18 ديسمبر، 2024 10:01 م

الشباب نصف الحاضر وكل المستقبل

الشباب نصف الحاضر وكل المستقبل

جريدة الخليج (الإماراتية) وجريدة الزمان (العراقية) الأربعاء 13 تشرين الأول/ أكتوبر 2021
كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرّرت في 17 ديسمبر/ كانون الأول العام 1999 اعتبار يوم 12 أغسطس/ آب من كل عام يوماً للشباب العالمي تحتفل به، وذلك لتأكيد دوره في عملية التغيير والتنمية في المجالات كافّة: السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية، بوصفه شريكاً لا غنى عنه لكل عملية تقدُّم لدرجة أنه لا يمكنها أن تقوم من دون مساهمته الفاعلة والواعية.
ويواجه الشباب اليوم مصاعب شتّى وتحدّيات جمّة، فضلاً عن عوائق وكوابح غير قليلة، وخصوصاً في ظلّ العولمة بوجهها المتوحّش، حيث تنخفض مستويات المعيشة ويزداد الفقر وتنتشر البطالة والأميّة وترتفع معدّلات الهجرة الشرعية وغير الشرعية، لا سيّما من بلدان الجنوب الفقير إلى بلدان الشمال الغني، كما تتفشّى الأمراض والأوبئة وآخرها فايروس كورونا “كوفيد – 19” ويرتفع مستوى الجريمة المنظّمة والإتجار بالبشر وتستشري تجارة المخدرات والأسلحة وتكثر على نحو مطّرد ومعدّلات العنف والإرهاب، وغير ذلك من الجوانب التي تؤثر سلباً على جيل الشباب وتحول دون استمتاعهم بشبابهم، بل وتحرمهم أحياناً من توسيع معارفهم وشحذ طاقاتهم بالإتجاه الإيجابي. فبالشباب تزدهر الأوطان وهم عماد الوطن والأمّة في الدفاع عنهما، خصوصاً في الأزمات والمحن.
وبما إن الشباب نصف الحاضر وكل المستقبل، فلا بدّ من توفير مستلزمات الإفادة منهم في الحاضر والمستقبل وذلك بتمكينهم من امتلاك ناصية العلم أولاً والمعرفة والثقافة في فضاءات حرّة ورحبة لتحقيق أحلامهم وطموحاتهم وتقديم مبادراتهم ومشاريعهم وابتكاراتهم إلى المجتمع، وكذلك في إفساح المجال أمامهم والاستماع إلى آرائهم ووجهات نظرهم، كي تتفتّق مواهبهم وتثمر جهودهم للقيام بالدور المنوط بهم في عملية التنمية وفي تنقية وترميم الحياة السياسية والاجتماعية وتطويرها بما ينسجم مع تطلعاتهم لمستقبلٍ أكثر انفتاحاً وتنوّعاً، خصوصاً في البحث عن قواسم مشتركة مع بعضهم البعض بغضّ النظر عن دينهم وقوميتهم وجنسهم ولغتهم ولونهم وأصلهم الإجتماعي، فالشباب أخوة وأحبّة يجمعهم طموح مشترك وحماسةٌ وإرادةٌ وحيويةٌ وعطاءٌ.
ولا يمكن للبلدان والأمم والشعوب أن تتقدّم دون المساهمة الحيوية الفاعلة لجيل الشباب الذي يتمتّع بقدرات بدنية وعقلية وروحيّة عالية قياساً بالأجيال التي تسبقهم أو تعقبهم، ولذلك فإن الرهان عليهم دائماً، لما يتمتعون به من قوة وطاقة ومبادرة وجرأة وإقدامٍ وسلامةٍ جسمية، فلا رياضة دون الشباب ولا فنون وآداب ورقص وموسيقى وشعر ومسرح وسينما دونهم، لأنهم يمثّلون عصب الحياة الحقيقي وينبوعها المتدفّق.

ولعلّ الشاعر الجواهري كان على حق حين خاطب الشباب قائلاً:
نزق الشباب عبدتهُ / وبرئتُ من حلم المشيبِ
يا من يقايضني ربيع / العمر ذا المرج العشيبِ
بالعبقرية كلّها / بخرافةِ الذهن الخصيبِ

إن الإحتفال بيوم الشباب العالمي هو رسالة إلى جميع الحكومات التي عليها أن تعي دورهم وأن تسهم في رفع كفاءاتهم فبالعلمِ والعلمِ والعلمِ والعيش الكريم يمكن الإرتقاء بهم، خصوصاً بتشجيع حرية التعبير ليتمكّنوا من تفجير طاقاتهم واستخدامها على أحسن وجه، فكلّما ضاقت تلك السُبل فأن طاقاتهم يمكن أن تتوجّه إلى مواقع أخرى خاطئة، وقد تُنذر بشرٍّ مستطير، خارج دوائر الإبداع والإنتاج والعمل، حيث يمكن استغلالهم من جانب القوى المتعصبّة لدفعهم نحو التطرّف، وهذا الأخير إذا ما تحكّم منهم فقد يتحوّل إلى سلوك ويقودهم إلى العنف، والعنف حين يضرب عشوائياً يصبح إرهاباً.
وإذا كان الشباب هم من حاربوا القوى الإرهابية والعنفيّة، التي تغوّلت على المجتمع واستهانت بمرجعيّة الدولة، فإن هذه الأخيرة حين تمكّنت من عقول بعض الشباب باستغلال أوضاعهم الإقتصادية والإجتماعية والدينية والقومية والثقافية، خصوصاً في ظلّ أوضاع التخلّف والجهل والفقر والتمييز، حاولت الضرب على الأوتار الحسّاسة التي تحرّكهم موظّفةً ذلك لأغراضها الأنانيّة ومشاريعها السياسيّة الجهنميّة، وإلاّ كيف لشخص يوعد بالجنّة وبالحور العين، فيندفع لقتل عشرات أو مئات الناس في سوق أو ساحة عامة أو مدرسة أو كنيسة أو مسجد، إن لم يكن قد تمّ تخريب عقله وغسل دماغه والتلاعب بضميره.
وكان الهدف رقم 10 من مشروع التنمية المستدامة 2030 قد أكّد على تعزيز المساواة ودعم النمو في الدخل لفئة الأربعين في المئة من البلدان الأكثر فقراً والأقلّ نماءً لضمان الفرص المتكافئة وإنهاء التمييز والأمر يخصّ الشباب بالدرجة الأساسية والبلدان الفقيرة بشكلٍ خاص، الأمر الذي يحتاج من أصحاب القرار، إضافة إلى المنظمات الإنسانية والمؤسسات الدولية والمراجع الدينيّة والهيئات الثقافيّة، الأمر يحتاج إلى تنمية قدرات الشباب وشحذ طاقاتهم وتوفير الفرص المناسبة لهم للحصول على عمل مناسب وأجرٍ مناسب يتوافق مع قدراتهم إناثاً أو ذكوراً.
ولا بدّ من إشراك الشباب في صنع القرار بما يشعرهم بالإنتماء الحقيقي لمجتمعهم ويعزّز من هويتهم المشتركة ويجسّر الفجوة بينهم وبين أصحاب القرار، دون أن ننسى الإهتمام بالأنشطة الترفيهية لهم باعتبارها ضرورية للنمو المنسجم نفسياً وجسدياً، خصوصاً والعالم في الطور الرابع من الثورة الصناعية والذكاء الإصطناعي واقتصاد المعرفة.