4 نوفمبر، 2024 9:36 م
Search
Close this search box.

الشعبوية والديماغوجية في خطاب الصدر يجب التصدي لها

الشعبوية والديماغوجية في خطاب الصدر يجب التصدي لها

الطريق الى بر الأمان في العراق وتغيير النظام السياسي فيه يكون عن طريق رمي كل منظومة الإسلام السياسي الى خارج التاريخ. واي حديث عن الاصلاح وتغيير النظام السياسي في العراق عبر رجل دين معمم انتفخت جيوبه من الهب والسلب و تكرشت بطنه وبطون حاشيته طوال سنوات العملية السياسية، وكان أحد اعمدتها، هو محض هراء، ولا يعدو حديثه عن أي تغيير مهما كان ضئيلا يكون في أفضل أحواله شعارات مضللة وضربا من النفاق السياسي، يخفي في طياته تحقيق اجندات مشبوهة تجر الجماهير المحرومة الى كمين اقل ما يقال عنها الابادة الجماعية.

 

لغاية يوم أمس، كان التيار الصدري أحد اعمدة المحاصصة والفساد بامتياز، وأحد أعمدة تشكيل جميع حكومات المحاصصة السياسية بدئاً من الجعفري والمالكي والعبادي ومرورا بعبد المهدي وانتهاءاً بالكاظمي، ولم يسمع من الصدر إلا أصوات لإنقاذ تلك الحكومات وحصصه من الوزارات والمناصب الخاصة. اليوم وبعد التخبطات السياسية لهذا التيار الاسلامي الشعبوي كما اعتاد عليه المشهد السياسي العراقي بإستقالة نوابه من مجلس النواب وادعاءات زعيمه بالإنسحاب من العملية السياسية، يسعى ما لم يستطع من تحقيقه في البرلمان بالوصول إليه عبر التهديد بصليل بنادق ميليشياته وتظاهرات جماعته وبالتنسيق مع القوات الامنية التابعة للكاظمي وبالشعارات المضللة التي سرقها من انتفاضة اكتوبر.

 

التيار الصدري يدفع المجتمع نحو حافة الهاوية، مع الحرص بدقة متناهية وحذر من السقوط وجر اخوته الاعداء، وزعيمه مقتدى الصدر يدرك انه لم يعد بإمكانه حسم مسألة السلطة السياسية، لان العراق مقسم إلى ارض المليشيات، ومن يعتقد ان هناك انقلاب عسكري وبدعم جماعة الصدر له سيحدث وسيعمل على تغيير كل المنظومة السياسية في العراق، فهو لم يتعلم او لم يطلع بعد على دروس ماركس (الثامن عشر من برومير) و لينين (الدولة والثورة) عن الدولة.

 

في العراق، ومنذ الغزو وتدمير الاحتلال لآلة الدولة وتمزقت معها هويتها السياسية، لم تتشكل الدولة بالمعنى القانوني والسياسي والهوياتي. ورغم كل محاولات المالكي عندما تسلم الحكومة لمدة ثمانية أعوام عجاف وعموم منظومة الإسلام السياسي الشيعي بتشكيل الدولة، وظهرت تباشيرها تلوح بالأفق، إلا أنها سقطت وسمع دويها في ابعد نقطة من الكرة الارضية، و انهارت مع اعلان دولة الخلافة الاسلامية في ١٠ حزيران ٢٠١٤ في ثلث مساحة العراق. وكانت الجحافل الجرارة من الجيش العراقي والشرطة الاتحادية والمحلية والقوات الامنية التي قدرت قوامها باكثر من ٦٠ ألف عنصر، تاركين ورائهم كامل عتادهم، تتسابق بالهروب بحثا عن الطرق والمنافذ إلى مدن أربيل وكركوك للنفاذ بجلدهم، وهي تجر اذيال الهزيمة والخيبة على يد عدو لا يتجاوز عديد عناصرها أكثر من ٢٠٠ مسلح. وكان تأسيس الحشد الشعبي من قبل نفس منظومة الإسلام السياسي هو سبيل آخر لإعادة تأسيس الدولة، وهذه المرة بهوية عقائدية طائفية تلعب دور الحرس الثوري الايراني او الباسداران، والإتعاظ من تجربة فشل الالة القمعية التي يتصدرها غياب العقيدة بمعناها العسكري والسياسي. وهذا يكمن خلف سر الحفاظ والدفاع وحتى الإستقتال بالأيدي والأسنان على هذه المؤسسة القمعية الجديدة بكل ما أوتي من أبواق دعائية وانتقاء هوية لها التي سموها (المقاومة والممانعة) وتخصيص جزء من موازنة الدولة السنوية لها تقدر باكثر من ملياري دولار لها. وفي مقابل ذلك ايضا يكشف عن سر خوف مقتدى الصدر وتياره من منظومة الحشد الشعبي الذي يشن بين بين الفترة والاخرى حملة سياسية عليها مرة يصفها بالمنفلتة واخرى بالوقحة ومرة بغير المنضبطة، والمطالبة تارة أما بحله أو بضمه إلى المؤسسة الامنية الحكومية للسيطرة عليها واحتوائها.

 

بهذا المعنى لن يستطيع الصدر وتياره بتغيير النظام السياسي في العراق ليس لأنه لا يستطيع وفق المعطيات المذكورة بل انه لا يريد ذلك ايضا، لأنه يدرك ان جميع اخوته الاعداء سواء التوائم في البيت الشيعي او بالرضاعة في البيت القومي بشقيه العروبي والكردي، سيجتمعون عليه وينهالون عليه بالضرب كما يقولون في العامية البغدادية الدارجة (كتلته يصير عمل شعبي).

 

وعلى هذه الارضية نفسها لن يغير حل البرلمان واجراء انتخابات جديدة المشهد السياسي، او بالأحرى معضلة الصراع على السلطة بين الأجنحة البرجوازية التي يمثلها منظومة الاسلام السياسي. فأياً كانت نتائج الانتخابات فلن يستطيع لا الخاسر من هذه القوى ولا الفائز تشكيل الحكومة، وسيعاد نفس السيناريو الحالي. فصناديق الانتخابات في دول فاشلة (غير قادرة على حماية مواطنيها- نعوم تشومسكي) مثل العراق ولبنان وليبيا واليمن لن تحسمها صناديق الانتخابات وبغض النظر عن نزاهتها من عدمها، إنما يحسمها صليل رصاص بنادق المليشيات. وقد يذهب الصدر الى “انتخابات جديدة” فقط لحفظ ماء وجهه والخروج من المأزق السياسي الذي وضع فيه نفسه منذ استقالة نوابه، وليس من اجل تغيير النظام السياسي او حتى المشهد السياسي وهذا ما يعيه الجميع. وبالنسبة لقوى سياسية اخرى عندما تطرح قضية الانتخابات فهي تدرك، أنها ليست من اجل حل الازمة بل من اجل ادارة الازمة وتأجيل انفجارها.

 

لا يمكن للصدر وتياره سرقة شعارات انتفاضة اكتوبر او انتفاضة تشرين، ولا يستطيع الصدر مهما أطلق من شعارات رنانة ان يكون ممثل للجماهير التحررية، ولا يمكنه ان يكون رمزاً ليس للتحرر الثوري فقط بل لا يستطيع ان يحدث اي اصلاح كما يدعي. وتجربتنا مع الصدر ليست قليلة، حيث لعب دورا عظيما خلال كل تلك السنوات بإنقاذ العملية السياسية عبر زج جماعته في كل التظاهرات والاحتجاجات الكبيرة التي هزت عرش منظومة سلطة الاسلام السياسي الشيعي، بدءاً من انتفاضة شباط ٢٠١١، ثم تظاهرات تموز ٢٠١٥، وبعد ذلك فشله في احتجاجات المدن الجنوبية في تموز ٢٠١٨ واخرها التنسيق مع قوات الأمن التابعة للكاظمي بقمع انتفاضة أكتوبر والسعي الحثيث لإطفاء جمرتها عبر ميليشياته القبعات الزرقاء.

 

إن قوة التيار الصدري تكمن بوجود ميليشياته التي يتم تغذيتها وتموليها وتدفع لها رواتب من كل عمليات السلب والنهب والسرقة والاتاوات التي يدعي الصدر انه يريد محاربتها. والسؤال الذي يغيب عن المتوهمين به او الذين يتوقعون عن طريقه تغيير النظام السياسي في العراق، هو من أين يتم تمويل هذه المليشيات المنظمة، وما هو اختلافها عن مليشيات عصائب اهل الحق وبدر وحزب الله وغيرهم، واقصد من جانب التمويل المالي! لماذا لا يفتح ملف تمويل هذه المليشيات؟ إذا قطع التمويل عن هذه المليشيات فلن يبق لهم غير الجعجعة الإعلامية في أفضل الأحوال. وعن طريق تلك الميليشيات ترهب المخالفين والمعارضين ويتم التصفية الجسدية لكل معارض لصدر، الم ينشروا فيديوهات عذبوا فيه ناشطين ومدونين واشخاص عاديين انتقدوا الصدر، وطالبوا منهم الاعتذار من الصدر او طالبوا من اهاليهم طلب الصفح والعفو من الصدر عبر التبرئ من أبنائهم . اذا جُرد الصدر من ميليشياته فسيكون في أفضل الاحوال مثل جلال الدين الصغير او عمار الحكيم. وتنطبق نفس الحالة على بقية قوى الاسلام السياسي الشيعي.

 

ولا يفوتنا ان نذكر ايضا وبكل شفافية، ان قوة الصدر تكمن ايضا في ضعفنا نحن الثوريين والتحرريين الذي لم نستطع إلى الان أن نكون أحد خيارات المجتمع بالرغم من كل مساعينا وعملنا الدؤوب. أن تيارنا هو أوسع قاعدة اجتماعية من التيار الصدري بأضعاف، وتبينه بشكل ساطع ودون اية مبالغة من قبل الجموع المليونية من العاطلين عن العمل والنساء التواقات للتحرر وعمال العقود والاجور وطلبة المدارس الاعدادية والمعاهد والجامعات الذين خرجوا في انتفاضة تشرين او اكتوبر العظيمة، وحيث تم ركن التيار الصدري جانباً، رغم تملقه بخطابه السياسي لحركتنا وتيارنا بتسويق شعاراته الشعبوية التي نراها اليوم، و بدفاعه عن مطالب الانتفاضة. وعندما فشل في كسب المنتفضين أو ركوب الاحتجاجات التي اعتاد عليها في السنوات السابقة، كشف عن وجه ليطالب بفصل الاناث عن الذكور، وعندما فشل في ذلك أيضا أوعز لميليشياته بالهجوم على خيام المنتفضين وتحت تواطؤ قوات الأمن التابعة للكاظمي.

بمعنى اخر ان التيار الصدري جزء من منظومة الإسلام السياسي التي شاركت مع بقية المليشيات الولائية في قتل المتظاهرين وحرق خيامهم كمحصلة نهائية. واجتمع الجميع، المليشيات المنضوية تحت لواء قائمة فتح التي يقودها العامري في البرلمان قبل الانتخابات الاخيرة ومليشيات التيار الصدري القبعات الزرقاء، بإختيار الكاظمي رئيسا للحكومة على انقاذ حكومة عبد المهدي، لإنقاذ العملية السياسية برمتها من قبضة انتفاضة اكتوبر.

 

ان المفارقة والتناقض في سقف التيار الصدري للمطالب، مثل تغيير النظام السياسي والدستور، هو أنه لم يطرح عن طريق اية الية يريد ذلك التغيير؟ وهذا السؤال يميط اللثام عن كمية التضليل والخداع الذي يغلفه الخطاب السياسي للتيار الصدري لجماهيره وعموم المجتمع العراقي. فتغيير النظام السياسي يعني نسف العملية السياسية بما فيه القضاء والسلطة التشريعية والتنفيذية وكل أركان الدولة من مؤسسات سياسية وقانونية وقمعية. إلا أن خطاب الصدر الذي وجه خلاله بالابتعاد عن مبنى القضاء والتعاون مع القوات الامنية وحصر اعتصامهم وتجمعهم في البرلمان وحول مبانيها وليس أكثر. وكأنه يريد الانتقام من المكان الذي أفشل مشروعه السياسي في تشكيل حكومة الاغلبية. اي بعبارة اخرى انه يريد توجيه صفعة لمجلس النواب عبر العبث بمقاعده وجلوس أنصاره عليها وهم يأخذون صور السيلفي كي يغيظ اخوته الأعداء التوائم. في مقابل ذلك انه من الناحية العملية أي زعيم التيار او الوزير القائد او محمد صالح العراقي يريد وضع جماعته وحصرهم في مكان محدد وتجميدهم بحيث لا يؤثروا على سير عمل جميع المؤسسات الحكومية والحياة اليومية والروتينية وعدم تعطيل حياة العملية السياسية. اما آليات تغيير النظام السياسي، فليس امامه الا طريقين؛ اما الحرب الاهلية، او التغيير الثوري. اما بالنسبة للخيار الثاني فهو عدو التغيير الثوري لأنه يعني أن التغيير سيشمله وبلغته هو (شلع قلع)، وسيفتح التغيير الثوري او الثورة ملف قتلة المتظاهرين والفاسدين، وستفتح المحاكم ملف (من أين لك هذا؟) وستحل الثورة المليشيات.. الخ. اما الطريق الاول فقد تحدثنا عنه. اذن ان التيار الصدري يريد اللعب على مشاعر الناس عبر تجديد خطابه الشعبوي والقومي والخالي من اي محتوى سوى التنفيس عن حسرات المحرومين الذين يعبرون عن عوزهم وفقرهم عبر شاشات الفضائيات.

 

بمعنى اخر ان الصدر لن يستطيع ان يكون رمزا للتغيير الثوري في العراق، وليس في أجندته أي مشروع للتغيير، فتغيير النظام السياسي بحاجة إلى تغيير ثوري، والصدر الذي اجتمع مع هيئته السياسية قبل الانتخابات الاخيرة وتحدث لهم عن اهمية دور جماعته بالدفاع عن المذهب والإسلام والوطن. ووطن الصدر يعني دولة صدام حسين في أيام الحملة الايمانية التي أطلقها عام ١٩٩٦. دولة استبدادية يحكمها المعممين امثاله، دولة برنامجها الاقتصادي الليبرالية الجديدة، وهي تنصل الدولة من كل مسؤولياتها تجاه المجتمع، وشاهدنا كيف صوتت جماعته خلسة على تخفيض العملة المحلية والورقة البيضاء التي جاءت بها حكومة الكاظمي لإدامة الفساد بأنواعه، وتحميل العمال والموظفين أحمال جديدة وجعلهم يدفعون ثمن سنوات نهبهم وسرقة أموالهم في تأسيس الشركات والمولات والبنوك، دولة ليس فيه أية حريات فردية وانسانية، دولة فيها الإسلام هو الحكم والفيصل، دولة تضرب أعناق النساء إذا طالبن بالتحرر. دولة قومية بغلاف إسلامي تضرب بيد من حديد اية قوة تطالب المساواة وتطالب توزيع الثروات على الجماهير العمالية والكادحة.

 

إن حركة الصدر هي حركة رجعية بامتياز وتهدد أمن وسلامة المجتمع، وهدفها هو تأسيس حكومة تلبي طموحات التيار الصدري كجناح من أجنحة الطبقة البرجوازية التي يمثلها الإسلام السياسي. ان التصدي لمثل هذه الحركة سياسيا ودعائيا واجتماعيا وفضح شعارات الصدر وألاعيب تياره هو مهمة الثوريين والتحررين. ان التيار الصدري هو الوجه الآخر للإطار التنسيقي المليشياتي، وأن الخلاف بينهم هو جزء من صراع طبقة انتفخت جراء ما سرقتها لكل مقدرات المجتمع والجماهير وتريد استثمار ما نهبتها عبر مشروعه السياسي الذي لن يتم دون الفوز بالسلطة السياسية. وهي لن تتورع بارتكاب المجازر من اجل تلك السلطة. إن تغيير النظام السياسي مرهون بالحركة الثورية والاشتراكية، والصدر وتياره غريب عليها ولا ينتمي لها وأكثر من ذلك انه الد اعدائها .

 

أحدث المقالات