفاسدين فهو يعرف ما كانوا عليه وكيف اكتنزوا الأموال بالوسائل غير المشروعة، ويعرف كيف يتولى الفاسد زمام الأمور في مفاصل السلطة، لذلك هو لا يقف مع الفاسد،
4. الشعب العراق أيها السياسي الكريم، يتخلى عن الفاسد ان اشتد الامر عليه وهذا ما ستراه بعينك عندما يحين موعد الحساب، الا انه لم يتخلى يوماً عن الوطن واليك مثالين فقط، الأول عندما غزا الامريكان وحلفائهم العراق عام 2003 ، وقفت مدينة صغيرة تسمى الفاو بوجه اعتى قوة عسكرية وقاومتها لمدة عشرين يوماً، ليس لانها تعشق الحاكم او تدافع عنه،بل لإنها ترى ان الغزو يقصد الوطن، ثم لاحظت ان الشعب تخلى عن الحاكم، لكنه قاوم المحتل، ومازال يقاوم وكلاء المحتل من الفاسدين،
5. وفي المثال الاخر، هل لاحظت أيها السياسي الكريم، عندما دخلت داعش الى الموصل والمناطق الغربية، بان الاعداد الغفيرة من الجنود والضباط تركوا مواقعهم ، ليس جبناً وانما لانهم يعلمون بان من كان يتولى امرهم فاسد لا يستحق مناصرته، الا انهم عادوا للقتال تحت لواء فتوى السيد السيستاني حفظه الله، لانهم يعلمون بانه قائد نزيه لم تلوثه السلطة بإغراءاتها، وهؤلاء الجنود الذين تركوا مواقع القتال عادوا وذهبوا طوعاً، وبعضهم استدان الأموال من اجل المشاركة، والأخر باع مقتنياته الشخصية وقوت عائلته من اجل ان يقف بوجه الدواعش والإرهابيين، ونال الكثير منهم وسان الشهادة، لانهم يعلمون ان الوطن لا يعوض والفاسد لا ينتصر،
6. لذلك يأيها الكريم، ان الشعب لن يخون وطنه ولن يتخلى عنه، وانما يتخلى عن الحاكم الفاسد الذي لا هم له سوى التمتع بمزايا السلطة على حساب أبناء جلدته، واعطيك مثلا، العراق تحت ضغط الحرب بين ايران والكيان الصهيوني واجوائه مغلقة وبعض الفاسدين يبحثون عن طائرة او منفذ للفرار الى مواطنهم الامنة مع عوائلهم والتي اشتروها من مال الشعب المنهوب، ثم يبدأ بالانفعالات الصورية من خلف الكيبورد وهو منعم في دول الرفاهية، وعندما تستقر الأوضاع يعود الى البلد ويبدأ بممارسة هوايته بتكميم الافواه ومحاسبة الشعب على ما يقول، بل انه هدد الشعب واشهر بوجههم العقوبات ان هم اعلنوا عن رأيهم او قولهم تجاه الفساد وغيره،

لكن أيها السياسي الكريم، ان هذه التهديديات لا تكمم الافواه فإنها تتكلم وتعبر عن الرأي بشتى البدائل، وانما الفاسد يصم اذانه عن سماع صوت الشعب، وهذا ما يقرب نهايته، وسيقى الشعب مع الوطن وليس مع الفاسد، والشعب لن يخون الوطن مهما جرى ومهما حصل.

قاضٍ متقاعد

أحدث المقالات

أحدث المقالات