18 ديسمبر، 2024 10:04 م

الشاعرة نجاح كنعان داوود – ابداع للذات والعام

الشاعرة نجاح كنعان داوود – ابداع للذات والعام

نجاح شاكر كنعان داوود كاتبة وشاعرة لها باع طويل في مجالات الشعر والنثر والخواطر الادبية ، وهي من مواليد قرية دبورية الساكنة في حضن الجليل العام ١٩٥٥، وتسكن حالياً في طمرة الجليلية قضاء عكا .

بدأت نجاح كنعان مشوارها مع الكلمة الشعرية والادبية قبل اكثر من اربعين عاماً ونيف ، ونشرت محاولاتها وتجاربها الشعرية الاولى وخواطرها الأدبية وهي لا تزال على مقاعد الدراسة الاعدادية والثانوية ، وذلك على صفحات مجلة الصغار والشباب ” مجلتي ” المحتجبة التي كانت تصدر عن دار النشر العربي ، واذكر من بواكيرها الشعرية قصيدة ” انت حبيبي ” ، وهي اعتراف بالحب والهيام ، ومناجاة للحبيب الذي عانق روحها وقلبها ، وتعبير عن المشاعر

والعواطف الملتهبة ، فتقول :

احلام كثيرة راودتني

في الليالي الطويلة

ضحكت ..تألمت ..حزنت ..

تأوهت ..

كم انت طويل ايها الليل

ترى هل حبيبي مثلي ساهر ؟

يضحك .. يتألم ..يحزن ..يتأوه حكخ

لم انت قاس ايها الزمان ؟

لم لا تجمع بين قلبين

تعاهدا على الحب والايمان ؟

متى سأراك يا حبيبي

احشائي تتقطع

الآه تضغط انفاسي

تكاد تختقني

لا تدع اليأس يدخل قلبي الحزين

يكفيه أسى وحرماناً وأنين

اقترب يا حبيبي

تعال ..خذ بيدي

انقذني من عذابي

من هواني

كل شيء امام عيخني سراب

نظراتك تبعث الامل في قلبي

صوتك يمحو بصمات القلق

تعال يا حبيبي

اكسر الحواجز وفك القيود و

انقذني فانني في لحظاتي الاخيرة

والليل يزحف من جديد

والظلمة موحشة

هنا في غرفتي انا وحيدة

على سريري الكئيب و

يلفني الغطاء ..يجرحني

يجرحني دون رحمة

ودموعي اذرفها غزيرة

كل ليلة

تحرقني ..تؤلمني

واضيع مع اوهامي في ظل عينيك

اناديك حبيبي

اناجيك حبيبي

كل حرف من حروف اسمك

يحمل معنى

يترك جرحاً عميقاً في كياني

في كل ليلة مع اشتداد الظلمة

انثر اشواقي في العتمة

وابعثها اليك

مع كل نجمة يا حبيبي

محملة بالآخ اليك ك

لانك انت حبيبي

مجلتي عدد ايار ١٩٧٩

اما من خواطر نجاح الحزينة فهي مرثاة لامها التي رحلت عن الدنيا وهي صغيرة السن ، وهو نص مؤثر وموجع وفيه الم ووجعخحخحوحزن واسى وشجن ، حيث تقول : ” بين حروف كل كلمة اترك بقايا دمع في اعماق قلبي .. وفي كل آهة تصعد جرحاً ينزف ..وفي كل لحظة تمر أسكب قطرات حزني في كأس أشربهاً لعلي أثمل وأنسى جراحي ..آه لن أبكي اذ لا وقت لدي للبكاء .. ولن أشتكي ولمن ..؟

الى أن تقول : ” ىحترى أية ريح دهماء حلت بي وأية عاصفة هوجاء عصفت بي ..ونمت أظافري طويلة لكني لم اقتل بها لاني سأحفر بها قبري ..ربما تركتني ..وتركتني لانها احست بحسن جوار غيري..ربما وجدته أفضل ..اتدري من هي …انها ” أمي ” ..وحين تتباعد المسافات وتتناثر بين الخطى الخائفة يهرع الجميع كل الى صدر أمه يصب من حنانه الدافق شفاء وحدته ..وعندما عصفت بي الرياح أخذت أهرع كغيري ولكن لم اجد صدر أمي الحبيبة لاعب من حنانه شفاء وحدتي ..وحاولت مداواة وحدتي بدواء الوحدة التي لا غيرها انيسي وسميري .

كلمات أقولها لك يا أماه يوم عيدك وانت تقيمين هناك …” .

نجاح كنعان داوود تكتب بقلبها ، تغمس قلمها بمداد عاطفتها ، وتنسج حروفها ، وتصوغ تعابيرها وكلماتها فتتدفق عواطف فياضة على الورق .

ما يميز مسيرة نجاح كنعان الشعرية النثرية هو التنوع والتلامس بعمق مع نهر الحياة ، والاقتراب بلغة الشعر من الحياة اليومية بقصائد متنوعة والوان متدرجة في القوة والصدق والاصالة والايحاء .وهي تمتلك زمام السيطرة على اللغة والموسيقى ، ولا تهمها مقاييس اختيار الجملة الشعرية كما استقرت في الاستخدام السائد ، فهي تتعامل مع الكلمة من حيث هي مفردة دون وصف لها .

قصيدة تجاح كنعان داوود انسانية النزعة ، فلسطينية الهوية ، عفوية الصباغة ، مطبوعة العبارة ، قوامها الصورة الشعرية ، وقراءة أشعارها وعناوينها تضعنا مباشرة في قلب العاصفة الروحية بشاعرة يسكنها الوطن مثلما يسكنها الشعر .

قصائد نجاح كنعان هي اغنيات وهمسات وهتافات وجدانية تراوح بين بساطة الصورة وبساطة المعنى ، ممتلئة بالذفء والمشاعر الصادقة ، والصور التي تتمتع بالتجديد

والبساطة الاخاذة الآسرة ، بينما الدفء الكامن في شخص نجاح فهو ما يهب اشعارها ونثرياتها ، وتبعث به الى القارئ ليلتهب به بدوره .

انها قصائد الوجد الذاتي ، والتوهج الشعوري ، والرؤى الانسانية ، والموسيقى الشعرية . وهي مكتوبة بلغة حية تنبض ، لغة كثيفة شفافة ، لغة ناضجة تصبغها الجمالية والموسيقى التي تسحر القارئ وتجعله يتذوق جمالاً سلساً وجدانياً ، وايقاعاً داخلياً. وكأنها نغمات ودندنات موسيقية تبث انغامها والحانها باصداء العبارة لتحولها من نسق ونسغ انسيابي رقيق وعذب الى آخر ، لدرجة تثير النفس الى الأبعاد الايحائية التي تحمله الجملة الشعرية .

تمتاز نجاح بسلاسة الاسلوب وشفافية الرؤية والعاطفة الجياشة المتدفقة ، ونزعتها الوجدانية التأملية الانسانية الواسعة الواضحة ورقة حنينها ، وقدرتها الفائقة على انتقاء المألوف والتركيز على الحدث في شكل لقطات مرئبة خاطفة ، فضلاً عن الانفعال الداخلي العميق النابع من تجارب العصر ومن خلال رؤية انسانية شديدة الحس .

قصائد نجاح كنعان داوود هي خفقات روح ونبضات قلب واحاسيس شاعرة تتميز بالثراء اللغوي والتألق في صياغة الصور الفنية ، وهمسات انسانة عشقت الحياة فرأت العالم كله يسبح في بحر الحب والجمال .

نجاح كنعان داوود شاعرة في كل حين ، تذوقاً وانشاداً ، بوحاً وتعبيراً ، همساً وهتافاً ، رقة وسلاسة ، مبنى ومعنى . يتصف شعرها ونثرها من ناحية الشكل بالاقتضاب والاختزال والاهتمام بالصور البلاغية والايقاع الموسيقي .

والطبيعة عند نجاح هي رفيقة خيالها وملهمتها البارعة ، نراها تترقرق وتتوهج في قصائدها وخواطرها الأدبية ، وفي همسات قلبها وروحها ووجدانها الذي جرى به يراعها الانيق المبدع الشفاف ، فالذي يقرأ مناجاتها لليل وللارض والحبيب يشعر بنشوة عميقة تهز روحه لهذه الصور التي تتواكب امام خياله فيترنم مع نجاح باغاريد الطبيعة الغناء الحنون التي تمسح على جبينها انامل النور ، والتي تجنحها الكتابة بخيوط من نسيجها الرهيف .

ولئن كنا بتجاوب عميق مع التدفق النجاحي الكنعاني الحزين ، وهذه الرقة الذائبة في التصوير وبث الالم ، وتنتشي من طلاوة التعبير وموسيقيته ، فاننا نتساءل برغمنا من أين هذه المعاناة الوجودية وهذا الحزن والشجن ، وهذا الألم والوجع الانساني المتواصل ..؟؟

نجاح كنعان داوود شاعرة لطيفة وناعمة ورقيقة وهادئة ذواقة للفظة الشعرية والعبارة الدالة على معناها وللتعبير الهامس الشفيف ، وخذ من ” نايات الحنين ” ديوانها الأول تحت الطبع ، لترى كيف تنساب الكلمة واللحن في كل نشيد .

اخيراً، نجاح كنعان تحلق بخيالها الخصب الرحب في رحلة شوق وحب وحنين لا احلى ولا اجمل فيمتزجان معاً ، هي وخيالها ، ليرسمان لوحات شعرية ونثرية بوحي الاحساس الصادق والدفق العاطفي الانساني .