نظرة عامة على التطورات الإقليمية والعالمية الأخيرة المتعلقة بإيران
نتيجة لتغيير الظروف، ولاسيما التطورات العالمية الكبرى، من الطبيعي أن يكون جوهر القضية الإيرانية ضحية لهذه التطورات. والسؤال الرئيسي الذي يطرح نفسه في هذا المجال هو: هل ستفضي هذه التطورات في نهاية المطاف إلى ما يخدم مصلحة نظام الملالي أم أنها ستسفر عن ترجيح كفة الانتفاضة وأبناء الوطن على حساب الديكتاتورية الحاكمة في البلاد؟. وما هو النهج الواقعي وكيف يجب استنتاجه؟
لقد شهدنا في الآونة الأخيرة، تزامنا مع تولَّي الإدارة الأمريكية الجديدة مقاليد الحكم في البلاد، وهو الأمر الذي أسعد نظام الملالي وقاد إلى التنبؤ برفع العقوبات وأحبط شعار الزمرة المغلوبة على أمرها المتعلق بالدعوة إلى التفاوض المهين مع أمريكا؛ تصاعدًا في موجة الاحتجاجات الشعبية المناهضة لنظام الملالي.
والجدير بالذكر أن كل خبير أو محلل واقعي يعلم أن عودة أمريكا للاتفاق النووي السابق ضرب من المستحيل، نظرًا لأن التطورات التي حدث خلال السنوات الـ 4 الماضية قد أغلقت الطريق تمامًا أمام هذا الأمر، وأنه لا خيار أمام الإدارة الأمريكية الجديدة سوى الاستمرار في فرض العقوبات العامة وزيادة الضغط على نظام الملالي.
ولا يخفى على أحد أن نظام الملالي لم يعد كما كان عليه في الماضي وأصبح أضعف وأن الوضع لن يعود إلى الماضي الذي ينشده هذا نظام الفاشي على الإطلاق. والآن يعلم الجميع أن العصر الذهبي لباراك أوباما بالنسبة نظام الملالي؛ لن يتكرر. بمعنى أن بايدن لن يكون أوباما، على الرغم من أن كلاهما من نفس الحزب.
والجدير بالذكر أن نظام الملالي يواجه أزمات متعددة في الوقت الراهن أهمها أزمة الإطاحة. ويعتزم علي خامنئي تقليص نظام الملالي بما يتفق مع الظروف الجديدة واستئصال الزمرة المغلوبة على أمرها المعروفة بالإصلاحيين من المناصب الحساسة في البلاد. وبعد احتكار السلطتين التشريعية والقضائية ينقض على السلطة التنفيذية أيضًا ليهيمن عليها اعتبارًا من منتصف العام الميلادي الحالي، نظرًا لأنه حتى ذلك الحين سيكون قد سيطر على المسرحية الانتخابية لرئاسة جمهورية الملالي بخطة مفبركة.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: ماذا سيحدث إذا نجح خامنئي في تحقيق هذا الهدف وتقليص نظام الملالي تمامًا؟ الجواب المنطقي هو أن خامنئي قصَّر عمر نظامه دون قصد بالاختيار بين السيئ والأسوأ، ومن المتوقع أن يكون مصيره أسوأ من خميني.
خاصة وأن نظام الملالي الآن على وشك الانهيار الاقتصادي، والفقر وارتفاع الأسعار والبطالة واختلاطهم بتداعيات تفشي وباء كورونا؛ جميعهم ناجمين عن سياسات نظام الملالي وطبيعته المعادية للشعب. وأوصل نظام الملالي المجتمع إلى الوضع المتفجر وجعل الإيرانيين، ولاسيما الطبقات الدنيا من المجتمع الإيراني يتأكدون من أنه ليس هناك أي أمل في حل مشاكلهم إلا بتدفقهم إلى الساحات والمطالبة بحقوقهم عمليًا، بمعني أنهم ينطلقون في انتفاضة شعبية جديدة شرسة تبلغ ذروتها؛ شهدنا التمهيد لها في انتفاضة نوفمبر 2019.
والجدير بالذكر أن الإيرانيين أصبحوا بعد الانتخابات الأمريكية يعلمون علم اليقين أن السبب الرئيسي في مشاكل المجتمع ليست العقوبات الدولية، بل هو نظام الملالي الحاكم، وتحديدًا خامنئي شخصيًا الذي أغلق الطريق أمام الإيرانيين حتى ولو للعيش في حياة بسيطة وطبيعية. وفي هذا الصدد، كتب أحد المحللين في نظام الملالي أن من عيوب مجيء بايدن هي أنه سيثير مطالب الشعب وسيرفع من سقف توقعات أبناء الوطن من نظام الملالي .
والحقيقة الواضحة هي أنه على مدى السنوات الأربع الماضية، اضطر نظام الملالي إلى التراجع في جميع المجالات، وواجه مأزقًا أو عوائق صعبة للغاية عند إقباله على متابعة أي خارطة طريق كان قد تبناها في الماضي. خرائطُ طريق من قبيل التدخل في شؤون الدول، وتصدير الإرهاب والأصولية، وامتلاك الأسلحة النووية والصواريخ الباليستية، ونهب وسلب ممتلكات أبناء الوطن داخل البلاد. لأن مجموعة التطورات التي حدثت خلال هذه الفترة قد غيرت الكثير من المعادلات المتعلقة بإيران. تطوراتٌ كان ولايزال الشعب الإيراني والمقاومة الإيرانية النقطة المحورية فيها، من قبيل الانتفاضات الشعبية في عامي 2018 و 2019 أو قضية نظام الملالي الإرهابية المتعلقة بالمحاولة الفاشلة في تفجير تجمع المقاومة الإيرانية السنوي في عام 2018 واعتقال الدبلوماسي الإرهابي التابع لنظام الملالي، أسد الله أسدي، ومحاكمته. وكشف النقاب عن شبكة نظام الملالي الإرهابية المتغلغلة في أوروبا مستهدفةً المقاومة الإيرانية، والتي أُفشي سرها لفضح نظام الملالي لأول مرة. ولم يكن من الممكن أن يتغاضى عنها المسترضون الغربيون كما كان الحال في السنوات السابقة فحسب، بل إنها شائعة وتتناقلها الألسن في كل مكان حول العالم وتتزايد أبعادها وأعماقها كل يوم، وأصبح من باب المستحيل إغلاق هذا الملف.
لكن المقرر الرئيسي لمصير التطورات فيما يتعلق بإيران هو وجود المقاومة الإيرانية وأنشطتها الواسعة من خلال معقل الانتفاضة داخل إيران. وبإلقاء نظرة واقعية على الوضع الحالي داخل إيران ندرك أن خوف أبناء الوطن من القمع والاعتقال والتعذيب والإعدام قد أصبح من العدم بعد الانتفاضات الأخيرة. وعندما تكون غالبية المجتمع تعيش في فقر مدقع وتحت وطأة القمع المطلق العنان الذي يتبناه نظام الملالي الحاكم، فإن أبناء الوطن يتدفقون إلى الساحات بشجاعة منقطعة النظير ويجعلون قوات نظام الملالي خائرة القوى ويبدأون في إطلاق انتفاضة أكثر انتشارًا وعمقًا واضعين في اعتبارهم أنهم لم يعد لديهم ما يبكون عليه، وهذا النهج هو ما يخشاه نظام الملالي بشدة.
لأن هذا النهج تفوح منه رائحة العصيان والثورة على ديكتاتورية الملالي، ولن يعد الإيرانيون يثقون في أي مسؤول أو عنصر في نظام الملالي، وسرعان ما ستتعقد الأمور بالنسبة لنظام ولاية الفقيه ويعيش في حيرة من أمره. والجدير بالذكر أن الأخبار المنشورة في وسائل نظام الملالي المتعلقة بمصادرة أسلحة من المواطنين خلال شهر أخير تدل على مثل هذا الاتجاه، وبالتدريج وبالطبع بسرعة فائقة سيكون السلاح في أيدي أصحابه الأصليين، ألا وهو الشعب الإيراني المجيد وفي طليعته الشباب ومعاقل الانتفاضة.
والآن، أصبح شعار «ما يحك جلدك مثل ظفرك» قيمة ونموذجًا للحياة بالنسبة لكل إيراني واقعي. فأبناء الوطن يعلمون جيدًا أن الإطاحة بالنظام الديني الديكتاتوري هو المهمة الواجبة على الإيرانيين ومعاقل انتفاضتهم.
ولا ينبغي أن نشك قيد أنملة في أنه مهما كانت التطورات الإقليمية والعالمية، فإن مصير إيران والإيرانيين مرهون بالخطوات التي سيتخذها الشعب وأبناؤه المخلصون في المقاومة الإيرانية وفي معاقل الانتفاضة. والشعب الإيراني والمقاومة الإيرانية يحاصران نظام الملالي الآن.
@m_abdorrahman
*کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني.