18 ديسمبر، 2024 7:03 م

الشرعية وحكم الدولة …كيف دمرها اللامؤمنون بها ؟

الشرعية وحكم الدولة …كيف دمرها اللامؤمنون بها ؟

الشرعية هي الالتزام والتقيد بأحكام القانون،وهي اساس السلطة التي تحكم مجتمع معين وتمارس فيها الحقوق. اما المشروعية وان تشابهت مع الشرعية لكنها تمثل العلاقة القانونية التي تختص بالحق القانوني وقراره الملزم وكل التعليمات القانونية الصادرة من الاعلى الى الادنى.

كلمة مشروعية مشتقة من الفعل شرع َ يُشرع ، يقال شرع فلان بالآمر،أي اذا سار فيه وسلكه..وقيل الشريعة والشراع ما سُن الله تعالى من الدين وأمر به كقوله تعالى(ثم جعلناك على شريعة من الامر فأتبعها ولا تتبع أهواء الذين لايعلمون،الجاثية18 ) .وقوله تعالى(لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا،المائدة 48).،هنا تكون الشريعة هي قانون الدين والمنهاج هو الطريق او الاسلوب الذي به تنفذ اوتطبق الشريعة على المجتمع.)لسان العرب،كلمة شرع).

والشريعة هي النظام او المنهج الواضح الذي يرسُم أو يُسن للناس في شؤونهم. وبهذا المعنى يفهم قول الشافعي) الا سياسة الا ما وافق الشرع(.أي المنهج والنظام الذي أختارته الجماعة وأتفقت عليه وأرتضته لنفسها ميراثاً أو أكتساباً لصالحها وخدمة شؤونها لينتفع منه عامة الناس .من هنا يتبين لنا ان السياسة الاسلامية هي ما تقره الشريعة،وأنها منها بمنزلة الجزء من الكل. وهي في الاسلام المبدا الاعلى والمنطق الاسمى الذي يتوج النظام الاسلامي،وهو التضامن الحقيقي بين الناس في تنفيذ ماأمر الله به دون اعتراض..والشريعة الاسلامية هي الشريعة الوحيدة بين الشرائع السماوية والارضية التي اهمل المسلمون تطبيقها بين الناس بعدالة القانون.. حين طبقوا العدالة الأنفرادية وأبعدوها عن عامة الناس كما مطبق اليوم في العراق والدول المشابهة له.

وكلمة الشريعة والمشروعية ليست جديدة ،فقد ولدت في الحضارة العراقية القديمة مثل شريعة أصلاحات آوركاجينا، وشريعة آور نمو السومرية ،وشريعة حمورابي البابلية المتمثلة، بمجموعة قوانين حمورابي الملزمة التنفيذ في وقتها والتي هي اكثر عدالة مما يطبق اليوم في ظل عدالة الاسلاميين الذين انحرفوا عن الشريعة الاسلامية واستبدلوها بشريعة السلطة الميتة المبتكرة ظلما على المسلمين .،والمعروف ان حمورابي قد وضع في شريعته ما مجموعه 282 مادة قانونية في مختلف النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية وحتى الثقافية. وتعتبر الشرائع العراقية القديمة من اقدم الشرائع العالمية..وأفضلها وغالبية ما جاء به الاسلام قوانين شرعية مُستل منها..

لكن الكلمة لم تظهر بمعناها الواسع الا في العصر الحديث بعد الثورةالفرنسية عام 1789 والنهضة الاوربية وحركات الفصل الديني عن السياسة حيث أصبحت ذات معنى عريض،ومكانة عظيمة، فهي تدل على سيادة القانون وحقوق المواطنين في الحرية والاخاء والمساواة في الدولة،وربما كانت جزء من مصطلح الايديولوجيا. اي المبدأ والعقيدة والفلسفة التي يقوم عليها النظام المعاصر في بلد معين،ولربما أستعملت الشرعية بمعنى مطابقتها الفعل اوالعقد اوالقرار لنظام قانوني صحيح،فيكون شرعياً بهذا..وليست شرعية المتدينيين الذين حصروا الحقوق بهم دون الأخرين والذين تجاهلوا ان العلاقة بين القديم والجديد هي علاقة جدلية يتبادل الاثنان فيها التاثر والتاثير وصولا الى حالة من الاستقرار يلتقي عندها الاثنان في تركيب لا يشبه اياً منهما .

ولا يستطيع اي باحث او كاتب ان يتعرض لمعطيات شرعية دولة من الدول في النظام او القوانين ،في الحياة الاجتماعية او السياسية او الثقافية لبلد معين،سواءًًكان هذا في الماضي او الحاضر ،مالم يدرس او يبحث ويسلط الضوء على المنهج او الشريعة لانها طبيعة الفلسفة والقوانين التي كانت تحكم ذلك النظام،او هذه الدولة،في هذه الحقبة او تلك،لاننا لا نستطيع ان نتفهم كيان أسمه نظام أو دولة مالم نتلمس معنى دقأئق تلك الفلسفة أو المعتقدات التي أرتضتها الجماعة لتكون لها قانوناً.
ان الحكم في الاسلام اساسه التراضي او التوافق وفق مبدا الحق والعدل وليس مبدأ التفرد والأستغلال كما يعمل به اليوم،لأن الشرعية علاقتها واضحة بمبدأ الشورى والرضى عن المُولى يأتي عن طريق توليته وحقه الشرعي،ثم يكون المُولى أهلا للحكم وليس غاصباً له “كما يقول نوري المالكي : “أخذناها وبعد ما ننطيها”،وهو يمثل حزبا أساسيا تعامل بخيانة الوطن مع التغيير.لان الخلافة او الرئاسة في المفهوم الاسلامي تمثل السلطة التي تقوم نيابة عن الرسول(ص)بالنظر في مصالح المسلمين حيث يعتبر الخليفة او الرئيس الحاكم الاعلى للدولة ويجب طاعته بشرط ان لا يخالف الوصايا العشر التي وردت في الفرقان شرطا مكتوبا عليه.

ويبقى الشرط مقرونا بشروط الكفاءة التي يجب ان يتمتع بها الحاكم وبأخلاقية التطبيق، منها العدالة والعلم وسلامة الحواس وسلامة الاعضاءوالشجاعة في قول الحق وحقوق الرعية والرأي المفضي الى تدبير المصالح للامة او الشعب.يقول الحق :”ألم*الله لا آله الا هو الحي القيوم* نزل عليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه وأنزل التوراة والانجيل من قبل هدىً للناس.. وأنزل الفرقانآل عمران 1-3”.أي ان القرآن قد صادق على ما ورد في الكتابين السابقين،لأن الوحي لا يتجزأفي جوهرة الذي يأتي في أتفاق مع كل عصر..من هنا فالشرعية الدينية واحدة لا تختلف يجب ان تطبق على الجميع لا كما فهمها فقهاء الدين الذين حول الاسلام الى مذاهب دين والدين الى أديان ومن يتبعهم بالانفرادية بهم دون الاخرين.

اما التراضي والتوافق فقد حددت الشريعة المتكاملة له شروط اقسى وأمر منها :ان لايقدم المفضول على الافضل لاي سبب كان.وان يختار صاحب المنصب المتوافق عليه ممن تنطبق عليه شروط التولية وان يكون أمينا يتمتع بالسمعة والسلوك الحسن دون ان يحق لاحد مجاراته لاي سيبب كان.،كما في رفض الامام علي(ع) تولية اخاه عقيل لعدم توفر شروط الطلب فيه.فأين نحن من تطبيق الشرعية الملزمة بالقرآن اليوم؟..في دولة فقدت الشرعية هي ومن تسير في ركبها والتي ساهمت بتدمير اربع دول اسلامية وترغب في المزيد املا بتكوين امبراطوريتها الجديدة المبنية على الوهم وعلى ما قال احد مسئوليها اليوم ..من اجل تطبيق مبادىء ولاية الفقيه والمهدي المنتظر التي ليس لهما من أصل في الدين.

لكن النقطة التي يجب التنويه اليها هو ان الشيعة العلوية لا يلتزمون بهذا المبدأ العام في تطبيق الشرعية السياسية،بل بمبدأ شرعية التفضيل لاهل البيت دون سواهم وأهل البيت ابرياء منهم ومما به يعتقدون. حين جوزوا ان لا احد يسمى امير المؤمنين الا علي بن ابي طالب، ولا يجوز لغير الأئمة من نسل الامام علي وزوجه فاطمة الزهراءان يتلقبوا بهذ اللقب. لان كل أمام يوصي للذي يليه في الامانة،حتى يصبح المرشح الشرعي للوظيفة المقدسة( السيوطي،اللآلىء المصنوعةج 1 ص 184-185).وماذا بعد انتهاء الأئمة الأثنا عشر ..ابتكروا قضية المهدي المنتظر لتبقى صلة امامة الحكم فيهم الى يوم الساعة..علما ان الامام الحسن العسكري(ع) مات دون عقب.ويقول كولد سيهر المستشرق الالماني في كتابه العقيدة والشريعة ان سورة الشمس بأدعاء الشيعة الامامية جاءت في القرآن بحق محمد وعلي والحسن والحسين( عقيدة الشيعة ص175).من هذا المنطلق فقد عد الشيعة الامامية كل من يخرج على هذه المفاهيم خارجاً على المصادر الشرعية والارشاد الديني وقيادة الجماعة الاسلامية. وهذا يعني من وجهة نظرهم هم اولياء الناس دون غيرهم.فأي شرعية هذه التي بها يعتقدون. .
من هذا التوجه الخاطىء هم يعتقدون ان وجود الامام لكل عصر آمر ضروري برأيهم لا يمكن الاستغناء عنه لتنفيذ الشريعة واحقاق الحق وقواعده وأرساء العدل والمساواة التي جاء بها الاسلام وياليتهم يطبقون مبادىء الاخيار. وعلى هذا الاساس فالامامة واجبة وتنتقل بوراثة لا تنقطع للحائزين على هذه الصفات،.بينما يرى الشيعة العلوية تغليب المصلحة الدينية ولا ندري اي دين يعبدون؟،لانهم كانوا لا يرون الحكومة الا ان تكون حكومة مقدسة .ويا ليتهم كانوا اوفياء لاهل البيت لا ان مسخوا تاريخهم الى الابد .. ان من يدعون بهذه القيم الشرعية أولى بهم ان يكونوا هم المطبقون لها وليس الخارجون عليها في كل آدوار التاريخ الاسلامي..كما في الدولة المهدية في المغرب والفاطمية في مصر والبويهية في العراق..

كم هو جميل لو ان الذين يدعون بهذ المثل العليا التي جاءت بها مدرسة أهل البيت العظام ان يتمسكوا بها وينقلونها الى واقع التطبيق على الارض لكانوا اليوم هم الأعلون.نعم وبكل حيادية وصدق وصراحة اقول ان السيرة العطرة التي رافقت اهل البيت ابتداءً بالامام علي ومرورا بالامام الكاظم وجعفر الصادق وانتهاءً بالحسن العسكري الذي مات دون عقب.. قد ألتزمت بهذا الاتجاه الديني والسياسي بالكامل دون نقص.

ان مسألة الشريعة والتشريع مسألة في غاية الدقة والاهمية بعد ان رأينا ان التجربة الكبرى التي بدا بها صاحب الدعوة قد توقفت بعد وفاته حين اشتد الخلاف على الرئاسة بين المهاجرين والانصار وكأن الامة التي كونها محمد(ص) قد انتهى وجودها ولم يبق منها الا المهاجرين والانصارحين نادوا منا امير ومنكم أمير ،وكأن الدولة اصبحت شركة قابلة للقسمة بينهم

. ولقد خاض الفقهاء الذين لم يستوعبوا فلسفة الرسالة الدينية اثناء الخلافة الراشدة مساجلات ومناقشات ادى الى تشريد وقتل الكثير منهم،فكان الصحابي ابو ذر الغفاري منهم،فكانت اول ثورة على الواقع المزري في خلافة عثمان (رض)حين بدأت اعوان الخلافة بتفريق اموال بيت المال على الاقربين والمحاسيب دون حسيب او رقيب من وراء ظهر الخلافة..كما نشاهده اليوم في دولة الشيعة العراقيين الذين خانوا الوطن مع الاجنبي الذي يسمونه بالكافر ونهبوا اموال الناس وزوروا كل حق الى باطل بعد ان سكتت مرجعياتهم الدينية المقدسة عن الأعتراض لا بل شاركت في الجريمة وقبضت الثمن . لذا كان هذا مبدأ خطير جر على الدولة الويلات..

وسط هذا الزحام من النصوص يقف المؤرخ حائرا في شرعية الدولة ، فيختلط الحابل بالنابل وسط منهج دراسي لم يراعي اصولية المنهج ولا مسئولية العقيدة ولا حقوق الناس.واليوم كل يدعي انها له دون الاخرين وها ترى الفرق تتقاتل والناس تجري من ورائها دون هدى ولا صراط مستقيم حتى حولوا الدولة الى فوضى المنتفعين .من يعتقد ان الامة ستخرج من النفق المظلم فهو واهم فهل من مشروع اسلامي جديد او ميلاد مجتمع جديد واكتشاف القانون الذي يحكم الظاهرة الحالية لكي يفرض نفسه على مجتمع مزقته المصالح والانانيات ،وأورثت فيه من العادات والتقاليد التي ما جاء بها الاسلام ابدا ولا شرعها في شريعته هذا مستحيل ..لا حل اليوم الا بالعلمانية وتنحية النص الديني في سياسة دولة المواطنين .

لقد اصبح من الصعب جدا ازاحة الخطأ الذي لم يتعلموا منه عبر العصور من رؤوس الناس بعد ان اعتقدوا بصحته عبر الزمن الطويل، ان الفكر المضاد الذي يريد ان يعالج الواقع الموضوعي عليه ان يعالج الكل الاجتماعي بظروفه وقوانينه التي تركزت في الاذهان .وهنا لابد من ان يسلك الطريق الصعب طريق الاستقراء والاحصاء والاستقصاء والتمحيص والتصنيف والتمييز بين الطبيعة الاصلية وبين الظواهر العارضة،أنظر ابراهيم الغويل ،المشروع الاسلامي ص193).

هنا يقف الكل امام حيرة التطبيق ومن اين نبدأ ؟ وكيف؟ ومن يستجيب؟ ويبقى السؤال المطروح،هل ان الاسلام يستطيع معالجة مشكلات العصر الحديث اليوم وسط هذا الضجيج العالمي الكبير ؟ وهل لديه ايديولوجية ترقى الى هذا المستوى؟وهل لديه من المفكرين الاحرار الذين يستطيعون نقل الصورة الحقيقية للاسلام للاخرين؟ بكل صدق وصراحة بعيدا عن العاطفة الدينية،أقول:
. اذا بقينا نتعكز على التفسير والمفسرين القدامى الذين فسروا القرآن وفق منطوق اللغة العربية القديمة التي لم تستكمل تجريدانها اللغوية على عهدهم بعد..وفقه الفقهاء للقرون الثلاثة الاولى الثاني حتى الخامس الهجري ونظرية ولاية الفقيه والمهدي المنتظر الوهمية ومراكز التوجيه الديني الحالية، فسنبقى نراوح مكاننا الى ان يرث الله الارض وما عليها. أذن كيف يجب ان نختار ؟ هذا ما يجب ان نبحث فيه بروح التجرد لا بمنطق الفرق الدينية المتعارضة اليوم..لا يوجد مستحيل لمن يحاول .. وهو يطلب الحق وان قل..ولكن بقناعة المنطق لا بقناعة التهريج.

[email protected].