[ القبيلة والدولة ] :
من أهم ما قرأته وعجبني حول إشكالية القبيلة – العشيرة والدولة وسلبياتها الخطيرة على شكل النظام الصالح والعادل وعائق كبير في تطبيق مباديء العدالة الإجتماعية بين المواطنين في البلاد ، هو التالي :
[ تبدأُ الدولة حين تنتهي سلطة القبيلة ، وتبداُ القبيلة حين تنتهي سلطة الدولة .
فالوجود المزدوج للسلطتين : القبيلة والدولة ، هو وجود للتنافي المتبادل بينهما ، وهو تنافٍ لا بد من ترجُّحه في كفَّة الدولة التي تتحقق بها الوحدة الوطنية والإنتظام الإجتماعي المُعبِّر عما فوق القبيلة ، وإلاّ حدث النكوص الى ما قبل مرحلة الدولة الوطنية ، وما قبل المدينة في التاريخ الإنساني ] ! .
يُنظرجريدة ( مكة ) ، بتأريخ 14 / أكتوبر / لعام 2015 ، مقالة [ القبيلة والدولة ] بدون ذكر إسم الكاتب ! .
ذلك ما نشاهده في الكثير من بلدان الشرق من التوازي في السلطتين المتنافرتين والمتناقضتين كلٌّ للأخرى ، وهما سلطة القبيلة – العشيرة مع سلطة الدولة وتزاحمها من جميع النواحي ، بل إنها ، أي سلطة القبيلة – العشيرة والعائلة هي السلطة الأعلى والأعمق نفوذاً وتأثيراً في العديد من البلدان ، مثل إقليم كردستان / العراق ، مع إن هذا الإقليم ليس بدولةٍ رسميةٍ على صعيد الأمم المتحدة والعالم بشكلٍ عامٍ ، وهومازال تابعٌ رسمياً وإدارياً وجغرافياً للعراق مُذْ بدايات القرن العشرين المنصرم ، مضافاً إن الحزبية بوحدها أو بموازاة القبيلة – العشيرة هي التي بيدها ناصية الأمور والسياسة بعيداً عن مباديء العدل الإجتماعي والديمقراطية والقانون الذي أصبح كله لعبةً بيد الحكام الذين يستندون في حكمهم ، أو بالأحرى سلطتهم على القبيلة ، أو الحزبية المتزمتة والمتطرفة ، أو بشكل مزدوج في إدارة شؤون البلدان والشعوب ، ومن ذلكم البلدان الإقليم والسعودية والعراق وغيرهم من البلدان المشابهة ، هي أبرز النماذج لهكذا سلطة مستبدة التي تستبد وتحتكر حكم الشعوب ومصائرهم ، وتحيف بثرواتهم وخيراتهم الوطنية لأجل عوائل متسلِّطة بالحديد والنار ، وبالزيف والتزييف والدجل ، وذلك بالتفنن في شتى وأعتى صنوف الدكتاتورية والسلطوية والإستبداد والقهر والبطش الّلامحدود .
لا شك بأن العامل المذكور هو أحد أهم وأبرز العوامل في عدم تمكن الشرق من تحقيق نهضة إجتماعية وفكرية وسياسية وإدارية وآقتصادية وصناعية وصحية وغيرها من مجالات الحياة وتعثرها . ذلك إن الحكم العادل والصالح المستقل في إرادته وسيادته وسياسته له أهميته الكبرى والمميزة والمركزية في تحقيق النهضة المجتمعية الشاملة بجميع نواحيها في البلدان .
على ضوء هذه المقدمة الموجزة نقول : لعله لم يَدُرْ في خَلَدِ المؤسسين الأوائل ذوي التعليم العالي والثقافة المتنوعة في الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي تأسس عام 1946 من القرن الماضي ، أمثال صالح اليوسفي وميرحاج عقراوي والدكتور جعفر كريم وعلي عبدالله وغيرهم بأن هذا الحزب الذي تأسس بآسم الديمقراطية أن يصبح فيما بعد ، وفي جميع مراحله التاريخية اللاحقة أيضاً حزباً قبلياً – عشائرياً وعائلياً وسُلْطوياً خالصاً ، وحزباً دكتاتورياً وقمعياً ، حيث يتم حصر رئاسته ومفاصله الأساسية لقرن تقريباً داخل عائلةٍ واحدةٍ فقط ، وهي العائلة البارزانية التي أضافت الى آحتكاريتها للحزب رئاسة إقليم كردستان والحكومة في الإقليم وسائر المفاصل الإدارية والإقتصادية والتجارية والإعلامية وغيرها منذ عام 2005 ولحد اليوم ، وبحسب العوامل المذكورة الهامة جداً تم نعت الحزب الديمقراطي الكردستاني ووصفه بتسمية [ حزب البارزاني ] إذن ، فالعائلة البارزانية منذ عقود خلت خَطَّت خُطاها في فرض وتجذير مشروع التوريث السياسي للرئاسة والحكم والحكومة والبرلمان وسائر المؤسسات في إقليم كردستان / العراق لها حصراً وحكراً .
الحقيقة الساطعة مثل سطوع الشمس في رابعة النهار ، هي إن حزب البارزاني في طول تاريخه ، أو بالأحرى السلطة البارزانية الحاكمة في إقليم كردستان / العراق لا تتعامل مع المخالفين والمعارضين لها في الرأي والسياسة إلاّ من خلال الرفض الكامل والعنف والقمع والقسوة المفرطة والإغتيال والتصفية الجسدية للعلماء والكتاب والصحفيين والمثقفين أمثال الدكتور عبدالستار طاهر شريف والدكتور نافع عقراوي والدكتور هشيار إسماعيل ورؤوف كامل عقراوي وودات حسين ، وذلك بشتى الطرق والوسائل ، وإن لم يكن البعض منهم متواجداً في إقليم كردستان / العراق فإنها تحاول تصفيتهم في البلدان التي يقيمون فيها ، أو من خلال وشايات إفترائية وتقارير كاذبة ملفقة لشتى التهم الى مخابرات الدول ، مثل أوربا والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها ، وذلك كما جرى لكاتب هذه المقالة حيث أرسلت مخابرات الإقليم المركزية تقريراُ إفترائياً خطيراً ضدي عام 2004 الى وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ، مضافاً إرسالها جدولاً متضمناً لأسماء ( الإرهابيين ) بزعمها في الشرق الأوسط الى القيادة المركزية للجيش الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط . التقرير الثاني أفشاه لي الدكتور محمد إحسان الوزير الأسبق لحكومة الإقليم في وزارة نيجيرفان البارزاني حين زيارته للولايات المتحدة الأمريكية في صيف عام 2008 ، حيث آلتقينا معاً في مدينة سان دياجو / ولاية كاليفورنيا الأمريكية ، ولي معه صداقة لكوننا في السابق ، في حقبة التسعينيات الماضية كنا ننشر معاً المقالات والبحوث في مجلة [ دراسات كردستانية ] التي كانت تصدر في السويد برئاسة الباحث الكردي وصديقي أيضاً الدكتور خالد يونس خالد . أما التقرير الثاني فقد أفشاه لي الأمن الأمريكي المعروف آختصاراً بال[ إف بي آي ] الذي حقق معي وآستجوبني ثلاث مرات صيف عام 2005 ، حيث قال لي بالتالي : لم يكن التقرير الذي بعثه لنا مخابرات حزب البارزاني ضدك إلاّ آتهاماً كيدياً وكذباً وزوراً وأنتَ بريءٌ مما آتهمتَ به ، ونحن نأسف لذلك والأخذ من وقتك لثلاثة أيام ! .
كما إن الحزب – السلطة البارزانية ترى إن كل شيءٍ ممكن ومباح ومشروع لها في إستمرارية سلطتها وسلطويتها القبلية المستبدة والإستعبادية على الشعب الكردي حتى إن كان متناقضاً ، كل التناقض مع قيم العدالة والديمقراطية والإنسانية ، ومع قضية الكرد وكردستان المغدورة ومصالحهم السياسية والإقتصادية والإدارية والقومية والوطنية .
تأسيساً على ماورد فإن مصير هكذا سلطة إستبدادية وقمعية وجائرة الى الزوال عاجلاً أم آجلاً ، لأنها تتناقض مع العدالة والحكم السويِّ المنصف ، والسلطة البارزانية قد وصلت الى أعلى مراتبها في الدكتاتورية والإستبدادية والإستعبادية والإستهانة بقيم العدل والديمقراطية ، وبالشعب الكردي وحقوقه المشروعة ومقدراته وكرامته في إقليم كردستان / العراق . لهذا فإن الشعب الكردي اليوم في حالة آنتفاضة شعبية وغليانٍ شعبيٍّ ، في شتى مدن الإقليم على ما آلت اليه أوضاعه من بؤسٍ وشقاءٍ ومظلومية وتعاسةٍ بسبب دكتاتورية وجورية السلطة البارزانية ، كما الطالبانية أيضاً في محافظتي السليمانية وكركوك .