23 ديسمبر، 2024 4:03 م

الشعائر الحسينية بين الإصلاح والاستغلال

الشعائر الحسينية بين الإصلاح والاستغلال

النهضة الحسينة نهضة اصلاحية على لسان صاحبها “انما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي” ولا مجال لأي تأويل في ذلك،ورغم وضوح هذه المسئلة إلا إنه من أصعب الامور هو أن تحاول ممارسة الاصلاح في أمر يرتبط بهذه النهضة أو بفهمها وخاصة في مجال الممارسات الشعائرية أو ما يسميه البعض كذلك- وأقول ما يسميه البعض كذلك لأن بعض المصاديق مختلف على دخولها في عنوان الشعائر من عدمه- وصعوبة الأمر تكمن في عدة أمور منها:
1-تنوع أشكال تلك الشعائر وعدم خضوعها لضابطة واحدة.
2-امتزاج هذه الممارسات بالعاطفة وتعلق الناس بواقعة كربلاء.
3-تبني بعض الجهات السياسية والدينية لهذه الممارسة أو تلك بدافع مصلحي.
4-ظهور ثقافة مفادها إن كل ما يتعلق بالإمام الحسين عليه السلام هو خارج دائرة التقييم والنقد.
وغير ذلك.
ولكن رغم كل هذه الأمور ظهرت دعوات اصلاحية عديدة البعض منها جوبه بقوة من من اصحاب المصالح أو ممن انخدع بهم أو سار على نهجهم وكذلك من بعض من كان له وجهة نظر أخرى مرتبطة بظرف معين.
من هذه الدعوات واشهرها على الاطلاق الدعوة التي تبناها السيد محسن الأمين وعاضده فيها السيد أبو الحسن الاصفهاني  والتي كانت تركز على موضوع التطبير والتشابيه وبعض الأمور المرتبطة بهما وقد جوبت هذه الدعوة بقوة ولكنها أثمرت نتائج إيجابية على المدى البعيد وكان من نتائجها ظهور مستوى من الخطباء اسسوا لمنهج جديد في الخطابة كان على رأسهم الشيخ محمد علي اليعقوبي.
ومن هذه الدعوات الدعوة التي قادها الشيخ المظفر وتلامذته في دعوته لاصلاح المنبر الحسيني والتي قوبلت هي الاخرى بردة فعل عنيفة ولكنا أتت أُكلها بعد حين.
ومن هذه الدعوات الدعوة التي تبناها الشيخ مرتضى المطهري من خلال دعوته لإعادة قراءة تاريخ النهضة الحسينية ومصادر هذا التاريخ ورفض كل إضافة وضعت تحت أي مبرر وانتجت هذه الدعوة كتاب الملحمة الحسينية وغير ذلك وأسست لأرضية صالحة لعميلة إصلاح أكبر.
ومن هذه الدعوات الدعوة التي تبناها السيد الصدر الثاني من خلال دعوته لوضع ضوابط للشعر الحسيني والحانه، والغريب في الأمر إنه حالياً يتم تسمية اكثر هذه الاشعار والالحان ابتعاداً عن السياق الذي دعا له السيد الصدر الثاني تسمى “صدريات”!!!!
وهذا يؤكد مقدار الابتعاد عن منهج الصدر الذي تحدثنا عنه في مقال سابق.
علماً إننا لا نحاول تتبع كل هذه الدعوات ولا ندخل في تفاصيلها وانما نذكر نماذج فقط.

ومن هذه الدعوات الدعوة التي تبناها الشيخ اليعقوبي والتي بدأت قبل مدة عبر مجموعة من التوجيهات والفتاوى ومما يميز هذه الدعوة إنها:
1-تدخلت في الكثير من المفاصل بوضوح نادر، وهذا أمر طبيعي وذلك لتوسع دائرة الشعائر ووجود مساحة حرية كبيرة في تطبيقها فيكون حدوث الاخطاء أمر وارد بشكل أكبر.
2-إنها جاءت في ظرف سياسي حرج وغالباً ما تكون متزامنة في صدورها مع قرب المناسبة المعنية كما في فتوى التطبير والتوجيه حول مشاركة النساء في المشي، وهذا يدل على قوة قلب صاحب الدعوة وثقته بالتوفيق وعدم اهتمامه بحملات التسقيط التي شنت ضده من هذا الطرف أو ذاك.
3-تعرضها للنقد من اطراف عدة لا يكاد يجمع بينها جامع واضح رغم إن النقد هو هو بعينه النقد الذي تعرضت له دعوات الاصلاح السابقة ولكنه توسع أكثر وصار اشد قسوة، مع إنه لازال يعتمد العاطفة والتضليل في المواجهة وطرح الافكار والاراء المبتورة لاستغفال الناس.
4-انها بدأت تحرك في الناس وعياً جيداً باتجاه القبول بالإصلاح والتخلص من الخطوط الحمراء الوهمية التي يضعها البعض لمداراة مصالحهم الخاصة باسم الدين والقضية الحسينية  زوراً وادعاءً.
5-إنها جاءت متزامنة مع دعوات اصلاح سياسي واخلاقي واجتماعي تبناها الشيخ اليعقوبي في أكثر من مناسبة فأسست لمنظومة منسجمة ولم تأتي منفصلة عن واقعها.
ولست أبالغ اذا قلت إن هذه الدعوات جاءت في وقت مناسب لأنه لولا هذه الدعوات وامثالها لشهدنا تطوراً سلبياً في الشعائر الحسينية ولرأينا-وقد رأينا فعلاً بمستوى ما- تحول هذه الشعائر إلى أداة هدم بيد متنفذين يخدعون السذج من الناس ويغطون من خلالها على اخطائهم وسلبياتهم ويراؤون الناس ويروجون لثقافة مغلوطة تحول دون جعل هذه الشعائر اداة لديمومة النهضة الحسينية وحضورها في وعي الأمة واستحضارها في المفاصل التاريخية لمنهج للإصلاح والتغيير كما هو المفروض.
والدعوة الأخيرة وهي توجيه النساء بالامتناع عن المشي في زيارة الأربعين لمسافات طويلة والمشي أياماً وليالي تجنباً للوقوع في الحرام وجه من وجوه هذه الدعوة الإصلاحية وصفحة من صفحاتها، ستكون بلا شك-وهي كذلك- مثار جدل ولغط كبير من مجموعة كبيرة من المتوهمين والجهلة والمغرر بهم وكذلك المتاجرين بالقضية الحسينية وادعياء الناطقية باسم الحسين عليه السلام ونهضته المتباكين كذباً على الحسين وهم يسرقون نهضته ويسلبوها ثوب الاصلاح ليلبسوها ثوب الجهل والخداع والرياء والعصبية محاطاً بأشرطة حمراء وهمية، ولكن هيهات فنهضة الحسين خالدة وسر خلودها إنها نهضة إصلاحية.
وهذه النهضة والشعائر المرتبطة هي محط صراع بني طرفين: طرف يريد أن يستغل هذه النهضة وشعائرها لمصالحه الخاصة فتراه يقدمها للناس بصورة تتلاءم مع الرغبات والتصورات الساذجة ويجردها من خصوصيتها الاصلاحية ليصبها في قالب الفلكلور الشعبي الذي…
فتكون النتيجة تصورات وهمية لا تحرك للإصلاح رغبة تذكر، فمن هذا الذي هذا يتحرك للإصلاح وهو يصب غضبه على رأسه وينفس عن همه بضرب القامات على هامته؟؟؟!!
وتكون النتيجة أيضاً تناقضات تجتمع في قالب غريب فالبكاء على الحسين المقتول الشهيد الذي تدمي ذكراه القلوب يختلط مع ايقاعات راقصة على انغام موسيقى غربية تتراقص لها الابدان لا شعورياً يقودها مجموعة البعض منهم على الاقل هم من اراذل الناس وابعدهم عن الدين والأخلاق في تجارة رائجة الخاسر الأول والاخير فيها هو مسار الاصلاح الذي قتل الحسين عليه السلام لأجله.
وتكون النتيجة ان يقود الأمة رواديدها لا علمائها وتصدح المنابر للدفاع عن هذا النكرة أو ذاك لحيازته الحصانة الدبلوماسية المدعاة “خدمة الحسين” وتخرس الالسن عند التجاوز على العلماء وهم حفظة الدين والمذهب.
وتكون النتيجة خطباء منبر-مع احترامنا لمن يلتزم منهج الحسين منهم- يكذبون على الناس ويقدمون لهم خطاباً تجهيلياً بدل خطاب التوعية والتنبيه والارشاد.
والطرف الآخر هو الطرف الباحث عن فرص الاصلاح والتوجيه الذي يشخص بدقة أمراض الأمة ومشاكلها ويوجهها التوجيه الصحيح بوعي وعقل دون سير أعمى، ورغم ثقتي التامة بانتصار هذا الطرف لامحالة إلا إنه على الأمة أن تعي مصالحها وتحدد أي طرف يستغلها وأي طرف يبحث عن صلاحها وبدون هذا المستوى من الوعي فإن المعركة بين الاستغلال والإصلاح ستكون معركة طويلة تتعدد صفحاتها وتتنوع صور المواجهة فيها.