23 ديسمبر، 2024 6:24 م

الشاعر فوزي السعد ومراثي (الريشة والطائر)

الشاعر فوزي السعد ومراثي (الريشة والطائر)

عرف الشاعر فوزي السعد بتمرده على القيم والأعراف الاجتماعية البالية ، ويمكن استخلاص هذا في سيرته الشخصية، وأحاديثه الخاصة وفي الندوات العامة التي تقام له، ويؤكد (السعد) انه في شبابه، أنخطف بالشاعر (رامبو) وتمرداته كثيراً و حاول ترسم خطاه، بهوس لا شبيه له. صدر للشاعر فوزي السعد المجاميع الشعرية التالية: “الفراشات تقتحم الحدائق”1980 ، و” نخلة النخل سلاما “1987 و”توأم الفراشة”2002 و” الريشة والطائر”2009 ، و”ايقاض. البذور”2014. مجموعة السعد الرابعة “الريشة والطائر” – دار الينابيع – دمشق- الغلاف: جيهان خير- نلاحظ فيها ثمة امتداداً لشعره في مجامعيه السابقة، ووضوح ظلالها على هذه المجموعة من خلال أنسنة الطبيعة والاحتفاء بها ، وان شفرة الشاعر تقتضي ممن يتناول “الريشة والطائر” العودة إلى مجاميعه السابقة فالأرضية التي تقف عليها هذه المجموعة ، هي ذاتها، في الإصدارات السابقة ، مع بعض تحولات الزمان وسيره غير المتوقع، والواقع المُعطى وخذلاناته وخساراته المتواصلة، وهو يحدق بهم كالمأخوذ. القسم الأول من” الريشة والطائر” المعنون(شاهدة على قبرها) يخيم عليه الخسران والقنوط والفقدان، وحزن الفرد وحيرة الأعزل بمواجهة عالم غير عادلٍ، ولكن لا مفر من العيش فيه . ثمة في بعض قصائد(الريشة والطائر) ما يشبه التدرب على الألم والتأقلم معه بقناعة أكيدة بزوال كل شيء حي، وهنا حكمة وقدر وسر الشعر، التي يتخطى بهم الشاعر ذلك الزوال. الشاعر السعد يؤشر في” الريشة والطائر” على مجموعة من زملائه الشباب الذين غيبهم النظام السابق لأسباب شتى ، يندرج بعضها في سؤ النوايا تجاه الآخر، ونكران حقه

الإنساني في حرية الاجتهاد و الاختلاف ، وتم التعامل معهم ببطش ووحشية السلطة القامعة القاهرة. مجموعة السعد الثالثة ” الريشة والطائر” قسمها على أربعة أقسام، الأول منها حمل عنوان “شاهدة على قبر فراشة” وهي قصائد مراثي ، يوجهها إلى أعزائه ، وفي مقدمتهم زوجته الشابة التي خَسرتْ كل شيء، بقناعتها وإصرارها ، على أن تربحه، فراسلها بحنوٍ ولوعةٍ وأسى، بعد رحيلها المفجع والذي لم يكن في أوانه:

” كيف تقضين وقتكِ

في عالم اللحظة الجامدةْ ؟

لا أنيس..هناكَ

يُسليك من غربةٍ

لا نهار يشدّ خطاك

وليل يلمُّ

تشتتَ رقدتك

الهامدةْ !!.

هل تحوكين صوف الظلام

لك ارجوحةً

وتناغينَ في الصمتِ

أحلامك الشاردةْ ؟!.

***

دفّأ الله جبهتَك الباردةْ

وعلى صدرك الغضّ

خفّ ثقل التراب

كمم الله أفواه ديدان قبرك

حين تدّب

عليكِ

وعجّلَ مثواكِ

في جنةٍ خالدةْ “.

وكذلك أمه:

” فصرختُ..إلا أيها

الراحلون بأمي ..

خذوني

كلانا مضى

هي للقبر أوسع ممّا عليه أنا

وأنا.. قد بقيت وحيداً

ألوك دخان أساي”.

والبريكان في ليلة مقتله:

“كم حذرتك انكيدو محمود

عن سهمك لا تتخلَّ أمام وحوش الغاب

فالقاتل خلف الباب

وامرأة الحانة خلف القاتل

والموتُ

يسيرُ

إليك

على

قدمَيْ

سكين”!!.

والشاعر عبد الخالق محمود(ابن الشمس):

” أيها القبرُ

كن عاقلاً مرةً .. واتسعْ

لمقام وريث الضياء

شاعر أمهُ الشمس..ماتتْ

فَضَلَ وحيداً.. ومات “!! .

وبعض أصدقائه الذين ذابوا في المعتقلات دون معرفة مصائرهم، وبات بعضهم بسبب الحروب المتعاقبة أشلاء في الأرض الحرام، و لم تجمع حتى اللحظة، ، وبعضهم تناهبتهم الأمراض الفتاكة زمن

الحصار، متحولين إلى ذكرى دائمة و قصائد يتعايش معها يومياً ، لمغالبة غيابهم الأبدي ، وسعى” السعد”،عبر الشعر، إلى الثأر من ذلك (الغياب) القسري.في بعض قصائد (الريشة والطائر) استثمار للبلاغات المجازية مع لغة شعرية بعيدة عن الإطناب والتهويل ، وتتسم بعمق المعنى وبساطته ، ولا ثمة افتعال للغموض و يضيء(السعد) قصائده عبر تجاربه الحياتية،وتحاشي التجريب المصطنع ، و يهندس بعض أشكال قصائده بطابع معاصر يتميز بدقة المفردة الشعرية واللغوية. فوزي السعد من الشعراء الذين يستثمرون تجاربهم شعرياً، وثمة في قصائده تعالق عملي ، فهو يحيا في شعره وشعره يحيا فيه ، وحتى وان أشهره ، فهو يعود له ، مستذكرا بواعثه وأحلامه وتجاربه الخفية – الواقعية التي حولته إلى قول شعري. مذ شب فوزي وهو يواجه التابوات الاجتماعية والسلطوية، محاولا التغلب عليها بقواه الشعرية، والتي هي أسلحة الأعزل من كل شيء في هذا العالم، الفظ ، الصلب، القاسي، اللاعادل، ويحاول” السعد” مواجهته بالشعر وديمومة الحياة، قولاً ودلالة . فوزي السعد: جهد وحاول أن يغير شعره بالحياة ،وليس العكس. ترى هل أصاب في هذه المعادلة ؟. نرى أن هذه أمور متروكة لتقديراته وقناعته بدايةً ، واستجابة القراء، والنقد الذي لا يشغله كثيراً، ما يهمه قناعته ، وممارساته في إنتاج القصيدة بهذا المنحى، والسير فيها إلى مداها الأرحب والأبعد، وبحدود قدراته الثقافية وإمكانياته الشعرية ، التي يفصح عنها في قصائده . الواقع وقسوته ، بدد الكثير من أحلام شبابه، و الحياة روضته شيئاً فشيئاً بعد أكثر من أربعة عقود على ممارساته الشعرية،العلنية، إلا أنها- الحياة ذاتها- أصابته بالخذلان، والانكسار والفقدان. أستاذنا “محمود عبد الوهاب” ذكر مرةً ، في احتفاء خاص، بـ”فوزي السعد”: أن ” الريشة والطائر”حملت عنواناً “تجنيسياً ” من خلال مفردة “شعر” التي وردت على غلاف المجموعة ، و هي “جنس” وكان من الممكن الاستعاضة عنها ، بمفردة ” قصائد ” لأن

الـ”قصائد” منجز لجنس الـ” شعر”.