23 ديسمبر، 2024 10:37 ص

الشخصية الحزبية ومقدساتها

الشخصية الحزبية ومقدساتها

في مقالة سابقة كتبتها كنت قد تداولت فيها موضوعا عن السياسي السوري وارتهانه, حيث تداولت فيها الخصائص العامة للسياسي وسلوكياته المجتمعية, اما في هذا المقال الذي يتناغم ويترابط مع المقال السابق, سأحاول تسليط الضوء على شخصية العضو الحزبي ومكامن الخطأ في تلك الشخصية, والتي ربما اختلف فيها مع الكثير من الكتاب ولكنها في النهاية هي وجهة نظر والغاية منها ليست ادانة احد او التقليل من قيمته, وانما لمراجعة الذات وتصحيح الاخطاء, ولكن قبل الخوض في التفاصيل, علينا ان نوضح المعنى الأكاديمي في العلوم السياسية للحزب كمؤسسة سياسية.

فالحزب بمفهومه الأكاديمي في العلوم السياسية هو مؤسسه مشكلة من مجموعة من الافراد المتشابهين بالافكار والمعتقدات والثقافة وربما في الحالة المجتمعية ايضا, يشكلون فيما بينهم رابطه سياسية او تنظيم سياسي بهدف العمل المشترك لبلوغ “السلطة” وتحقيق أهداف وغايات معينة مشتركة فيما بينهم, وفق برنامج سياسي يتفق عليه اولئك الافراد في اطار مجموعة من القيم والمعتقدات الثابتة, التي تحقق غايات الحزب واهدافه, ويطلق على تلك القيم والمعتقدات بايديولوجية الحزب او العقيدة السياسية للحزب, ويطلق على اولئك الافراد المتشاركين في الحزب تسمية اعضاء الحزب او الحزبيين او شخصيات الحزب, وينبغي على كافة الاعضاء الالتزام الكامل بالعقيدة السياسية للحزب, وممارسة خياراتهم العملية الحزبية وآرائهم السياسية ضمن تلك العقيدة السياسية.

يعتمد الحزب بمفهومه الاكاديمي مبدأ الديمقراطية في تشكيل اعضاء هيكله التنظيمي من خلال انتخابات محلية نزيهه, كما انه قد يشارك في الانتخابات التي تشهدها الدولة سواء كانت برلمانية او رئاسية او حتى انتخابات الهيئات الادارية على مستوى الوحدات الادارية المختلفة في الدولة.

وفي السياق العام وليس الخاص للشخصية النمطية الحزبية التي تكونت في الشرق الاوسط المهترئ سياسيا” واقتصاديا” واجتماعيا”, وهنا الحديث ليس شموليا بل يخص فئة بعينها من الشخصيات الحزبية, التي تختزل الوطن في المؤسسة الحزبية وتحدد ملامح العمل الوطني في اطار الانتماء الحزبي ولا شيء سواه وهؤلاء الاشخاص يطلق عليهم بالعامية مصطلح “المريدون او الدراويش”, فان شخصية الفرد (الحزبي) السياسية تنصهر في خزان ايديولوجيا الحزب, ولا يعود لشخصيته السياسية المستقلة اي وجود وارتباطها بالواقع المجتمعي اي انتماء, وانما يتحول الى مجرد آلة تتلقى التعليمات والأوامر الحزبية, ويصبح مسيرا” وغير مخير في مواقفه وسلوكياته السياسية في المجتمع, ولا يعود يتقبل اي افكار جديدة تناقض أو تتعارض مع العقيدة السياسية للحزب و ايديولوجيته, ويكون من الصعب عليه التفاعل مع الأفكار والآراء المخالفة لايديولوجية حزبه, كما أنه لا يتفاعل مع الاحداث في محيطه كسياسي حريص على تجنب الوقوع في المغالطة التي تضر بالمصلحة العامة, ويختزل المصلحة العامة في القرار الحزبي ومفرداته بدلا من الجمع بين الحدث ومسبباته وسبل الحل, حيث يتعامل مع الأحداث بشكل عاطفي, ويميل الى المصلحة الحزبية بدلا من العمل العقلاني والفكري الذي يخدم المصلحة العامة, أي انه يختزل الكل في الجزء والعام في الخاص.

أما في حال اتخذ الحزب موقفا” سياسيا خاطئا” فإنه ينصب من نفسه محاميا بالوكالة للدفاع عن رؤية الحزب, مهما كان حجم وبعد ذلك الموقف الخاطئ, ويحاول دائما البحث عن ما يبرر ذلك الخطأ وينسبه غالبا للمتربصين بالحزب واعدائه, ولا يتوانى في وصفها بالمؤامرة على الحزب وسياساته الوطنية, ويفتقد بوصلة تحليل الحدث وحجم الخطأ, ولا يستطيع أن يفكر أو يرى إلا في حدود العقيدة السياسية للحزب, فلا يعود بإمكانه رؤية الحقيقة المتكاملة أو الشاملة للحدث وحجم المغالطة السياسية في موقف الحزب, وربما يمكنه ملاحظة ذلك احيانا, ولكنه لا يجرؤ على الاعتراف بأخطاء الحزب امام الملأ او العامة, حتى لا يتعرض للمسائلة الحزبية والتي قد تفقده مكانته الحزبية وربما لاجل الحفاظ على بعض المزايا كالمنصب في الحزب او المكتسبات المادية.

كما إنه غالبا يتصف بالنرجسية, ولا تتقبل الشخصية الحزبية النقد من خارج نطاق الحزب, ولا يتردد في تخوين المختلف عنه وتصغيره واتهامه بعدم الإدراك وقصر الرؤية السياسية, ويقدس اشخاص القيادة في الحزب, واقوالهم, ويقلد سلوكياتهم المجتمعية وحتى الشخصية منها احيانا كاسلوبه في الحديث, وقد يصل به الحال تقليدهم في حياتهم اليومية كلبسهم وطريقة جلوسهم وربما نوعية الاطعمة التي يتناولونها.

أما في اطار علاقته بفئة المثقفين في المجتمع, فإنه يختزل المعرفة بخبايا الامور والفهم السياسي في شخصه, ولا يعطي اية اهمية معلنة لآرائهم, ويحاول على الدوام تهميش دورهم وتحجيمه, ويتحاشى التعامل معهم, كما إنه ينظر بعين الريبة لكل موقف او رأي للشريحة المثقفة, التي تحاول تسليط الضوء على الأحداث المحيطة وايجاد الصيغة المناسبة للتعامل معها, فهو يخشى حدسهم ومعرفتهم بخفايا طبيعة العلاقات السياسية وآفاقها.

إن الارتباط الحزبي او الالتزام السياسي بمفهومه العام هو مسؤولية اخلاقية قبل ان تكون سياسية, ومن الواجب على الفرد الحزبي ان يكون واسع الأفق والرؤية, مرن الفكر ومتقبلا للآخر المختلف, وأن يضع المعطيات في خدمة الحلول التي تؤدي بالنهاية الى المصلحة الحزبية ضمن الإطار العام لمصلحة المجتمع.