23 ديسمبر، 2024 6:16 ص

الشرعية الدستورية والشرعية العقلية

الشرعية الدستورية والشرعية العقلية

لا شئ يعلو هذه الأيام على صوت الداعين إلى حكومة تكنوقراطية من رأس الحكومة إلى الكتل السياسة إلى المتظاهرين حتى تخيل للبعض إن الحل لكل الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأمنية لا يمكن تفكيكها السيطرة عليها قبل انفلاتها غير الإسراع بإصلاح الكابينة الحكومية من خلال تغيير جذري أو جوهري أو شامل للوزارة بتكليف وزراء تكنوقراط .ومما يثير الدهشة والاستغراب أن السياسيين الذين تصدوا للعمل الحكومي على اختلاف توجهاتهم الدينية والعلمانية واختلاف انتماءاتهم الاثنية والطائفية والمذهبية وجدوا إن الدعوة لتغيير حكومي يمثل أعلى درجات الإصلاح في مسار العملية السياسية التي تعطلت كل محركاتها وأصيبت بشيخوخة مبكرة بالرغم من علمهم أن التغيير الحكومي لا يمكن أن يكون هو الحل الأمثل للحالة المأساوية التي تعصف بالبلد لان لا حكومة التكنوقراط التي اختلفوا في تحديد مفهومها ومعايرها وأسلوب عملها وشخوصها إن ولدت بظروف غير صحية فهي تكون مشلولة وغير قادرة على تسيير نفسها فضلا عن تحريك المياه الراكدة الفاسدة في أقبية الأجهزة الحكومية وستكون عالة وعاهة مضافة إلى عاهات النظام السياسي العراقي كالدستور وشكل النظام وقانون الانتخابات وتوزيع الثروات الطبيعية والأحزاب والكتل المحاصصة والديمقراطية التوافقية والمحكمة الاتحادية وغيرها.حيث لا يمكن إن تعيش حكومة تكنوقراط أو كفاءات كما يسمونها وسط بيئة ملوثة فاسدة حاضنة للطائفية السياسية والتفرد والمصالح الفئوية .
وعلى افتراض وهو بعيد جدا عضت الكتل السياسية على مصالحها وامتيازاتها بفعل ضغوط داخلية وخارجية واستطاعت أن تتوافق على ولادة حكومة تكنوقراطية بعملية قيصرية صعبة ، يجب التوقف عند نقاط مهمة أهمها:
– مصطلح التكنوقراطية برز في ثلاثينات القرن الماضي في الولايات المتحدة الأمريكية وهو يعني تكليف الاختصاصيون والمهنيون والعلماء بادرة الجهاز الحكومي وفق الاختصاص والتعامل مع المظاهر والأزمات وفق مفاهيم ومعايير علمية بعيدا عن أجندات ومصالح الأحزاب والكتل كونهم لا ينتمون لتجمعات سياسية ما معناه تفويض العقلية العلمية الشرعية في إدارة الجهاز الحكومي. ومن المعلوم إن نوع النظام السياسي الأمريكي رئاسي والرئيس منتخب وبذلك هو يتمتع بالشرعية الدستورية وهو الذي يعين الإدارة لتسير أعمال الدولة فهو بشرعيته الدستورية يفوض الشرعية العقلية التكنوقراط بإدارة الدولة بإشرافه وهذا منسجم مع طبيعة النظام ليس في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها أنما في النظم الرئاسية الأخرى و الدول التي تتبنى النظام البرلماني حين تلجا إلى تشكيل حكومات تكنوقراط مع وجود الشرعية الدستورية التي اكتسبوها من فوزهم بالانتخابات كون الحكومات تشكل من داخل البرلمان سواء حكومة أغلبية أو حكومة اتلافية في حالة عدم توفر الأغلبية البرلمانية إلا أنهم يذهبون إلى استوزار الكفاءات المهنية المستقلة عندما ما تستدعي الحالة إلى ذلك وخاصة في الأزمات الحادة التي تهدد الأمن الاقتصادي أو الأمني أي إسباغ الشرعية العقلية على الإدارة من خلال الشرعية الدستورية.
– نجحت الحكومات التكنوقراطية في بعض الدول من إحداث نقلة نوعية وطفرة كبيرة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية كانت مثار إعجاب وتقدير من خلال معالجات علمية وتطبيق معايير صحيحة في إدارة الجهاز الحكومي وفق نظريات الإدارة الحديثة التي اعتمدت على الاستثمار الأمثل للموارد البشرية والموارد المالية وتعظيم الواردات. وترشيد الموارد الطبيعية .إن خلق جهاز حكومي كفيء وواعي ونزيه ينعكس ايجابيا على القطاع الخاص حيث يكون مناخ مناسب لنموه وتطوره وبدوره يساهم في التنمية الشاملة .
– أما في العراق بوجود عملية سياسية مشوهة فرضها الاحتلال ومظاهر ديمقراطية مزيفة وفساد سياسي وأداري ومالي لم يشهده من قبل وبعد تعرضه لهزات عنيفة سياسية وأمنية واقتصادية بسبب الصراع الطائفي ولاثني السياسي على السلطة للاستحواذ على السلطة والقوة والمال والامتيازات باسم الشرعية الدستورية الذي أدى إلى خروج الأزمات عن السيطرة والانفتاح للمجهول لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تعطي فرصة التكنوقراط في تعديل المسارات بان تتنازل الأحزاب والكتل التي تختبئ تحت مسمى الاستحقاقات الانتخابية
المحاصصة والشرعية إلى العقلية العلمية المهنية لان نجاح هؤلاء في انتشال العراق من أوحال مخلفاتهم يعني إصدار شهادة بوفاة أحزابهم وكتلهم واختفاءهم من المشهد السياسي في الانتخابات المقبلة فضلا عن محاسبتهم على هدر المال العام والفساد وعدم الاستقرار الأمني لذلك يريدون تشكيلة حكومية مشوهة بوجوه تكنوقراط واذرع حزبية ومثل هكذا حكومة لا تستطيع أن تقوم بإصلاحات وقلع جذور الفساد لان الأذرع متوغلة عميقا في الجهاز الحكومي وباقية تعبث بمقدرات الشعب.