ننشغل ليل نهار بنقد حالة الفساد التي تنخر البلاد، ثم نفاجأ كلنا بأننا مضطرون لاستخدام بعض أدواته لتسهيل أمور حياتنا هنا وهناك، فنلجأ إلى الواسطة لانجاز معاملة ما، ونتجاوب مع موظف فاسد أو عامل في موقع نعلم جميعنا أنه لا يستحق أي تقدير حتى نكمل ما نحتاجه!!
ولا يختلف الموضوع مجتمعياً، فنظل نردد مقولة أن التزام المرء بدينه وسمو أخلاقه وحسن نسبه وتقارب المستوى الثقافي هو أساس الاختيار في الزواج، لأن العرق دساس، ولأن الظفر بأهل الدين هو الأصل، ثم نعود لننجذب إلى البيت الفاخر والراتب الكبير.. الخ، في تناقض واضح وصارخ لن يكون ختامه إلا مشكلة معقدة لا حل لها، واحصائيات الطلاق المرعبة خير دليل على ذلك.
ونبكي الفقراء ثم نخلد إلى موائدنا العظام، ونشتكي من سوء حياتنا وغيرنا يتمنى ان يظفر بلقمة وسقف يضمه هو أهله، بل وغيرنا فقد كل اهله في لحظة توحش صهيونية، ونحن ندّعي المساندة في وثير الفراش ودفء الحياة التي لم نعد نتحمل قسوتها!!
هذا التناقض بين القول والفعل، وهذا الضعف امام ادوات الفساد، كلاهما يخرجان من أساس خاطىء واحد، والاستمرار به هو الذي يبقينا مجتمعاً وشعباً وأمة لا نتقدم خطوة واحدة إلى الأمام.
نعم كلمة الحق المفردة صعبة ولها تبعات كبيرة، ولكن صوت التغيير ليس إلا مجموعة أصوات كانت يوماً خجولة مترددة وخائفة ، بل وغير مقتنعة انها ستكون عنوان الربيع بعد طول الصقيع والشتاء!
وكذلك يمكن القول على المستوى الاجتماعي أن عدم تمكن الإيمان من قلوبنا سبب رئيسي لبقاء حالات القلق الموصلة إلى الهزيمة في ميدان إثبات الانتماء والتزام الهوية التي فيها النجاة.
اننا بحاجة ماسة جميعنا لمراجعة أفعالنا وسلوكياتنا لتحقيق التطابق فيما بينها، مثلما ان حالة النقد البناءة لن تكون فاعلة او صادقة ما لم تصاحبها تبرؤ من كل أشكال الإثم والفساد المنتشرين اليوم والمهددين لنا حتى داخل بيوتنا.
والأمر يمتد ويتسع ليشمل الدعم غير المحسوس والمباشر للانفلات الاخلاقي الذي يتخذ من وسائل التواصل الاجتماعي ميداناً رحباً وساحة لتفريغ كل نتاجه القبيح شكلاً ومضموناً، وذلك لن يتحقق إلا بمقاطعة شاملة وحقيقية للمحتوى الهابط وعدم واعتماد المحتوى الهادف الذي يركز على الوعي ويجعله شعاراً له.
اننا النجاح في الالتزام بذلك والصبر عليه لن يصب في صالح ذواتنا فحسب بل إنه سيمنح الجيل القادم الحصانة المطلوبة، ويسير بالمجتمع نحو التعافي الحقيقي لا المزيف الذي يعتاش على الشعارات.