بعد اكثر من عشره أعوام على سقوط النظام البعثي ، وتشكيل لثلاث حكومات متعاقبه بعد التغيير ، وبعد الدستور الجديد ، والانتخابات تلو الانتخابات ، والتأسيس لمشروع وطني ،لم نشعر بشيء من الاستقرار لا السياسي ولا الاجتماعي ، فنزلق بلدنا نحو الاقتتال الطائفي ، وتمزقه أواصر الارتباط الاجتماعي بين مكوناته ،وأصبح أداه سهله بيد الاجندات الخارجيه ،والتي نجحت في اختراق هذه الأواصر وتمزيقها .
ظاهره الإرهاب ،الذي ينفذ ويبرر باسم الإسلام. هذه هي المشكلة الكبرى التي ارتفع صوتها، ويتساقط ضحاياها ليس فقط من غير المسلمين، بل ومن المسلمين أيضا، وبأعداد كبيرة، ويوميا. تفجيرات البشر والأسواق والمساجد والحسينيات في العراق، وتفجيرات الكنائس ، فما من يوم يمر على العراق إلا و يصحو فيه مواطنوه على دوي التفجيرات و مشاهد الدماء و الدمار فيموت الأبرياء بالعشرات، ناهيك عن آلاف الجرحى ممن يحتاجون للعلاج في بلدٍ مستشفياتُه أصلا مكتظة و مهترئة جرّاء سنوات الحرب و الحصار و نقص الوسائل الطبية فيبقى الجرحى ممدين على الأرض ينتظرون دوْرَهم لتلقي الإسعافات، هذا إن قدر لهم أن يبقوا على قيد الحياة.
و إذا أخذنا فقط الشهور الخمسة الماضية، نجد أن عدد الضحايا يفوق ال٨٠٠ شهريا بحسب إحصاءات الأمم المتحدة، ما يذكّرنا بسنوات الجمر و النار التي تلت عام 2006 حين تمّ تفجيرُ مرقد الإمامين العسكريين و فُتِحتْ بعدها أبواب الجحيم الطائفي فبلغت حصيلة القتلى 3000 شخص كل شهر.
كلّ شيء مباح في هذه التفجيرات و لا توجد خطوطٌ حُمْر أو حرْمَةٌ لمكان أو مناسبة.
فكل الأماكن مستهدَفة، من طرق و أسواق و مبان حكومية. حتى بيوتُ الله من حسينيات و مساجد لم تسْلَمْ.
و إذا كان الفرح قد هجر بيوت العراقيين فإنه لا وقت للحزن أيضا. فلا يُسمح لأهالي الضحايا بِبُكَاءِ قتْلاهم حيث يأتي الانتحاري ليُفجّر نفسه في مأتم لِتُصبحَ الجنازة جنازات.
أما المستهدفون فالكلّ أمام التفجير سواء. شيعة و سنّة و مسيحيون و أكراد و رجال أمن.
و إذا استثنينا الاحصاءات التي تقدمها الأمم المتحدة من حين لآخر بعدد الضحايا، فإن كل هذه الفظائع تجري في ظل صمت و تجاهل عربي و دولي فاضح. و كأنّ الضحايا ليسوا بشرا بل أنهم لم يرْقَوا إلى مرتبة كالتي يحظى بها الحيوانات في الغرب. و لا نكاد نسمع استعمال لفظ “إرهاب” لتعريف ما يجري في العراق، لأنه إرهاب بكل المقاييس.
الارهاب تفنن كثيراً في قتله اليومي ، حتى صار كل يوم دائم له لونه وطريقه استهدافه الابرياء ، ويمتاز بطريقه اختياره للمكان والزمان ، وضربات نوعيه جداً توقع العشرات من الضحايا بين شهيد وجريح ، والهدف هو احداث فتنه طائفية بين ابناء الشعب الواحد ، ليكون حطب لحرب مشتعلة تأتي بالأخضر واليابس ، وتكون حطب لشعب أرهقته سنين حكم جائر ، أخذت منه الكثير ، فلم تبقى منه الا بشر لا يعرف ماذا يريد والى اين يسير ، كما ان العداء للمشروع الوطني والعملية السياسيه هو الذي يُغذّي التدهور الأمني في العراق كي يظهر المشروع الوطني بمظهر المسؤول الفاشل العاجز عن حماية شعبه و صيانته امن مواطنيه .
لكن، و بالرغم سوداويه المشهد ، إلا ان ما يشهده العراق اليوم ليس إلا ظرْفا سيمضي، حاملا معه دموعه و مآسيه تماما مثلما ما مضت حقبات أخرى و أخذت معها الغُزَاة و المستبدّين. فقد ذهب المغول و بقي العراق، لكن العراق العريق بحضارته و تاريخه أنجب بعد ذلك علماء و مفكرين ومثقفين له لمساتهم على التاريخ .
كما أن تكون التفجيرات اليوميه برغم فظاعتها وقسوتها الا انها يجب ان عاملا في توحيد الشعب كما توحّد في المعاناة، لأن هذا الإرهاب لم يستثن طائفة أو عِرْقاً بل استهدف الجميع بدون تمييز .
كما يجب علىنا أن نعي تماماً أن العدوّ هو نفسه سواء آستهدف أحياء الكاظمية أو الأعظمية أو الدورة أو حتى أربيل. لأن هناك من يريدُهم أن يسدِّدُوا فاتورة الحقد الطائفي الأعمى .