في محاضرة لأستاذ قدير تحدث عن ان العراقيين أبرع ما يكونون في العمل الفردي، ولكنهم أعقد ما يكونون في العمل الجماعي، وتلك حقيقة ملموسة في حياتنا، وهي تنعكس في كافة المجالات، السياسية حيث القائد الأوحد، والاقتصادية اذ تغيب الشركات الضخمة على حساب اللافتات والدكاكين الصغيرة، والاجتماعية إذ تطغى المساهمات الفرديةوتتعوق المشاريع كلما كان عدد منفذيها أكثر وأكبر.
والأخطر من كل ما ذكر أعلاه، تحول هذا النزوع الفردي إلى سلوك متجذر في التركيب والتكوين العراقي، فإذا ما انضاف إليه تراكمات عقود الاستبداد والنزاع المشؤومات كان الأثر بالغاُ.
انظر دوماً إلى الشعوب والمجتمعات، فأجد ان الانتماء لوطنٍ ما لا يحتاج إلى هوية اثبات، فهي تبرز في ملامح الأبناء، ولسانهم، وخطابهم، وتركيبهم النفسي والمجتمعي، وسلوكهم المتشابه بشكل بارز، وهذه العوامل وغيرها تقتضي دوماً ان تخلّف وراءها هوية قوية جامعة، واحساس فطري بالمشاركة، والعيش المتكافئ تحت خيمة الوطن الواحد.
الشراكة قد تغدو – والحالة هذه – عملية يسيرة، بل وبديهية، وراسخة في جذور المجتمع، فلماذا تظهر لدينا متعثرة وغير قادرة على المضي نحو هدفها المرسوم؟
ابتداءً نقّر وبلا أدنى شك، ان الظلم وغمط الحقوق، وانتهاكات حقوق الإنسان، تنعكس على بنية المجتمع وتصيب وشائجه بالوهن والضرر، ولكن النهوض المنشود يستلزم دوماً عبور شديد الوطأة على الجراحات وتجفيف منابع تأثيراتها المؤلمة، ولذلك قلنا ان (الشراكة سلوك راشد)، فلا يقوى عليه إلا من اشتد عود وعيه وحاز مرتبة الإدراك العميق لمستلزمات الحياة وشروط بناء المستقبل المنشود.
كما ان العقبات التي تقف قبالة هذا الهدف كبيرة وليست هينة، ولذلك تجد موج الكراهية المضاد يستنفر كل امكانياته ليعلو ويحاول إسكات أي صوت يبتغي تجاوز الأزمات، ولذلك قلنا ان (الشراكة فعل مقاوم) فهو مطالب بالوقوف صابراً وصامداً امام كل تلك المحاولات البائسة التي تريد تفكيك المجتمعات وتمزيق الأوطان تحت شتى العناوين والتبريرات.
والمسألة تزداد عمقاً وتركيباً كلما تأخر وقت العلاج، فلا ينتظر في التعامل مع الآخر فقط القبول والمبادرة والحب من طرف واحد، بل الاشكالية احياناً غالباً في تقبل الاخر له أصلاً، ذلك ان الشراكة فعل متبادل وليس سلوك مخاتل، وهي لا تتحقق كما ينبغي في ظل الشعارات الجذابة التي لا تجد لها فسحة للتطبيق فيظل نقضيها مضمراً وأساسياً ويتحين أي فرصة للنفاذ والبروز متستراً بذلك العنوان البراق، وذلك نتاج واضح لاستمرار فجوة الثقة بين المكونات والكيانات المختلفة.
إذن كيف نعزز الشراكة الوطنية الفاعلة؟
لا بديل عن امتلاكها (ثقافة وقناعة لازمة) وارتكازها على (دولة راشدة) و(مواطنة واقعة)، و(هوية جامعة) و(ذاكرة مشتركة) فكل ذلك هو السبيل الوحيد للنجاح والإنقاذ.