18 ديسمبر، 2024 8:22 م

الشروكية الاقحاح من القعر الى سطح البحر

الشروكية الاقحاح من القعر الى سطح البحر

ألتقيت بصديقٍ لي تركته منذ أيام الطفولة عانقته بشده وقبلته من خديه بعد فراق طويل فراق الحبيب لحبيبه, فسألني عن حالي وأحوالي وأموري وأين تعمل الآن ؟ فأجبته أنني موظف في وزارة الخارجية , فكأنما الطير على أم رؤوسهم لم يحرك ساكن فُوجئ عندما أبلغته بمكان عملي .
فرد عليَ قائلاً بوجهاً ملؤه الحقد والبغض لم أعهده ولم أراه من قبل : (حسافا انتو الشروكية أصيرون بهيج مكانات ) كان القول بمثابة الصاعقة التي قسمت ظهري لنصفين فتألمت كثيراً وساقني هذا التألم لمواسم الأحزان والألم الموجع للدماء التي أريقت على أرض الوطن منهم,ففي كل محنة وشدة يتعرض لها البلد يشمر عن ساعده أبن الجنوب متفانياً بالفداء , وأخرها حربه الضروس التي خاضها ضد داعش المسخ الارهابية ,أنبرى إليهم في بغداد أولاد الملحة (الشروكية ) من مدينة الصدر (الثورة ) والشعلة والحرية وغيرها من المناطق , هم الذين حموا بغداد ودافعوا عنها بكل مكوناتها عندما زحف الارهاب ليغتصب عفتها ويريق ماء وجهها وينتهك الأعراض والحرمات ويعيث في الأرض فساداً وخراباً , فعادلوا الموازنة وأعادوا هيبة الدولة , الا تكفي كل هذه اللافتات السوداء المعلقة على واجهات البيوت بفقدانهم أحبتهم ؟ الا تكفي صور الشهداء وهي تزين الشوارع وأزقتها بهم ؟ الا تكفي الامهات الثكلى وهنَ نائحات على قبور أولادهم وصراخ أطفالهم يهيج طبقات الارض السفلى والسموات السبع من أصواتهم ؟ ألم يكفي هذا الجيش الجرار من الأرامل وهنَ ترملنَ في أوج زهرة شبابهن ؟ الا يكفي كل هذا الإيثار الذي بذلوه الشروكية؟ كل هذه الاحزان والمعاناة حفرت أخاديدها بداخل الجسد العراقي الجنوبي ولم يتمنن بذلك بأوجاعه, بل عبرعن فرحه وسعادته والدم يغطي وجهه كأنه الخيط الابيض من الأسود , ماذا يقدم بعد كل ما قدمه ؟ ماذا تريدون منه بعد كل هذه التضحيات الجسيمة ؟ يستكثر عليه البعض أن يكون وزيراً أو مسؤولاً أو سفيراً أو مديراً أو أي منصب مرموق يتسنمه ضمن الاستحقاق حاله حال أي أنسان في منظومة مؤسسات الدولة , أم أن قدره يبقى شرطياً أو نائب عريف أو نائب ضابط أو فلاحاً أو يبيع الحلوى والشعر بنات في الطرقات أو يكون (صاحب بسطية) وأن توفق أصبح معلماً , كل ذلك لأن عقدة الدونية والنظرة الضيقة لا تزال تتسيد العقول الخاوية العفنة النتنة بمنهجها وسلوكها , لي الفخر والشرف أن أكون شروكياً فأنا أبن أن حضارة سومر والسومريين الذين كونوا مجتمعاً متحضراً وليس بدوياً متنقلا فابدعوا في الرياضيات وعلوم الفلك وأسسوا أول نظام مصرفي تعرفه البشرية في وقت عُرفت فيه أور بمسماها الشهير “جنة عدن”.
ياصديقي : عندما كانت الناس تبحث عن التمدن ولا تعرفه ولا حتى سمعت عنه كنت أنا صانع ملاحم الحياة كأسطورة كلكامش وأنكيدوا تموز وعشتار , أنا أبن القراءة والكتابة والحضارة المدنية التي لاتزال شواهدها موجودة بالادلة الدامغة والبراهين الساطعة,أُعرفك بمعنى الشروكيين مفردها “شروكي” يستخدمها المتعصّبون والجهّال كوسيلة للانتقاص من سكنة جنوب ووسط العراق واهالي الفرات الاوسط , ذكرت المصادر التأريخية ان “شروگين” تعني (الرجل الصادق) وبعضها الاخر يؤكد انها تعني (الملك الاسد) بينما تتفق كل هذه المصادر على ان “شروگين” او “دور شروگين” كانت عاصمة لمملكة اشور في زمن الامبراطور سرجون الثاني, وفقا لتلك المصادر فان مؤسس السلالة الاكادية هو سرجون الاول او الكبير وذلك وفقا للكتاب المقدس والذي يعني اسمه بالاكادية “شروگين” الذي شملت امبراطوريته العظيمة عيلام الى البحر المتوسط وبلاد مابين النهرين وحتى الاناضول التركية، حيث استمر حكمه زهاء الخمسة عقود بدءا من 2334 حتى 2279 ق.م. الجدير بالذكر هنا ان عاصمة “الشروگيين” كانت تسمى “اكد” والتي كانت واقعة على الضفة اليسرى لنهر الفرات او “الهلال الخصيب”. ولسرجون هذا قصة غريبة بعض الشئ حكتها الاساطير السومرية تشبه قصة النبي موسى “ع”، سنتطرق اليها في مقال منفصل لدينا حول الاساطير البابلية والسومرية, ووفقا لهذه المصادر والاستنتاجات والدلالات التأريخية فأن مفردة “شروگيين” انما تطلق على سكنة المدينة “دور شروكين Dur- Sharrukin-” والتي هي الاخرى تسمّت تبعا لقائدها المغوار “شروكين” او سرجون الكبير, لذلك فهي كلمة تنم عن تأريخ ملئ بالحضارة والارث المتوارث الذي لازال قائما على ارض الرافدين ويزهو بشموخ على ربوع سومر ولا دلالة من قريب او بعيد تفيد بالانتقاص, لذا يبدو انه نعت عز وشموخ لمن يقال له “شروگي” ويتوجّب ان ينتصب فخرا ويقف بزهو القائد العظيم “شروكين” وصاحب الصرح الابدي الذي حكم الارض في يوم من الايام واوصل لنا حضارة بنيت على اسسها حضارات ,هل قرأت ياصديقي عن معنى كلمة (ﭽـا) سيدي العزيز: يستخدم اهل جنوب في العراق هذه الكلمة بكثرة، فيقولون: (ﭽـا شلون ؟ ) بمعنى كيف اذن، (ﭽـا شفت شلون؟ ) بمعنى هل رأيت كيف؟، و ( ﭽـا ليش ؟ ) بمعنى لماذا اذن؟ ، وتأتي كأداة ربط يصعب ترجمتها حرفيا مثل (ﭽـا شمدريني ) و (ﭽـا وينك) وهكذا , وهذه الكلمة مقتصرة على العراقيين الجنوبيين فقط وأصلها من ( كا ) او (قا) الآرامية وهي بنفس المعنى , وأما (ماكو) : كلمة سومرية ومنتشره بجميع أنحاء العراق العزيز وتعني لا يوجد او مفقود وهنا أيضا يعود الفضل للأهل الجنوب في الأبقاء علي هذه الكلمة ,هل عرفت ياصديقي لماذا يضعنَ بعض النساء من أمهات العمارة عمامة كبيرة على رؤوسهن ؟ ذلك لأن كبيرات القوم منذ أيام السومريين يضعنَ العمة على رؤوسهن فهن يرشدن القوم بالرأي الحكيم السديد ويأخذون منها المشورة في أغلب أمورهم ,هل سمعت عن ميسان ماذا تعني : تشير أغلب المصادر إلى أن (ميسان) دويلة نشأت في جنوبي أرض بابل تحت حماية دولة السلوقيين (311 ق. م ـ 247 ق. م) عندما ضعف شأنهم في الفترة الواقعة بين عامي (223 ق. م ـ 187 ق. م) ولقد استقلت ثم تدرجت في سلم القوة وأصبحت دويلة مهمة,حكمها ثلاثة وعشرون ملكا ما يقارب ثلاثة قرون ونصف وبالتحديد ما بين عامي 129 ق. م ـ 225 ميلادي, ولقد أدت دورا بارزا في الأحداث السياسية والاقتصادية في العراق خلال الفترة من منتصف القرن الثاني قبل الميلاد إلى الربع الأول من القرن الثالث للميلاد ,هل علمت أم لم تعلم أن أبنت عمي نلقبها بأسم(ﭽـيتاية) وهذا الأسم أصله سومري كان يطلق على كبيرات القوم ؟ ياصديقي قول الأما علي (ع) {أكرم النسب حسن الأدب } المشكلة تكمن في السلوك والأدب والاخلاق لحاملها وليس في الأسم والشكل واللون والعنوان, كان في أمريكا ينتقصون من الأسود ويمنعنونه من التعبير عن رأيه وحقه في كل شيء , وكان قتله باب من أبواب التسلية ومن ثم يرمى على القمامة , فضلاً عن ذلك لافتة كتب عليها يمنعون من الدخول للمطعم ,الآن الأسود صانع قرارعلى مستوى رئيس للولايات المتحدة , عليك مراجعة التأريخ وقراءته بتأني ستجد أن الرسول (ص واله) كرم وقرب سلمان المحمدي (الفارسي ) وقال بحقه 🙁 سلمان منا أهل البيت ) أي أنه على مسار خطهم ونهجهم .
صديقي عليك أن تحرر نفسك من عقدها وتسمو بها وكن أنساناً وبادلني نفس العناق والقبلات ,وتذكر أني لا زلت متهيئاً ومتحضراً ومدافعاً لأي طارىء فأستراحتي لاتعدو كونها أستراحة محارب حتى تنعم أنت وأهلك وأحبتك بالأمان .