من زمن هيباتيا ابنة ثيون 425 ق.م الى زمن (وزرين تاج) الملقبة بقرة العين 1852م، لم يمر الكثير من الانبياء والرسل، ولا الكثير من المصلحين ليعدل ميزان الارض بين الذكور والنساء، او ليعقد ثورة الفكر بكفاءة الانثى في عين السماء، ولم يكن لكتب الانبياء في الزمن الغابرِ حضورا” أيقظ الذات التي استعبدها الذكر، فذكورة الرجل طبعت ثقافة الارض، حتى الله في بعض الاديان يسمى ذكرا”.
استنكف بودا ان يولد من امرأة، وعقوبة الانسان في ديانة الاستنساخ ان يولد في الدورة التالية أمرأه. والإنجيل خاطبها بما يسقط عنها هيبة التقديس كام واخت. ولم يعدها الاسلام بسبعين احورا”، وانزرع في عقل كل متدين الى يوم الدين ان المرأة ستبقى ناقصة عقل ودين، فالرجل قوام عليها بفضل الله، وخروجها محرم عليها الاّ برفقة أحد حتى لو كان معاقا”. وفي حكمة الشرق ان تكون المرأة في عهدة ابيها وهي صغيرة وهو سيدها، وفي شبابها في عهدة زوجها فيكون سيدها وعندما يموت سيدها تصبح في عهدة ولدها وهو سيدها.
إن حقائق العدالة الإلهية تبقى بعض بنودها غامضه مثل غموض حكمة الاسود والابيض، ومثل غموض توقف الانبياء عن النزول منذ زمن طويل، وغموض ان يبقى البشر في ارض لا تشبع ابدا، ليقال انهم بذنوبهم منعوا بركة السماء. وتزداد الإسالة غموضا” فيما لا يُسال عنه عندما يخاطب الله البشر ان لا يتمنى أحد ما فضل الله به خلق على خلق، ويبلغ الانسان قمة الحيرة عندما يقرا (إِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا)، لا اعتراض على حكم الله ولكن تبقى الأسئلة أسئلة إن لم تقرنها الاجابات.
حصرت الآية (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم) النبوة والرسالة في الرجال فقط، لمقتضيات يراها البعض كافيه في ان الرسالة تقتضي مخاطبة البشر، ومقابلة الناس في ظروف قاسيه، والتنقل في وعورة الارض، ومواجهة الرافضين والمكذبين, وكذلل القتال وقيادة الجيوش, بالإضافة الا ان جميع الرسالات نزلت والانسان في مستوى من الحضارة لا تحكمه ملكات العقل والإنسانية, بل القوه الجسدية وقسوة الفتك بالأعداء, فكان الحصر مكملا” لمقتضيات العصر. ولكن هناك من يرى ان النساء ايضا” كُنّ انبياء كأبي حسن الاشعري والقرطبي وابن حزم، ويستندون الى آيات محكمات، عندما خاطب الله ام موسى , ومريم بنت عمران (إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا),وخاطب ام اسحاق {وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـذَا بَعْلِي شَيْخًا }, رفع الله المرأة الى قديسة بمكانة يوسف النبي. ولكن ان يرى العربي ان نبيه حامل او حائض أكثر وطأة في زمنه من ظهور نبي كذاب او رجل مجنون يقوده الى الهاوية، لأنه جُبِلَ على استنكار مالم يتعود.
يقول فرويد ان الرجل وحسده للنساء كان من أعظم الاسباب التي جعلته سيدا” في الفن والادب والفلسفة والتشريع والنبوات، لان الرجل في اللاشعور حسد المرآه على مكانتها المقدسة في إنجاب الاطفال وصناعة الحياة في رحمها بينما يقتصر دور الرجل على جزء بسيط فيه، فنشأة مشاعر الحسد والظلم وتجسدت في ثقافته الذكورية المطلقة في الكون ,
كانت جان دارك في الثانية عشر تلعب مع أترابها في مروج فرنسا الرائعة عندما تكرر النداء الذي لا يسمعه أحد سواها (أن تقدمي فكل شيء طوع أمرك)، وأصبح وسواسا” لا فكاك منه، وكل يوم يطلب منها النداء ان تتجهز لتحرير فرنسا وتعلم فنون القتال. لم يصدقها أحد واتهموها بالجنون , وفي أحد الايام من سنة 1429 اعترضت جان دارك طريق الضابط روبير ريكارد لتعلمه انها ستقود الجيوش لتحرير فرنسا من الانكليز، ضنها مجنونة في البداية ولكنه اقتنع اخيرا” بأنه امام أمرأ’ استثنائية بكل المقاييس. اقتنع ملك فرنسا المهزوم بقدرتها الغريبة في الاستحواذ على العقول ومنحها سلطة قيادة الجيوش، فكان اسلوبها الخطابي وسحر شخصيتها أيقظ رجولة الفرسان فهزمت الانكليز بوقت قياسي. ولكن الرجل كعادته في جميع العصور، لعب لعبته الدنيئة، فأحرقها الانكليز بعد ان تامر عليها ملكها الفرنسي فسلمها لهم ليتخلص من قوتها التي استحوذت على العقول.
اما قرة العين، وعلى لسان من عاصرها، لم يبلغ الوعي في عقل أمرأه كما اكتمل عند قرة العين، عُرِفت بفصاحة اللسان ورجاحة العقل وجمال لم يعهده العرب, عندما قدِمت الى كربلاء وهي تحاجج علماء العصر في القرن التاسع عشر أبهرت الجميع. لم يكن أحد يجرأ على مجادلتها والخوض معها في علوم الدين. وهي اول أمرأه تقوم بالتعليم الديني في كربلاء، وكانت تخطب الجمعة في بغداد، ففاقت الذكور في حجتها وبيانها. التف حولها الناس واحدثت فتنة كبرى عندما دعت الى دين البهائية الاول والذي في جملته يدافع عن حقوق المرأة بمقاييس فاقت ذلك العصر. تأمرت عليها السياسة والذكورة ليتم قتلها كالحلاج.
لن يعرف الرجل المرآه الا اذا احبها، ولن يحبها الا اذا خضعت له كبقية الاشياء، سيبقى الصراع بين نفوذها وذاته المتحضرة , فأن وقع, استعبدها وان علا رفعها كما ترفع رايات المجد, هي الاخت وقصة الفضيله, وهي المعنى الاوحد للجمال’ وكل ما كتب الشعراء عنها لا يصف الا بعض فنائها, فالله وضع جنته بأركانها تحت اقدامها وفتن بها الانبياء واسقط بها حضارات واهلك امم, وبها يُدخل الجنان, ومن لم يعبد المرأة بعد الله كفر