23 ديسمبر، 2024 6:42 م

الشاعر منذر خضير:.. ورحلته إلى السماء السابعة

الشاعر منذر خضير:.. ورحلته إلى السماء السابعة

بعد مجموعة شعرية مشتركة/5199 / عنوانها” تتمات ناقصة”، ومساهمات متواصلة في جميع مهرجانات (مرابد) بعد السقوط ،وملتقيات الاتحاد العام للأدباء والكتاب العراقيين بغداد- البصرة،و المهرجانات الشعرية المتعددة في أغلب المحافظات العراقية . صدر للشاعر( منذر خضير) مجموعته الشعرية (رحلة السماء السابعة)*. حصر (خضير) قصائد مجموعته ، ضمن خمس رحلات هي على التوالي: رحلة الحرب الطويلة: ثلاث قصائد، ورحلة المنازل: ست قصائد، ورحلة الشتاء: أربع قصائد ورحلة الماء: سبع قصائد ورحلة الملائكة: خمس قصائد، وإذا تتبعنا تلك الرحلات وما أضافه( منذر خضير) إليها أي(الأصدقاء ومجسات الغربة والحجارة) سنرى أن الرحلات (ثمان) وليست(سبعاً) وبـ( 89) صفحة من القطع المتوسط . ترتكز غالبية قصائد( رحلة السماء السابعة) على ذات الشاعر:

” بسراجٍ لا يضيءُ سواي

دخلتُ العالمَ

وفتىً اسمه أحمد”.
…..

“بين سماءين

غفوت

فانطفأ الصباحُ بيدي “.

….

“بين موجتين

رأيت نَفَسَي الأخير

يستنشقُ الغرق”.

….

” برصاصة سوداء

ورأس ابيض

تقاسمت مع إخوتي الرحيل”.

مفتتح( رحلة الحرب الطويلة) توطئة تبدأ بالسيوف التي تعد أطبقاً من اليأس للأيام الباردة وتنتهي بتوصية:

” أغمضوا أعينكم

ولنحتفِ بأناشيدنا

بعيداً

بعيداً

عن الحرب”.

في( لوحة الفقر) تعداد للهزائم في الحياة والأيام المتخمة بالأحجار والرؤوس والأشلاء التي تنتظر الرحمة الهابطة عليها من تلك (السماء السابعة) بعد أن باتت الأيام شوكاً والأظافر مزقها الفقر:

“بعد أربعين هزيمة

متخمة بالأحجار والرؤوس

وحمأ الحرب

أطلق الله على أشلائنا

الرحمة”.

وكالمسابح السوداء تنفطر العوالم والذكريات والناس بفعل الحروب التي لا رحمة فيها ولا أمل بالنجاة من قسوتها وعصفها. تلك (الحروب) المرة بأسنانها المدببة الضارية التي هرست أجيالا كاملة، وبددت أحلامها وآمالها الإنسانية البسيطة، ومازالت، الحروب السابقة والراهنة، تفتت بآثارها الواقع الاجتماعي وتمزق الذات الإنسانية، ويغدو الشاعر شاهداً على أحوال الحاضر – الماضي الذي كانت فيه الأم:

” تشبه النهرَ

ورأسها اقصر من قصبةٍ

مائلة

علمتنا أن لا نموت باكراً

لذا هربنا “.

ولكن إلى أين؟!. ففي :

“كل خميس

نقبل العَـلم

مقابل أن يحبنا الوطن”.

يعتمد الشاعر (منذر خضير) على ذاكرة صورية يجنح بها، عبر اللغة المهموسة، التي تستدعي ما أطلق عليه الراحل( حسين مردان) بـ( النثر المهموس). ونحن في هذا السهل الشاسع و الممتلئ، كثافةً بشعراء قصيدة النثر في العراق ،وسهولة النشر في وسائل الإعلام المقرؤة ، وصفحات التواصل الاجتماعي، بعد سقوط النظام. نشير هنا الى ما كتبه الأستاذ ” باقر صاحب” في ثقافية جريدة/ الصباح/ العدد3084 المؤرخ 12 نيسان 2014 – ص(11 ):” الشعر قرينة الندرة، والندرة قرينة الصبر والإخلاص والعمل بصمت، وتلك القرائن خلاصة السلوك الثقافي الراقي الزاهد بالحياة وبهرجتها ومنافعها وآنيتها”،ونعتقد إن هذا الأمر على درجة كبيرة من الصواب،ولم يطرحه الأستاذ(صاحب) جزافا أو رغبةً في المخالفة و الإثارة، كما انه لا ينطويَ على صيغة تخفي خلفها الاتهامات المجانية ، خاصةً في هذه اللحظة، فلسنا نعلم مَنْ سيواصل العبور نحو مستقبل قصيدة النثر العراقية التي تواجه إشكالات عدة، ومنها الغموض المفتعل والذي يضع أسلاكاً شائكةً لا يمكن اختراقها بين المتلقي والقصيدة، و لا ينمَ عن اهتمام مناسب بالتراث النثري العربي الغني و العميق و الشعري كذلك ، بل يجنح نحو الترجمات الأجنبية – المتعددة، والتي تثير التباساً لا حد أو مدى له، لدى الملتقي أو الشاعر العربي الذي يعتمد ( قصيدة النثر) راهناً، و لا يتقن غير اللغة العربية

، لظروف عامة، وإمكانات خاصة، ولعل هذا الأمر-الأخير- ليس عيباً أو استهانةً . وللدلالة على هذا الشأن وفوضى والتباس الترجمة إلى اللغة العربية، يمكن مراجعة كتاب الشاعر (عبد الكريم كاصد) المعنون” غبار الترجمة” الصادر عن دار أروقة عام2003 ففيه ما لا يمكن تصوره، حتى في الخيال، حول الترجمات عن اللغات الأجنبية، وعلى مسؤولية الشاعر والمترجم (عبد الكريم كاصد)، مع ثقتنا التي لا يرقى تجاهها الشك، ،إطلاقا، بقدراته كشاعر ومترجم في ذات الأمر.فقد عمد( كاصد) على دعم كتابه، بالنصوص، الأصلية، التي ترجمها عن اللغتين الإنجليزية والفرنسية، إلى اللغة العربية، ونشرها في كتابه ذاته. والمثير في الأمر إن الشاعر والمترجم(كاصد) كان قد نشر مقالا ً مطولاً حول هذا الشأن في مجلة ( فنارات) و التي يصدرها، سنوياً، اتحاد أدباء وكتاب البصرة ،بالتزامن مع مهرجان المربد ، وبالنظر لمحدودية انتشارها، فقد أعاد(كاصد) نشر المقال، كاملاً، في مجلة عربية ، فعمدت المجلة على حذف كل أخطاء وأغلاط المترجمين اللذين ينتمون إلى ذات البلد العربي،الذي تصدر فيه المجلة، دون الرجوع إلى الشاعر عبد الكريم كاصد أو حتى إعلامه، في الأقل، بهذا الشأن ؟!.الشاعر” منذر خضير” في قصائده ينحو نحو البساطة دون الإيغال في التعقيد والتزويق اللغوي والصوري والإبهام الذي لا معنى ولا لزوم له ،خاصة، وهو يراقب ما جرى ويجري:

“بشظية نائمة

في الحلم

أعيد رسم صورتي”

…..

“بحرب أطول

من عمري

اختصر الهزيمة

بصلاةٍ “

يؤطر ” منذر خضير” ما هو معروف في المرويات الدينية المتعددة عن “يوسف وإخوته والذئب” ويفرد “الأخوة” مع ” ذئبهم” دون “يوسف”. وهو هنا يمتحن الخيال، القادم من الماضي ومروياته، و يستدعينا للتحرر من التصور النمطي في ما هو ثابت وقارٍ في تلك المرويات ويحاول أن يجعل تلك( المرويات) والتصورات المتوارثة عنها، تتناغم مع الراهن ، حتى ولو كان ذلك من باب اليقظة الحالمة كونه فتح الرؤى الحاضرة، بجرأة، أمام فعاليات التأويلات والرؤى الميتافيزيقية المتعددة عن ” يُسوفَ” وأخوته :

“كأي شمس خرجنا

استاء منا الألم

حتى عدنا لا نفقه سوى الصفعات”

…..

” لنا إخوةٌ بلا يوسف

وربة متوجة بالسوادِ

قلوبنا من قصب

وأنفاسنا من صفيح”

….

“المدينة تنبذنا دائماً

لهذا خرجنا بلا جيوب

عاطلين عن الفرح

فسقتنا الشوارعُ وشاخت

وكل ما نملك

ثلاثون ندماً وغباء”.

“رحلة السماء السابعة”.. تفتح افقها للمتلقي، بوعي شعري شقي، بالتزامن مع صور شعرية غير متكلفة أو متثاقفة، ومصدرها معايشة اللحظة الحياتية الراهنة ،دون مواربة أو مخاتلة مع ذلك الوعي الشقي ، وتتجه للقارئ بصورها المكثفة التي لا فائض فيها أو تزويق ، مقترنة بعذابات وخيبات ومرارات وخيانات حياتية يومية ما زالت متواصلة، ،حسب قصائد الشاعر،و في ما تضمنته” رحلته” فإنها، متواصلة و تتجدد:

“بقبلة ساذجة

أثق بالكثير

من الوجوه”.

* دار أزمنة – عمان- الغلاف للفنان صدام الجميلي .