23 ديسمبر، 2024 6:35 ص

السيناريو المتوقع لتحرير مدينة الموصل واستشراف  أزمات ما بعد التحرير

السيناريو المتوقع لتحرير مدينة الموصل واستشراف  أزمات ما بعد التحرير

الولاياتُ المتحدة تقود التحالف الدولي لمواجهة داعش والمتكون من  63 دولة إضافة اليها والعراق . هذا التحالف و بحسب المتحدث باسمه ستيف وارن يتكون من  5600 عسكري  في العراق هم 3600 عسكري أميركي و2000 آخرين من دول اخرى ، بدعوة من الحكومة العراقية ، وهدفهم توفير التدريب والدعم والمشورة.
تتحدث الولايات المتحدة عن بدء الاستعدادات لمعركة تحرير الموصل، على الرغم من وجود إقرار غربي بأنّ هذه المعركة ستكون معقدة وصعبة، وتحتاج إلى وقت طويل للتهيئة لها، وهو ما أشارت اليه صحيفة ناشيونال إنتيريست الأمريكية مطلع الشهر الجاري من أن عملية استعادة الموصل من قبضة تنظيم “الدولة” تواجه تعقيدات خطيرة، أهمها غياب الاستراتيجية المشتركة بين حكومة بغداد وأربيل وواشنطن.
الا ان المعطيات شبه المؤكدة التي ترسم ملامح هذا السيناريو تتحدث عن  قرب انطلاق عملية التحرير ، بل وعن مستقبل داعش في المنطقة بعد انتهاءها ، فقد أكد من جانبه ” جوليان أسانج  ” مؤسس ومدير موقع ” ويكيليكس ” الشهير بتأريخ  10 / 12 / 2015 , بأن ما يسمى بالدولة الإسلامية  ” داعش ”  سيصبح قريباً أثراً بعد عين , وفي غضون ستة أشهر , وأن السؤال يكّمن حسب زعمه : ماهو أو كيف سيكون مصير الزمر الإرهابية الناشطة والداعمة والممولة والمؤيدة له ؟
من وجهة نظري المتواضعة ومن خلال الرجوع الى عشرات الدراسات والتحليلات والتصريحات والخطابات المتعلقة بموضوعة تحرير الموصل من تنظيم داعش الإرهابي فقد توصلت الى انها سوف تعود مثلما عاد قضاء سنجار قبل عدة أشهر بعمليات قتالية محدودة وضمن خطة أميركية تنفذها برياً القوات المسماة بالتحالف الاسلامي ، هذه البوات التي بدأ إلتئامها قبل أسابيع من قوات دول مختلفة ، ووصول طائرات سعودية الى قواعد تركية وتصريحات المملكة بنيتها إرسال قوات التحالف الاسلامي الى سوريا. ومن بين قوات التحالف الاسلامي سيكون للقوات التركية حجم اكبر ودور اوسع ،  وهو ما دعا تركيا الى ارسال قوات عسكرية الى أطراف مدينة الموصل وتحديدا الى معسكر ” زليكان” منذ مدة ليست بالقصيرة وإصرارها على البقاء في هذا المكان رغم مطالبة العراق لها بالانسحاب ومن ثم تدويل القضية من خلال مناقشتها في مجلس الأمن الدولي وجامعة الدول العربية. اصرار  تركيا على البقاء  جاء على لسان  رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو، الذي أكد على رفض بلاده سحب قواتها من الاراضي العراقية ، بل قيام أنقرة في الآونة الاخيرة بإرسال قوة عسكرية جديدة إلى ناحية بعشيقة التابعة لمدينة الموصل، عن طريق البر، لاستبدال وحدتها العسكرية السابقة هناك ، إذ قال  أوغلو خلال مؤتمر صحفي إن “قواتنا لن تنسحب من العراق حتى القضاء على تنظيم داعش وتحرير مدينة الموصل”.
ما يدعم رؤية التحرير بلا مقاومة واسعة  هو اعلان بعض خطباء مساجد الموصل الجمعة الماضية بأن تنظيم داعش الإرهابي سوف ينسحب من الموصل قبل مهاجمتها ، مع عدم تناسي أن القوات الهجومية لإستعادة الموصل ستواجه صعوبات في السيطرة على المدينة التي عزّز تنظيم الدولة زرعها بحقول الألغام والمباني الملغمة. فبحسب بلاغ لجهاز الامن الوطني أعلن فيه ان تنظيم داعش يعمل على تفخيخ شوارع وجسور رئيسية في الموصل،بهدف تفجيرها لدى تقدم القوات المحررة للمدينة.
 كذلك فان عملية انتقال عناصر من داعش الى ليبيا والحديث عن نقل عاصمة الخلافة الى سرت يكشف عن حقيقة  الشروع بتطبيق الخطة الاميركية للتحرير والتي هي لا تعدو كونها طريقة اخلاء لتبديل صفحة سابقة أدارها عناصر داعش بصفحة لاحقة سوف تديرها قوات التحالف الاسلامي وفي مقدمتها الأتراك اضافة الى قوات البيشمركة  الكردية مع مشاركة شبه رمزية لقطعات منتخبة من الجيش العراقي والتي سوف لن تتوغل  كثيرا او تستقر في داخل المحافظة .
   وفي نفس الوقت فإن الخطة التي رسمتها الولايات المتحدة  تعمل على إعطاء دور واسع  لقوات البيشمركة الكردية في عملية استعادة الموصل وبخاصة في مناطق الأطراف الشرقية والشمالية التي يطمع الأكراد بالاستحواذ على مناطق واسعة منها بدعوى انها كردية وتقطنها أغلبية من الكرد ، وقد حرص وزير الدفاع الأمريكي أشتون كارتر خلال زيارته لأربيل قبل مدة قصيرة بالتذكير بالدور المعول عليه لقوات البيشمركة المفترض في المعركة القادمة بقوله : «لقد كانت البيشمركه الكردية ما نبحث عنه بالضبط في هذه المعركة في العراق وسوريا، وهي قوة قادرة وذات دوافع يمكن تفعيلها ».
وقال وزير الدفاع ان قوات البيشمركه تلعب دورا رئيسيا في استعادة الموصل، ثانى أكبر مدينة عراقية، من الجماعة المتطرفة ولكنه لم يقل كيف سيتم ذلك. فيما أصر على ان الولايات المتحدة تسلح البيشمركه ، مشيرا إلى ان الولايات المتحدة سترسل قطعا عسكرية ومعدات لدعم محاولة استعادة السيطرة على الموصل، و إن واشنطن تقدم أكثر من ذلك للقوات الكردية ناهيك عن مساعدات الدول الأخرى ولكنهم كما أضاف « يستحقون ذلك بسبب فعاليتهم في القتال على الأرض».
وهذا الدور مدعوم ايضا من قبل أنقره حتى في مجال التدريب الذي يعد أحد الحجج التي تتذرع بها تركيا للتواجد في الاراضي العراقية !! وهو ما جاء على لسان رئيس الوزراء التركي بالقول :  “سنواصل تدريب قوات الحشد الوطني العراقية وقوات البيشمركة”.
سيكون هناك ايضاً خليط من مقاتلين في مناطق حول الموصل بقوات محدودة التجهيز والتدريب تسمى بالحشد الوطني من أبناء الموصل الذين يقطنون خارج المحافظة . يشير مركز كارينجي الامريكي الذي يتخذ من الدوحة مقرا له ، انه في أوائل خريف العام 2014، باشر مسؤولون حكوميون بإنشاء معسكر “قوة تحرير الموصل”، وتمكنوا من استيعاب حوالي 4500 متطوع، معظمهم من عناصر الشرطة السابقين الذين فقدوا وظائفهم وفرّوا خارج المدينة. وبحلول مطلع العام 2015، بلغ عدد المسجّلين حوالي 10 آلاف ، فيما أعلن التحالف الدولي مؤخراً عن المباشرة بتدريب نحو 20 ألف مقاتل من أبناء ما درج الاحتلال الأميركي على دعوته “العشائر السنية” ليكونوا جزءاً من القوة المقاتلة لتنظيم “داعش “. 
دور القوات الأميركية التي سوف تشارك في هذه العملية سيكون مهما جدا ولكن بصفة ساندة في الأغلب ، وبخاصة عن طريق الجو ، وهو ما أعلنته وزارة الدفاع الأميركية من أنّها ستبدأ في نشر الفرقة 101 المحمولة جواً ، أواخر شباط/ فبراير الجاري علماً أنّ مصادرَ عسكرية عراقية أعلنت أنّ نشر 1800 عنصر من هذه الفرقة بدأ بالفعل، في قاعدتَي “عين الأسد” و”الحبانية” في محافظة الأنبار.
الاستعدادات التعبوية للمعركة تشير الى ان إنجاز المهمة سيكون بين حزيران وآب من هذا العام ، قبل حلول شهر رمضان من جهة وقبيل موعد الانتخابات الاميركية التي من المقرر ان تجري في تشرين الثاني من هذا العام ، مع ان الشروع بالعملية بدأت من خلال القيام بهجمات تمهيدية في أطراف الموصل الشرقية على تواجد لعناصر من داعش ومواقعهم في هذه المناطق لجس النبض واختبار قدرات عينات من قوات الحشد السني والبيشمركة وبإسناد من التحالف الدولي من الجو، كذلك قيام الطيران الأميركي بتدمير عدد من المصارف في الموصل رغم ان الاخبار تشير الى انها خالية من الأموال بعد ان نقلها الدواعش الى جهات غير معلومة  وكأنها مناورات أولية ودق جرس لبدء العملية.
هنا، ينبغي القول إنّ طبيعة معركة الموصل ستكون معركة أميركية المنهج والتكتيك ، بمعنى انها ستكون تطبيقاً  للإستراتيجية التي أعلن عنها الرئيس الأميركي باراك أوباما، والتي تقوم على ثلاثة أركان رئيسة، هي: الغارات الجوية الكثيفة، والاعتماد على قوات خاصة محدودة (مع إمكانية تنفيذ مهمات نوعية خاصة ومحددة)، ودعم قوات محلية وتأهيلها لخوض المعارك البرية والسيطرة على الأرض التي يترك الخصم.
وضمن السياسة الاميركية لتخويف وتهديد من قد يعارض خططها في سبيل إنجاز هذه العملية فانها بدأت مرة اخرى بالحديث عن خطر انهيار سد الموصل وإغراق اجزاء كبيرة من العراق قد تتجاوز العاصمة بغداد الى محافظات اخرى في الفرات الأوسط . ومن اجل ذلك اقترحت مشاركة إيطالية لتثبيت قدم لحلف الناتو بعد التواجد التركي في بعشيقة
ومن خلال ارسال مايقارب من  5000 جندي تحت ذريعة حماية شركة إيطالية تعمل على صيانة وترميم السد. ستبقى مسألة التهديد بانهيار السد كارت احمر بيد الولايات المتحدة لإخافة الجميع بالتزامن مع عملية التحرير .
ما سيعقب تحرير نينوى ، يبدو للاسف الشديد بأن مخرجاته ستكون  أسوأ من احتلال المدينة  ، فهنالك احتمالية كبيرة بأنها ستشهد موجات كبيرة من النزوح السكاني يتزامن معها نقص وشحة كبيرة في الاغذية والادوية ،  حيث ان الممرات الانسانية لعبور  النازحين سوف تكون باتجاه إقليم كوردستان فقط ، وهو ما لا يستطيع الاقليم استيعاب اكثر مما هو عليه الآن. كذلك فان تدمير البنى التحتية للمدينة نتيجة الغارات الجوية والقصف المدفعي أكثر منه بسبب حرب الشوارع في المدينة ستكون اكثر رجحاناً، إذ أشرنا الى أنها سوف تكون بدون قتال يعتمد على مواجهات لمدة طويلة كما يحدث منذ اكثر من سنة في الانبار والمدن التابعة لها.وتعمد تدمير المدن التي جرى فيها قتال خلال العامين المنصرمين مثل صلاح الدين والانبار واجزاء من ديالى وبابل وكركوك ، جميع ذلك  يعد ضمن استراتيحية اميركية لتدمير البنى التحتية للمدن العراقية ،  اذا ما علمنا ان الوسط والجنوب هو شبه مدمر أصلا وبلا بنى تحتية حقيقية منذ عهد النظام السابق ، وهذا التدمير يصب في خدمة ومصالح اسرائيل أولاً ، وحيث ان اعادة الإعمار سوف تحتاج الى سنوات طويلة تشغل أبناء هذا البلد وتستنزف اموالها التي تعتمد على النفط بنسبة  تصل الى  95% من الموارد.وهو نفس المخطط في تدمير اغلب المدن في سوريا واليمن وليبيا ، ما يجعل اسرائيل في مأمن من المخاطر لسنوات طوال قادمة. 
أما النتيجة الثانية بعد تحرير الموصل من يد تنظيم داعش ،  فإن الخطط الغربية تنبؤ بأن تخرج صلاح الدين والانبار من سلطة الحكومة لتثبيت خارطة المناطق المقسمة أصلا ضمن المخطط الأميركي للتقسيم وتثبيت قوات التحالف الاسلامي فيها.
والنتيجة الثالثة سوف تفضي الى منح أقضية ونواحي لإقليم كوردستان من محافظة نينوى  ، اضافة الى تثبيت اقدام الأتراك في الموصل وبالأخص من خلال مكافأتهم بإعادة بناء المدينة التي قد تستغرق سنوات طويلة مقابل أموال طائلة دون ان تحصل على أراضي من المحافظة  التي ليس لديها حدود مع تركيا ، بسبب ان ذلك لا يقع ضمن الخطط الغربية لإعادة رسم حدود خارطة المنطقة ، حيث ان  الانتهاء من الخطوات الثلاث اعلاه سيكون بإعادة رسم هذه الحدود من جديد على أنقاض حدود معاهدة سايكس بيكو وبمناسبة مرور 100 عام على اعتمادها.
اما النتيجة الاخطر بعد عملية التحرير وعزل البلد الى كانتونات ، ولا أقول التقسيم لانه سيكون خطوة لاحقة ،  فهي  تتمثل في إنشاء قوات عسكرية لكل مدينة من المدن المحررة وضمن إطار الاستراتيجية الاميركية على غرار ما أطلق عليه  ( قوات الحرس الوطني ) ، الذي لم يقم مجلس النواب بالمصادقة على قانونه، وهو ما مغشى ان يفتح الباب لصدامات لا تحمد عقباها بين الأقاليم والمدن والكانتونات  المزمع إنشاءها ، وهذا المخطط  يقع أيضاً ضمن المخططات الغربية المرسومة منذ مؤتمر كامبل بنرمان الذي بدأ في 1905 وبقي مستمرا حتى 1907 , والوثيقة الصادرة عنه ، مروراً بوعد بلفور 1917 وما تلاه من توجه الدول الكبرى في مؤتمر فرساي 1919 الى تقسيم دول العالم فيما بينها ، وما جاء ايضاً في معاهدتي سانت ريمون وسيفر 1920 . وقرار تقسيم فلسطين الصادر عام 1941 , والشروع بالتقسيم في 1948. وما تلى هذه السنوات من حروب  ضد العرب او عربية -عربية لم تتوقف حتى يومنا هذا ، وهدفها الرئيس عدم استقرار المنطقة العربية ووضعها في أتون حروب وصراعات وتوترات لا تتوقف ، من أجل ضمان أمن اسرائيل ،واستنزاف الثروات العربية وفي مقدمتها النفط والتمكن في السيطرة الجيوستراتيجية على المنطقة الأكثر أهمية جغرافياً  في العالم ،  وهو ما صرح به موشي ديان منذ عدة عقود بالقول انني لن يرتاح لي بال الا بدخول العرب في صراعات وخصومات فيما بينهم ، وهو السبيل الوحيد لجعل اسرائيل تعيش آمنة مستقرة .