18 ديسمبر، 2024 8:17 م

الشرق الاوسط الجديد: احتواء موسع، أم ماذا؟

الشرق الاوسط الجديد: احتواء موسع، أم ماذا؟

ان السياسة الامريكية في المنطقة العربية وفي جوارها الاسلامي؛ نشطة في الوقت الحاضر؛ لتأسيس شرق اوسط جديد، في بيئة سياسية ملائمة. السؤال هنا: هل هذه السياسة هي بداية للاحتواء الموسع؟.. كما وصف هذه السياسة الامريكية، كاتب ومحلل سياسي عراقي مرموق، مؤخرا، ام ان هذه السياسة تتجه الى مسارات مختلفة تماما عن سياسة الاحتواء الموسع؟.. من وجهة النظر المتواضعة؛ ان هذه السياسة الامريكية؛ تختلف كليا عن سياسة الاحتواء الموسع؛ لأن امريكا لم تعد هي الفاعل الوحيد في المشهد السياسي والاقتصادي والتجاري والمالي والعسكري، بل ان هناك قوى دولية وازنة للسياسة الدولية، سواء في المنطقة العربية او في جوارها الاسلامي، تحظى بدعم  ومساندة واسعة النطاق من قوى اقليمية هي الاخرى فاعلة في المشهد السياسي والاقتصادي والتجاري والمالي والعسكري في المنطقة العربية وفي جوارها الاسلامي. ان السياسة الامريكية في المنطقة العربية تتمحور حول؛ اعادة صياغة الانظمة السياسيةوتوجهاتها في المنطقة العربية، بطريقة مناسبة، للبعض من هذه الانظمة؛ لجهة بقائها مع تغير جوهري في توجهاتها السياسية بما يتلاءم مع فكرة التأسيس لشرق اوسط جديد، اضافة الى المحافظة على الوحدة الجغرافية السياسية لهذه الدول. وبطريقة أخرى للبعض الاخر منها، مختلفة كليا عن الأولى؛ بما يتلاقى في الاهداف النهائية لإقامة شرق اوسط جديد مفترض. لنأخذ مثالين هما سوريا والسعودية:

سوريا:

اولا: ان العمل الامريكي في اطار ما سمي بسياسة الاحتواء الموسع، التي اشرت لها في الذي سبق من هذه السطور المتواضعة؛ على اقامة سوريا الصغرى، اي تقسيم سوريا الى دويلات. ان هذه السياسية لا يمكن لأمريكا العمل عليها حتى ان هي أرادت لها ان تكون واقعا على الارض؛ لأنها هنا تدرك هي قبل غيرها؛ ان هذه السياسة ان هي عملت عليها؛ فأنها هنا سوف تفقد تركيا وهي اللاعب المهم جدا في المنطقة العربية وحتى في خارج المنطقة العربية في جوار روسيا وفي البحر الاسود، اضافة الى انها عضو في حلف الناتو. خسارة امريكا لتركيا تفقدها الكثير من اوراق الضغط وفعل ومفاعيل السياسة الكونية. عليه فان امريكا من الصعوبة بمكان ان تقوم بما يؤدي حكما الى التصادم مع تركيا التي تفرض في اعماق تفكيرها السياسي وخططها في سوريا؛ تجزئة سوريا. ان هذه التجزئة تؤدي بالنتيجة الى اشعال فتيل التمرد الكردي في داخل تركيا والذي هو مشتعل اصلا.

ثانيا: ان روسيا لن تسمح بهذه السياسية الامريكية ان تكون واقعا على الارض لناحية التنفيذ الفعلي لها. فأنها اي روسيا سوف تتصدى بقوة لهذه السياسية الامريكية. لماذا تتصدى روسيا بقوة لهذه السياسة الامريكية؟ لأنها سوف تفقد روح وواجبات ومهام الاتفاق الروسي السوري الذي سمح للأولى؛ بإقامة قواعد ثابتة لها بحرية وبرية على الارض السورية، والساحل السوري؛ لناحية فوائد سوريا من هذا الاتفاق. هذا من جانب اما من الجانب الثاني؛ فأن روسيا سوف تخسر الكثير من استراتيجية التمدد وتوسيع الشركات على سواحل المياه الدافئة.. من تداعيات هذا الاتفاق لصالحها. ان هذا لا يعني باي حال من الاحوال؛ ان لا تكون هناك مساومات في نهاية المشوار هذا؛ بين جميع الدول العظمى والدول الاقليمية الكبرى الفاعلة في المشهد السوري، إنما ليس تقسيم سوريا الى دويلات..

ثالثا: ان سوريا معرضة في الوقت الحاضر والى ما سوف ينتج من هذا الحاضر؛ الى اعادة صياغة نظامها السياسي، حتى ولو ظل النظام السوري الحالي على رأس السلطة في دمشق؛ من خلال سن دستور جديد لسوريا الجديدة المفترضة. ان جميع الدول المؤثرة في سوريا وهي روسيا وايران وتركيا، اضافة، مؤخرا، الى الدول العربية الاخرى سواء دول الخليج العربي او بقية دول المنطقة العربية، او الجامعة العربية؛ تدفع باتجاه سن او تشريع دستور جديد لسوريا؛ لأنه هو الطريق الوحيد لإعادة السلام والامن والاستقرار لسوريا، ولا طريق غيره.

رابعا: في تشريع دستور جديد، وعلى ضوء المتغيرات البنيوية التي ترسخت وتعمقت في سوريا في سنوات الحرب الاهلية؛ سوف يتضمن حكما وضرورة واقعية وموضوعية؛ حكما ذاتيا لكردستان سوريا. هنا تبدأ اللعبة الامريكية في اعادة صياغة الجغرافية السورية؛ في العمل عبر المساومات والمناورات بين امريكا وروسيا؛ على اقامة كونفدرالية كردستانية في سوريا. ان هذا اذا ما نجحت امريكا فيه؛ سوف يؤديبالنتيجة الى سوريا ضعيفة جدا، اي تكون دولة مستقلة واقعيا في اطار الدولة السوريا، كما هو حاصل منذ سنوات في العراق.. من الطبيعي ان يقاوم النظام السوري هذا المسار في الحل. لكن اذا ما تم كتابة دستور جديد لسوريا والذي حكما سوف يتضن؛ صيغة للحكم الذاتي لكردستان سوريا، صيغة ربما كبيرة جدا، قابلة للتفسير والتفسير المضاد؛ سوف تكون عندها مقاومة النظام السوري لهذا الاتجاه في الحل ضعيفة؛ خصوصا اذا ما انتجت المساومات والمناورات بين جميع اللاعبين في سوريا سواء الدوليين او الاقليميين؛ اتفاقات ما وهي غير بعيدة عن مخرجات التحولات الكبرى الدولية والاقليمية في آن واحد..

خامسا: ان هذه السياسة لا تنحصر في سوريا فقط، بل انها سياسة تشمل جميع الدول العربية التي طالتها التغييرات الحالية، من حروب اهلية، الى احتلال، الى اسقاط انظمة والمجيء بأنظمة بديلة. أما الغاية منها؛ هو انتاج دول عربية ضعيفة في السيادة والقرار السياسي والاقتصادي، وما إليهما. وليس تقسيم هذه الدول التي طالتها تلك التغييرات الى دول عدة.. وهو لخدمة دولة الاحتلال الاسرائيلي؛ امنا ووجودا؛ وفاعلية وتأثيرا منتجا ومفيدا جدا لدولة الاحتلال الاسرائيلي في شرق اوسط جديد ومفترض. الحديث هنا عن مخارج المستقبل المفترض، وليس كمسلمة لابد منها. لماذا؟.. لأن هذا المشروع الامريكي سوف يتم مقاومته، من الشعوب العربية سواء حاليا او في الامد المنظور حين يتم العمل عليه بإجراءات واقعية؛ تنتج مفاعيلها على ارض الواقع، ولو بعد حين حتى وان طال الانتظار لهذا الحين حتى يحين حينه..

المملكة العربية السعودية

هنا اعيد مقالي الذي تم نشره في موقع كتابات، قبل ايام.. وكالة “بلومبرغ” الأميركية، اشارت، في مقالٍ لها، نشرته، في 11 من اغسطس الجاري؛ الى ان الضغط والجهود التي يمارسها المسؤولون الامريكيون على الرياض؛ تهدف الى دفع الرياض، عن طريق تقديم المغريات لها، بالاستجابة لطلباتها؛ من أجل “إنجاز صفقة إسرائيلية – سعودية”، (التطبيع بين اسرائيل والسعودية) هي بهدف تقييد اقتراب السعودية من الصين. الوكالة اوضحت بما مفاده؛ ان واشنطن سوف تقوم بتقديم تنازلات عديدة؛ لتمهيد الطريق لتعاون الرياض مع واشنطن، من اجل التوصل الى اتفاقية امنية قوية. الوكالة بينت في ذات المقال؛ الى ان واشنطن يتعين عليها دفع التكلفة؛ لمنع سقوط السعودية في مدار الصين. وايضا؛ ان لا تكون هناك للصين فرصة في اقامة قواعد لها في المملكة العربية السعودية. ان هذا ليس صحيحا، لأن اسرائيل، لها علاقات قوية جدا، في جميع الحقول مع الصين، ولم تسبب هذه العلاقة القلق الامريكي منها، بل انها ما كان لها ان تكون لولا ان هناك غض نظر من الامريكيين. لأنهم يدركون ان علاقة اسرائيل مع الصين لم تكون ولن تكون على حساب العلاقة بين اسرائيل وامريكا؛ لأنها علاقة مصير وحماية ودعم من جانب امريكا لجهة اسرائيل. كما ان علاقة اسرائيل مع روسيا، هي في ذات او في نفس علاقة اسرائيل مع الصين. ان المسؤولين الامريكيين يتفهمون تماما هذا التوجه الاسرائيلي واهدافه الاستباقية للتطورات المقبلة في الذي يخص حلحلة القضية الفلسطينية؟.. وموقف الدولتين في هذه الخانة المستقبلية، بما تحمل من مقايضات ومساومات بين الدول الكبرى واسرائيل ودول المنطقة العربية في وضع الحلول للصراع العربي الاسرائيلي. كما ان الصين ليس في وارد سياستها على الاقل في الامد المنظور وربما ابعد من هذا الامد؛ اقامة قواعد او غيرها في المنطقة العربية ومنطقة الخليج العربي تحديدا؛ لأنه هذا التوجه او هذه السياسة تؤثر على متانة علاقتها مع ايران. سياسة الصين المعلنة بوضوح؛ من انها تقف على مسافة واحدة من جميع دول المنطقة، كما انها تريد ان تكون وهي كذلك؛ طرفا في الحوار البناء وتسوية الصراعات والخلافات بين دول المنطقة العربية وجوارها الاسلامي، وليس طرفا في الصراعات في المنطقة العربية وجوارها الاسلامي. ان هذه السياسة الصينية؛ تتوافق تماما مع إدارة الصين لعلاقاتها وشركاتها مع جميع الدول في المعمورة وليس في المنطقة العربية وجوارها. ان  هذه السياسة الصينية الاقتصادية والاستثمارية، وكما تعلن عنها الصين بوضوح تام؛ من انها تسعى الى شراكات، قائمة على قاعدة المنفعة المشتركة والمتبادلة. ان السعودية بقيادة اميرها الشاب، لن تتخلى عن علاقتها مع الصين مهما كانت الاغراءات الامريكية؛ لأزاحتها من مساحات التعاون مع الصين؛ في توطين التكنولوجيا المتقدمة وشراء الاسلحة ولو ان هذه الامر هو في مراحله الاولية، إنما الطريق الى توسعته وتعميقه وتطوره؛ مفتوح مستقبلا. الصين لا تفرض أي شروط مهما كانت على أي دولة شريكة او تتشارك معها في مشاريع الاستثمار المتبادل. إما امريكا فأنها تفرض شروطا، احيانا تكون شروطا قاسية وغير قابلة للتنفيذ؛ (في الذي يخص حقوق الانسان، والديمقراطية؟!..)، والتدخل في الشؤون الداخلية للدول، وموقف الدول التي تربطها شراكة مع امريكا، من اسرائيل.. امريكا لم تعترض على علاقة المملكة مع الصين، وهي علاقة او بداية شراكة؛ بدأت منذ سنوات وليست هي أي هذه العلاقة بنت هذه الايام، كما هو حال علاقة اسرائيل مع الصين مع ان الفارق كبير بين علاقة السعودية مع الصين وعلاقة اسرائيل مع الصين؛ فعلاقة الاخيرة اكثر سعة وعمقا وتطورا، وبالذات في حقل التكنولوجيا المتقدمة، والسلاح والموانيء. ان سعي إدارة بايدن المحمومة، في التطبيع بين السعودية واسرائيل؛ ليس لأبعاد السعودية عن الصين، إنما، خلق بيئة اقتصادية وسياسية جديدة في الشرق الاوسط؛ تكون دولة الاحتلال الاسرائيلي؛ دولة طبيعية معترفا بوجودها من جوارها العربي ومن الجوار الاسلامي للمنطقة العربية؛ لتكون مستقبلا شريكا مهما وفاعلا في الشرق الاوسط الجديد. ان هذا الشرق الاوسط الجديد، المفترض؛ سوف يخدم المصالح الامريكية والاسرائيلية على الامد البعيد؛ وينتج عنه شراكات على اسس وقواعد جديدة؛ ربما تشترك فيها؛ الدول العظمى والكبرى المنافسة للغرب وامريكا واسرائيل، في مساومات ومقايضات، وتوافقات؛ على تقاسم مساحات النفوذ والشراكات، ولو بالإحياء المتبادل وليس الاتفاق المكتوب على الورق. ان هذه السياسة لو صارت واقعا على الارض؛ فأنها سوف تكون على حساب الشعب الفلسطيني وحقه الشرعي في دولة فلسطينية ذات سيادة. من وجهة النظر الشخصية؛ أن هذه السياسة الامريكية والغربية والاسرائيلية؛ بحكم الضرورة وحق الشعوب في الحياة والتطور والإرادة السياسية والاقتصادية؛ في اوطان حرة، ليس في اجسادها جروح تمس مسا عميقا سيادتها. عليه، فأن مساحات الشراكات والاستثمارات، بين دول المنطقة العربية وجوارها الاسلامي وبين الصين بدرجة كبيرة وروسا بدرجة اقل كثيرا عن الصين؛ سوف تتسع على حساب مساحات الشراكات والاستثمارات، الامريكية والغربية؛ للأسباب التي اوردتها في الذي سبق من هذه السطور. وبالعودة الى السعي الامريكي؛ لأبرام صفقة التطبيع بين اسرائيل والسعودية؛ فأن الأخيرة، من المستبعد جدا، ان لم اقل، ربما من المستحيل ان تُبرَم هذه الصفقة، قبل الانتخابات الامريكية، للسبب المعروف..