يفاجئنا احد كبار دولة العراق الجديد ، بين الحين والآخر ، بتصريحات ومواقف سياسية ، تنطوي على درجة كبيرة من الاستفزاز لخصومه السياسيين ، ربما تؤدي إلى نتائج عكسية تماما لم يتنبه لها ، ونحن نشير هنا إلى كيفية مهاجمة واعتقال النائب احمد العلواني من قبل قوات حكومية واستشهاد أخيه علي رحمه الله وجرح عدد كبير من أفراد حمايته في داره في وسط مدينة الرمادي ! وإلى تصريحاته التي أدلى بها إلى محطة تلفزيونية عراقية ، وحذر فيها شركائه ومن اقرب الناس إليه من المضي قدما في التدخل في الشؤون الخاصة بدولة يطلق عليها القانون ، وهدد بأنه سيرد بالطريقة نفسها ، وسيدعم نجله الكبير بالرد بمن يسبب له مشاكل في المنطقة الخضراء فهذا التهديد ، يمكن إن يكون مقبولا ومفهوما ، لو انه صدر عن رئيس دولة ذات سيادة ، تسيطر على أراضيها وحدودها وتحمي أمنها الداخلي ، وتملك جيشا قويا جرارا ، ولكن السي السيد الكبير هذا لا يستطيع مغادرة قصره داخل المنطقة الخضراء ولو لمرة واحدة وأتمنى كما يتمنى غيري أن أشاهده يزور وزارة أو دائرة أو مدينة أو محافظة طيلة حكمة أو نسمع تصريح صريح لمسؤول وزاري والجالسون في بغداد اليوم ينادي به نحو بناء العراق أو لزيارة قصر مسؤول أمريكي في المنطقة نفسها ، إلا بعد إخطار القوات الأمريكية مسبقا، وقبل يوم كامل وحتى هذه اللحظة ، حتى توفر له الحماية الأمنية المطلوبة وربما يفيد التذكير بان السيد ، لم يُخطر بموعد لقائه مع رؤساء الدول والمسؤولين الأجانب سعادة وجلالة الرئيس فإذا كانت حكومة السيد لا تستطيع أن تحمي مطار بغداد والطرق المؤدية إليه ، وبما يعفي الطيارين من الحركات البهلوانية التي يتبعونها للإقلاع والهبوط ، وتوقف المجازر الجماعية التي تحصد أرواح مئة مواطن عراقي بريء يوميا علي الأقل ، وتوفر الخدمات الأساسية ، أو الحد الأدنى منها لأبناء العراق المنكوب ، فكيف يمكن إن تهدد دول الجوار بدعم المتمردين فيها ؟ وهل يملك اتخاذ هذا القرار بدون موافقة السيد الأمريكي؟ السيد مستاء من التدخلات الإيرانية والتركية والسورية ، في الشأن العراقي الداخلي ، وينسي حقيقتين أساسيتين ، أولاهما انه كان أول من شجع هذه التدخلات واستعان بها ، عندما كان معارضا لحكومة بلاده يعيش في المنفى ، وما زال حتى هذه اللحظة يحمل جوازات سفر تركية وسورية وإيرانية وسعادة الرئيس أسمه مستعار ،ولا نعرف ما إذا كان يحمل جواز سفر عراقياً، بل ويطالب بقواعد أمريكية دائمة في العراق ، والثانية انه يحرّم علي الدول المجاورة التدخل في شؤون العراق الداخلية بينما ينسي إن في العراق قوات لأكثر من 38 دولة إلى جانب قوات الاحتلال الأمريكية ، تمارس القتل يوميا في حق العراقيين ، وتدمر قرى ومدنا بأكملها فوق رؤوس أصحابها مقاومة الاحتلال الأجنبي حق مشروع سواء كان أمريكيا أو إيرانينا ، والعراق محتل باعتراف أمريكا والأمم المتحدة ولجوء بعض رجالات المقاومة لدول الجوار طلبا للمساعدة أمر طبيعي ومنطقي ومتوقع ، والسيد لجأ إلى الدول نفسها طلبا للمساعدة رغم انه كان متمردا على حكومة مركزية دكتاتورية ، وليس على قوات احتلال أجنبي , ولكن المصيبة إن دول الجوار لا تدعم هذه المقاومة ، بل تغلق الأبواب في وجهها ، أو بالأحرى لا تدعمها بالشكل المطلوب ، وان دعمت ، فان بعض هذا الدعم يذهب إلى ميليشيات طائفية موالية وداعمة للاحتلال ، مثلما هو حال الدعم الإيراني لميليشيا الأحزاب الإسلامية التابعة للجارة إيران في العراق , و يبدو إن جلالة السيد يذهب إلى الحج والناس راجعة , ولعل تهديدات السيد هذه تكون حافزا لسورية ودول الجوار الأخرى ، للقيام بدور الجوار الفيتنامي ، أو الجوار الجنوب الإفريقي اللذين أديا إلى هزيمة أمريكا في هانوي ، وانهيار النظام العنصري البغيض في بريتوريا , فطالما أنها دول متهمة فلا ضير عليها أوضاع العراق تتدهور ليس بسبب تدخل الدول المجاورة في شؤونه الداخلية ، وإنما لان مشروع الاحتلال الأمريكي وصل إلى طريق مسدود ، ولم يبق إلا الاعتراف رسميا بفشله في الأمم المتحدة لان القوات الأمريكية لا تزال على ارض العراق .
فعندما تقول الأمم المتحدة إن التعذيب والقتل فاقا ما كانا عليه في زمن الرئيس صدام حسين ، وتجمع 16 وكالة استخبارات أمريكية على أن غزو العراق واحتلاله زادا من خطر الإرهاب ، وخلقا جيلا جديدا من الجهاديين أكثر خطورة من الجيل السابق ، فان على السيد وكل الذين تعاونوا مع الاحتلال وأجهزته البحث عن ملاذ آمن، وبأسرع وقت ممكن ، قبل إن تنقلب الأمور كليا ضدهم ، ويشكل لهم الشعب العراقي محاكم جرائم حرب لمحاكمتهم بالصورة التي حاكموا بها سابقا الرئيس العراقي صدام حسين ورفاقه ال55 المرحلة المقبلة عنوانها مواجهة أمريكية ـ إيرانية علي أرضية المفاعل النووي الإيراني ، وعلينا إن نتوقع تدخلا إيرانيا سوريا اكبر في الشأن العراقي يؤدي إلى إشغال القوات الأمريكية في حرب استنزاف دموية , فمثلما استخدمت الولايات المتحدة المجاهدين في أفغانستان لجعل القيادة السوفييتية تفكر إلف مرة قبل توسيع وجودها ومهاجمة باكستان ، سيستخدم البلدان وربما بدعم صيني روسي ، المجاهدين أنفسهم لتوريط أمريكا أكثر في المستنقع العراقي ، والتفكير مليون مرة قبل غزو سورية أو إيران أو الاثنتين معا .
السيد ، والذي من المفترض إن يكون من أكثر السياسيين حنكة ، يدرك كل هذه الحقائق ، وربما ما هو أكثر منها ، ولهذا تبدو تصرفاته وتصريحاته مرتبكة ، فلعله أدرك إن النار التي أشعلها في ثوب مدن المحافظات بدأت تصل إلى طرف الثوب في العاصمة بغداد ، وان دول الجوار مستعدة ليس لإطفائها ، وإنما لصب المزيد من الزيت لتسريع اشتعالها , ومن المفارقة إن تصريحاته الأخيرة تشجعهم على ذلك .