22 ديسمبر، 2024 11:40 م

الشائعات – الجزء الثاني

الشائعات – الجزء الثاني

قبل كل شيء يجب ان نعرف الفرق بين الشائعات والاشاعات ،حيث ان في الكثير من الاحيان يجث لبس والالتباس بين المعنيين في التطبيق والاستعمال .

الفرق بين الشائعة والإشاعة

الإشاعة :- هي تضخيم للأخبار الصغيرة، وإظهارها بصورة تختلف عن صورتها الحقيقية، ((فهي إذن أخبار موجودة، ولكن إظهارها بصورة مختلفة عن حقيقتها بالتهويل والتعظيم أصبحت ))«إشاعة».

أمّا «الشائعة» :- فهي ((أقوال أو أخبار أو أحاديث يختلقها)) البعض لأغراض خبيثة ، ويتناقلها الناس بحسن نية، دون التثبت في صحتها، ودون التحقق من صدقها».

الشائعات جمع إشاعة، والإشاعة عبارة عن معلومة أو فكرة أو خبر، ليس لها مصدر موثوق، يتم الترويج لها ونقلها وإذاعتها في صورة شفهية أو مكتوبة أو مصورة عبر مصادر متعددة- من أبرزها مواقع التواصل الاجتماعي والفضائيات والصحف المجندة- بهدف التأثير على الرأي العام لتحقيق أهداف شخصية؛ سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو عسكرية، وتستند الإشاعة في أغلب الأحوال إلى جزء من الحقيقة كي يتم تقبلها، ومن ثم انتشارها وذيوعها على نطاق واسع؛ لتُحدِث أثراً فاعلاً في نفوس الناس.

والشائعات موجودة منذ فجر التاريخ، في مختلف الحضارات والثقافات والمجتمعات، لكنها تأخذ أشكالًا مختلفة ما بين خرافة وسحر وشعوذة وأفكار أو أطروحات رجالات دين وسياسة وحرب وقيادة، وتعتمد على أسباب متباينة بغرض التأثير أو التحكم في الروح المعنوية للفئة المستهدفة، أو للكشف عن مقبولية أمر ما لظروف بعينها؛ لذا قُسِّمت الشائعات لأنماط عديدة وفق معيار الزمن والمصدر والدلالة الوظيفية والجمهور المستهدف.

وَأَوَدُّ الإشارة إلى أهم العوامل التي تساعد على انتشار الإشاعة بل قد يكون العامل الاساسي والرئيسي، ((هو غياب الحقيقة   Absence of truth ))؛ لتصبح الإشاعة بديلاً سهلاً لدى الفئة المستهدفة؛ فمن المعلوم أن إزالة الشكوك والغموض نحو أمر ما يوقف سريان الإشاعة بين أفراد المجتمع، والعكس صحيح، وهنا يتأتى دور المؤسسات الرسمية للدولة في تقديم الحقائق وإعلان الأخبار الصحيحة بشأن ما يثار من شائعات بواسطة المراكز الإعلامية المخصصة لها، كما ينبغي أن يَحدُث تضافر لجهود مؤسسات الدولة في مواجهة الشائعات؛ ليتشكل الوعي الصحيح القائم على معلومات تمثل الحقيقة أو الواقع المعاش.

بينما يمكن ان يُعدُّ تجاهل الغير عاملاً  أساسيًا وفعالاً من عوامل انتشار الإشاعة، وفي المقابل فإن الشراكة في التفكير يُسهم في تقبل النتائج، ويحول دون الأهواء والرغبات الذاتية لدى الفرد والجماعة، ويدحض التخيلات غير المقبولة، وهذ ما ينادي به الرئيس عبد الفتاح السيسي من أهمية مشاركة الناس في قضاياهم وتعريفهم بها وبالتحديات المحيطة وبالصعوبات التي تواجهها الدولة في تحقيق غاياتها النبيلة؛ كي يصبح لدى أفراد المجتمع المناعة ضد ما يطلق من شائعات مغرضة، توحدت غايتها، في الفساد والإفساد، وإن اختلفت مصادرها.

ومن الطبيعي أن يكون القلق بمستواه الفردي والجمعي من العوامل التي تؤدي إلى انتشار الإشاعة، وبالطبع فإن مسببات القلق لا حصر لها؛ فقد يكون مصدره ترقب المستقبل، وقد يكون جراء تداعيات وأحداث معاشة، وقد يكون نتاج خبرة، وقد يكون متبادلًا عبر منابر تستهدف تسريبه في النفوس لأغراض بعينها، وينبغي على القيادات المؤسسية بتنوعاتها ووسائل الإعلام المختلفة أن تعمل جاهدة لبث الطمأنينة بين الناس، بما يساعد في الحد من تداعيات القلق، ويجعل الفرد والجماعة تعمل دون ضغط تسببه قلاقل لا أساس لها ولا جدوى منها، وعليه تصبح البيئة المجتمعية محصنة من الشائعات المغرضة، ومن ثم تمتلك العزيمة للجد في العمل دون كلل أو ملل أو إحباطات بتبايناتها.

ولاريب في أن مروجي الإشاعة يستغلون، في كثير من الأحيان، سذاجة المتلقي، وبالأحرى عقلية القطيع، في نشرها، وهذا ما يؤكد أهمية تنمية الوعي الصحيح لدى المواطن تجاه ما يحدث وما يتم القيام به وما يُنجز على أرض الواقع، وتنمية الوعي ليس مهمة وسائل الإعلام فقط، بل سائر مؤسسات الدولة، الرسمية وغير الرسمية، تُسأل عن ذلك، عملاً بتعضيد الثقة بين المواطن ومؤسسات وطنه، ومن ثم ينمو الولاء والانتماء في النفوس التي تمتلك الوعي السليم.

وبما لا يدع مجالاً للشك، فإن انتشار الإشاعة يزداد بتنامي التردي الاقتصادي والاجتماعي؛ حيث البطالة والبيروقراطية بأشكالها المتباينة، وفي هذا الصدد يتوجب على الدولة العمل على تدشين المشروعات ذات الطابع القومي التي تعكس تقدماً في المجالات المختلفة، ويتوقف نجاحها في مشروعاتها على تركها للبيروقراطية بكل صورها، ومشروعات الجمهورية الجديدة القومية تعد نموذجاً يُحتذى به في بتر الشائعات المغرضة التي تستهدف زعزعة الاستقرار في البلاد من خلال نزع الثقة في قيادتها السياسية.

وجدير بالذكر أن تنمية التفكير المنطقي خير سبيل للحد من تنامي التفكير الخرافي بين أفراد المجتمع، والذي يُسهم بقوة في نشر الإشاعة؛ فقد أضحى قبول الأفكار الجزئية أو الكلية دون ثبات صدقها أو فعاليتها أمر غير مقبول، لأن الدلائل تعد مؤشراً مهماً في إيقاف سيل الأفكار التي تشكل نتاجًا غير صحي لإشاعة مغرضة في جملتها؛ لذا لا ينبغي أن تصدر أحكامنا بسرعة أو بصورة جزافية، بل يتوجب الاستناد على الشاهد والدليل؛ لبرهنة ما نصل إليه من قناعات، ومن ثم نصدر الأحكام الصحيحة التي تساعد في البناء، وتقوية العزيمة نحو النهضة، لا الهدم والتشويه.

وفي ضوء ما ذُكِر نجد أن الشائعات تذوب ذوبان الجليد في حر الصيف، حال امتلاك المجتمع الوعي الصحيح الناتج عن المعرفة، ومطالعة الحقائق، والشراكة في إحداث نقلة نوعية بمجالات الحياة العلمية والعملية والمعيشة، وفق آليات للتفكير الجمعي تعتمد على أدوات البحث العلمي، مما يُسهم في ازدياد الثقة نحو بلوغ مستقبل يحمل بين طياته الخير، برغم ما قد يواجهه من تحديات محلية أو عالمية.

عوامل انتشار الشائعات :

أولا: الشك العام يقول مونتغمري بلجيون ( يتوقف سريان الشائعات على الشك والغموض في الخبر أو الحدث، فحينما تعرف الحقيقة لا يبقى مجال الشائعاتالشائعات التي هي محاولة لتبادل العلم بالواقع ومشكلاته في ظل نظام اعلامى يحاول الحيلولة دون هذه المعرفة، لذا يعتبر بعض الباحثين أن الشائعات هي مجرد “بديل ” يعوض غياب الحقيقة الرسمية. فالشائعات تنتشر، عندما تتوقف المؤسسات – التي من المفروض أن تقدم الخبر المضبوط – عن مهامها الحقيقية.

ثانيا:إشراك المتلقي في التفكير في النتائج مما يفتح أمامه فضاء من التخيلات لا تخضع إلا للرغبات والأهواء.

ثالثا:القلق الشخصي.

رابعا:سرعة تلقي الشائعات أو سذاجة المتلقي أو عقلية القطيع.

خامسا:الترقب والتوقع، وعدم الاستقرار وعدم الثقة.

سادسا:وجود أجواء التوتر النفسي التي تخيم على المجتمع.

سابعا:سوء الوضع الاجتماعي والاقتصادي.

ثامنا: الفراغ الناتج من تفشي ظاهرة البطالة الظاهرة والمقنعة ،ومن أشكال الاخيره البطالة المقنعة بأوراق البيروقراطية،ممثله في وجود موظفين لا يعملون شيئا إلا البقاء في مكاتبهم  لتبرير قبضهملمرتباتهم ،وتعطيل الموظفين العاملين المنتجين فعلا.

تاسعا:شيوع أنماط التفكير الخرافي القائم على قبول الأفكارالجزئيه دون التحقق من صدقها أو كذبها بأدلة تجريبية والاسطورى القائم على قبولالأفكارالكليه دون التحقق من صدقها أو كذبها بأدلة منطقيه.

عاشرا: شيوع  ظاهره الحرمان الادراكى،ومضمونها تداول الناس فى المجتمعات المغلقه لمجموعه محدوده من المعارف، وممارسه عادات نمطيه متكرره ،غارقين فى بركه راكده من الحياه الممله غير المتصله بمجريات الحياه خارجها( د.عصمت سيف الدوله،مذكرات قريه،دار الهلال ، 1995 ، ص174 -175)،وهنا يصبح اطلاق الشائعات وتلقيها محاوله لايجاد جديد.

مراحل انتشار الشائعات:

أولا: مرحلة الإدراك الانتقائي:إي إدراك الحدث أو الخبر من جانب شخص أو عدة أشخاص،ويرجع اهتمام هؤلاء بالحدث أو الخبر لمغزاه الاجتماعي في نفوسهم.

ثانيا:مرحلة التنقيح بالهدف والإضافة:وذلك حتى تتلاءم العناصر المكونة للشائعات مع بعضها البعض من جهة، ومن ثقافة المجتمع من جهة أخرى.

ثالثا:مرحلة الاستيعاب النهائي والانتشار:وذلك بعد أن تكون مستصاغة، سهلة الاستيعاب، متوافقة مع المعتقدات والأفكار والقيم السائدة في المجتمع.

ويخضع انتشار الشائعات لشرطين أساسيين هما:

1. أهمية موضوع الاشاعه
2. وغموضه .

كما ان هناك تناسب طردي بين ازدياد فرصه انتشار الشائعات وكل من العوامل التالية:-

ا/ الانسجام بين شكل الشائعات وصياغتها.

ب/ استعداد الوسط