لستُ ناقداً ، ألا أني اسجّل أحياناً انطباعات عما أقرأ ودونكم مُدونتي هذه :
كلما حظيتُ بكتاب مترجم الى العربية يتورّمُ سروري ، فقبل اسبوعين تحققت بغيتي واستعرتُ من المكتبة كتابين للكاتب الأفغاني خاالد حسيني: ألفُ شمس ساطعة ، وعداء الطائرة الورقية . المقيم في الولايات المتحدة . وقد قيل فيهما الكثير من قبل النقاد والصحافة الأدبية ما لم يُقل في أيّ كتاب . طبع من الكتاب الأول 38 مليون نسخة ، ومن كتابه الثاني 22مليون نسخة . لستُ مضطراً الى تكذيب خبر هذا الكم الاستثنائي . لكن ترجمتهما الى العربية من الانجليزية في غاية الاتقان ” ترجمة ايهاب عبد الحميد ” وطبع مؤسسة قطرللنشر . وقبل أن استغرق في القراءة قفز الى واعيتي الكاتب العربي غير الخليجي ، ولا سيّما كتاب العراق الذين ينتظرون دهراً كي يُطبع من كتبهم خمسمئة نسخة . كما أن ملاحقة النقد لرواياتهم ومجاميعهم الشعرية والقصصية يكاد ينعدمُ ما عدا استثناءات ضئيلة من لدن الأصدقاء ، الناقد العربي يلهثُ وراء النجوم والحيتان الكبيرة ، وأهل الخليج تشفع لهم دعواتهم السخية للنقاد وعطاياهم المادية اللامرئية . لكن كم من كاتب عراقي ما زال ينتظر دوره لدن مؤسسات النشر الحكومية لطبع اعمالهم التي تخضع للصداقات والعلاقات الشخصية . وقد حظي احد الكتاب من الدرجة الخامسة بما لم يحظ به الكولومبي ماركيز من نقد وتضخيم منافقين .
لكن لم هذا التكالب على تمجيد كتابي الأفغاني خالد حسيني ؟ . في الغرب يتلقى أيّ كتاب شهرة غير عادية اذا كان مستغرقاً في نبش وشتم التقاليد الشرقية . فان أردت ان تشتهر ويطبع من كتابك آلاف النسخ فاشتم بلدك، خضْ في تعرية المستور والمبطن والسرّي فيه. نعم افغانستان بلد ما زال يعيش في زمن الحجر والجاهلية الاولى ، وحين أطل حكم الشهيد نجيب الله ظهر الوجهُ الآلّاق والتقدمي والديمقراطي للزمن الأفغاني . نعم حدث التغيير بمساعدة السوفيت . وهم لم يجيئوا الى افغانستان مصادفة ، بل عن سبق اصرار دفاعاً عن حدود دولة السوفيت وايقاف التطرف السلفي من التوغل في بلدان شرق الاتحاد السوفيتي المسلمة والذي ما زال قائماً وبدأ يُهدد الدول التي اخترعته وأهرقت المليارات لتسويقه .فرواية الحسيني مليئة بالأغاليط والحقد على الشيوعية واتهامها بالكفر والالحاد . ولعل الكاتب يعرف كم صرف الغرب من أموال وعمليات استخبارية لمحاربة الشيوعية حتى تم اسقاطها في مبتدأ تسعينيات القرن الماضي . ولم يكتف الكاتب باسقاط التهم والشتائم على المرحلة السوفيتية بل طالت شتيمته الأفغان وتقاليدهم المشرقية . وهكذا الحال في أيّ بلد يتحكم فيه الحكم السلفي . فما ذكره عن الآنهيار الأخلاقي والعرفي والاجتماعي في افغانستان له اضعاف مضاعفة في دولنا الخليجية والعربية وايران وتُطبخُ تحت ذريعة الدين . ثم كيف نفسّرُ تلك الدعوات الماجنة التي يُطلقها رجالُ الدين عن اشكال الزواج التي ما انزل اللهُ به من سلطان والتحريض على قتل الأبرياء في سوريا والعراق ومصر. فمن يغُرْ في كشف المستور عندنا ويرفع عنه الغطاء يجدْ اضعاف ما هو موجود في افغانستان . نعم شتم الحسيني شعبه بينما عشرات الأضعاف من تلكم العادات تعيش وتعشش في ممالك الغرب . فلمَ لم يؤشر اليها ؟ واذا طبع من كتابيه هذا الكم غير الطبيعي ، ولو بولغ في الرقم ، فمن أين يؤتي بالملايين من القراء في زمن الانشغال والاشتغال باجهزة الكومبيتر التي تمنحك ما يتعذر على الكتاب منحه اياك . ملخصُ الكلام : اشتم بلدك ، واهلك ومجّد الغرب باسم الديمقراطية وتنوّع الأفكار . واغمض ضميرك عن سيئاته في موجات الجريمة العشوائية والمنظمة وتفشي تعاطي المخدرات وهتك الأعراض تكن كاتباً عظيماً . لكن ، ونحن نتحدّث عن سلبيات الروايتين ، ينبغي أن لا ننسي قدرة الكاتب الأسلوبية التي ترقى احياناً الى مرتبة الذهول والاعجاز: دقة الوصف ، انتقاء اللفظة ذات الايحاء العميق، واللغة الباذخة والهيمنة على ادق تفصيلات العادات والتقاليد الافغانية . واستقدام الكثير من المأئورات الفلكلورية والأمثال التي توارت واضمحلت . وأظن أن المترجم لا يقل موهبة عن الكاتب في ملاحقة مفرداته الغامضة والعصية . اعترف أني غير مستطيع ملاحقة المشاهد والصور التي تزخر بها الروايتان . كما ان ملاحظاتي عن مضامينهما الرجعية والعدوانية على الشيوعية والنظام السوفيتي وعلى تقاليد افغانستان لا تقلل من قيمتهما الابداعية . واذا كان الطالبان يمثلون الوجه السلفي القاتم والمتخلف في افغانستان الآن وغداً . فلدينا في اوطاننا العربة اضعاف ما لدى الطالبان . ودونكم ما يحدث في اوطاننا العربية من قتل وابادة وتدمير وتهجير من اقصى المغرب حتى افغانستان ويُبذلُ فيها المالُ العربي من أقوات مواطنيه. هي ذات الأفكار والممارسات والجماعات التكفيرية التي سوّقتها بعضُ دول الخليج وبمباركة الغرب الأوروبي والأمريكي . لكن هل سيبقى المحرّضون وصانعو هذا الخراب الحضاري والانساني بمنأى عن الضرر والخسارة . فمَنْ يزرعْ شرّاً يحصد أمثاله. انتظروا بضع سنين وسترون ، وسيكون صانعو الموت ذكرى بائسة ملطخة بالعار .
اذكرُ اني كتبتُ عن الربيع العربي فور انطلاقته ، قلتُ فيه : انّه بداية الخراب ، وكسر شوكة العرب الذين يملكون ثروات طائلة ، ولا بدّ من تجييش ما يُفتتُ عرى تضامنهم وارجاعهم الى القرون البعيدة التي تركوها وراء ظهورهم . تُرى أين تُبدّد ترواتُ مواطنينا الذين مازالوا يعيشون تحت متواليات الفقر والامية ؟ والمشهدُ واضح جلي لا يحتاج الى قراءات مُلغزة ..