تعد الطقوس والشعائر الدينية من القضايا الحساسة في العراق كونها ترتبط بحرية الدين والمعتقد وحقوق الانسان وبناء قيم الديمقراطية, التي اصبح احترامها الطوعي من الحاكم والمحكوم معيارا لاحترام الدستور والقانون الذي يودي في النهاية الى تحقيق الاستقرار الأمني، لكن مايحصل انه في كل مناسبة ذات شعائر وطقوس معينة نرى أن من يصمم مشاهد وديكورات تلك الشعائر هم البسطاء من الناس الذين يكون أغلبهم ضمن ما يسمى بـ(التدين الشعبي)، كما نرى بالمقابل غيابا تاما للجهات الدينية الرسمية كدائرة إحياء الشعائر الحسينية في الوقف الشيعي، التي تتحمل مسؤولية تنظيم تلك الشعائر وتهذيبها وحمايتها من الاجتهادات الفردية الدخيلة عليها، فمن يمر بشارع السعدون هذه الأيام التي نعيش فيها ذكرى استشهاد الامام موسى الكاظم (ع) يلفت انتباهه تمثال عبد المحسن السعدون وقد “اجبر” على حمل راية سوداء التصقت ساريتها به بشريط لاصق حول عينيه ورجليه.
تلك الاجتهادات الشخصية اثرت سلبا على الشعائر الدينية وشوهت صورتها فإقحام التماثيل والنصب في الشعائر (كتماثيل السعدون وقبله السياب ونصب كهرمانة) لن يضيف شيئا لتلك الطقوس، لكنه سيوصل رسالة خاطئة عنها وعن المشاركين فيها، خاصة وان بعض الطقوس التي تشهدها المناسبات الدينية تكون بعيدة جدا عن منطق العقل وترفضها حتى المرجعيات الدينية لكنها لا تستطيع اعلانه، وهنا يقول المفكر الإسلامي أياد جمال الدين (أن ما يحدث ليس له علاقة بالمرجعيات الدينية لا من قريب ولا من بعيد فهو مرتبط بالفلكلور الشعبي والإرث الحضاري القديم ومن الخطأ الفادح أن تقوم المرجعيات بالتعرض لهكذا فلكلور فهي ستضع مصداقيتها وثقة الجمهور بها على المحك)، وأورد أمثلة كثيرة بهذا الخصوص فالفكر الجمعي للمجتمع يحاكي كل الموروثات الاجتماعية باعتبارها عقائد مقدسة وهي حالة موجودة في كل المجتمعات القديمة التي لها إرث حضاري قديم وهي بخلاف المجتمعات الحديثة وحصراً التي كان امتدادها بدويا إلى عهد قريب فهذه المجتمعات ليس لها إرث حضاري يمكن أن ترجع له، لكنه هذَا لا يعني ان جميع العادات والتقاليد الاجتماعية صائبة على العكس فالكثير منها بحاجة لإعادة النظر لمنع المتصيدين بالماء العكر من استغلالها لأغراض اخرى.
وهناك الكثير من المشاهد التي يمكن تسجيلها اثناء سيرك في الطرق المؤدية التى مرقد الامام الكاظم (ع) ولعل ابرزها انتشار لافتات تحمل عبارات تهاجم الزائرين ولا تنصحهم مثلا (انت في حضرة الامام شيل عينك عن النسوان، غيرة المرأة كفر وغيرة الرجل إيمان، عيب عليج جاية للزيارة وتارسة وجهج مكياج)، لا اعتقد ان تلك اللافتات ستؤدي الى نتائج إيجابية كما تتصور الجهة آلتي وضعتها لكنها بالتأكيد ستخلق حاجزا جديدا بين اطياف المجتمع يضاف الى المشاكل التي يعاني منها، فالشعائر الدينية الصحيحة لا يمكن ان تكون في مضمونها مخالفة لحقوق الانسان وحريته، فما يحصل الْيَوْمَ من طقوس ومراسيم يرتبط بحالة الخرافة والعقائد الدخيلة على الإسلام فالإمام الحسين (ع) لم يطلب من أتباعه يوماً أن يذهبوا سيراً على الأقدام الى كربلاء ولا يقوموا بتنظيم مواكب العزاء واللطم والتطبير وضرب الزنجيل على الظهور بل قال (احيوا أمرنا أحيا الله من أحيا أمرنا) وهذا قول لا يمكننا تحميله أكثر من ظاهره فأحياء أمر الأئمة، لا يكون بهذه الطريقة الفجة التي تثير غضب الذوق الإنساني بل بما هم قرروه لأنفسهم، فنحن الْيَوْمَ بحاجة الى تهذيب الشعائر الدينية وابعادها عن التطرّف والخرافات، لايصال الصورة الحقيقية عن منهج ال البيت (عليهم السلام) وذلك لا يكون الا من خلال دعوات المراجع الدينية الى التدخل لمنع الطقوس المسيئة لها.
نقلا عن العالم الجديد