18 ديسمبر، 2024 6:54 م

السيناريو الأمثل أمام الإدارة الأمريكية لحسم صراعها مع ايران وأذرعها لصالحها في العراق في الأمد البعيد

السيناريو الأمثل أمام الإدارة الأمريكية لحسم صراعها مع ايران وأذرعها لصالحها في العراق في الأمد البعيد

طال الصراع واحتدم بين الولايات المتحدة الامريكية وإيران واقترب في بعض الأحيان الى المواجهة العسكرية المباشرة ولكنها محسوبة لكي لا تكون حرب شاملة في المنطقة . ان العداء والصراع بين البلدين قديم منذ عام ١٩٧٩ بعد تغيير نظام حكم الشاه في إيران الى نظام ولاية الفقيه بمجيء الخميني الى السلطة . والى جانب هذا الصراع الدائم بين البلدين فإن الولايات المتحدة الأمريكية تواجه مشاكل وتحديات اخرى في منطقة الشرق الأوسط في مقدمتها مشاكل نظام الحكم في العراق وتأثير الأحزاب والمليشيات المسلحة الولائية لإيران في قرارات الدولة عموماً وتوغل التأثير الإيراني في معظم مفاصل الدولة التشريعية والتنفيذية ولربما القضائية أيضاً ، يضاف الى ذلك المشاكل المعقدة التي تواجهها الادارة الأمريكية في سوريا وكذلك التزامها إتجاه بعض دول الخليج ودعمها في مواجهة التأثير الإيراني في المنطقة خصوصاً في حرب اليمن . أما المشكلة اللبنانية وتأثير حزب الله اللبناني التابع لولاية الفقيه في إيران فهي تمثل تحدي للإدارة الأمريكية في كيفية حماية الحليف الدائم لها في المنطقة وهي دولة إسرائيل . إن الإدارة الأمريكية على قناعة تامة بان جميع هذه المشاكل والتحديات منشأها إيران وفلسفة نظام حكمها المبني على مبدأ تصدير التشيع فيها الى خارج إيران وذلك من خلال عملائها وأذرعها الولائية في هذه الدول خصوصاً تلك التي أنشأت لها ميليشيات ومجموعات مسلحة يشرف على تنظيمها وتسليحها وتمويلها الحرس الثوري الإيراني الذي يعتبر التشكيل الأساسي المسلح بشكل كامل والمسؤول عن حماية نظام ولاية الفقيه وبقائه ، وأصبح من الواضح جداً مدى التوغل الإيراني وتأثيره في سياسات الدول المذكورة بالأخص العراق وسوريا ولبنان واليمن لتضمن أهدافها الرئيسية وهي نشر التشيع وفق نظام ولاية الفقيه وتعزيز قدراتها العسكرية للتحكم بمنطقة الخليج ومنطقة الشرق الأوسط وتصفير التواجد الأمريكي وتأثيره في المنطقة من خلال الضغط عليه سياسياً بتوجيه مواقف الدول الخاضعة للتأثير الإيراني ضد السياسات الأمريكية بالمنطقة من ناحية وعسكرياً وذلك من خلال إستهداف المصالح الأمريكية في المنطقة من خلال أذرعها المسلحة . وأمام هذا التعقيد في المشهد الجيوسياسي واجهت الإدارة الإمريكية الحالية مواقف صعبة ومحرجة في بعض الأحيان للتعامل مع هذا الصراع المحتدم ولجأت الإدارة الأمريكية لإحتواء هذا الصراع بتغيير قواعد اللعبة على أمل أن يؤدي ذلك الى تحجيم إيران وتأثيرها في المنطقة وضمان مصالح أمريكا وتواجدها فيها . ووفق هذا النهج قامت الإدارة الأمريكية بإلغاء الإتفاق النووي من جانبها والمتفق عليه بين إيران والدول الست مما أجج حالة التوتر بين البلدين أعقبها فرض عقوبات إقتصادية شديدة على إيران للتأثير على إمكانياتها المالية وإستمرار تشديد العقوبات على أمل أن يؤدي ذلك الى تراجع إيران في سياساتها المتعلقة بالإتفاق النووي من ناحية وتحجيم تدخلاتها في شئون الدول الأخرى التي للولايات المتحدة الأمريكية مصالح فيها . وإعتقدت الإدارة الأمريكية بان سياستها هذه ستحقق أهدافها بل أكثر من ذلك فإن العقوبات الإقتصادية الصارمة ستؤدي الى عجز إقتصادي كبير يؤدي الى إستياء شعبي ومن ثم سقوط النظام . وهنا أخطأت الإدارة الأمريكية في قراءاتها للمشهد السياسي والإجتماعي والتاريخي والسايكولوجي في دول الشرق الأوسط ، ولم تدرك تماماً طبيعة مجتمعات هذه المنطقة والعوامل الكامنة المؤثرة كلياً في ثقافات وسلوكيات مجتمعات دول هذه المنطقة ، فهي مجتمعات ما زالت متخلفة في العموم حضارياً ومؤمنة بسلطة الدين والمذهب في تنظيم حياتها ومصدر مواقفها وقراراتها ومحكومة جذرياً وتربوياً بالعادات والتقاليد والغيبيات والسلوكيات التي ترسخ الشعور بالتبعية والخنوع والخضوع وتمجيد الشخوص وتنعدم في أوساطهم ظاهرة إحترام الذات والإعتزاز بها، فهي حالة عامة وليست مطلقة ، فهناك فئات متحضرة ومدركة ومثقفة وواعية إلا إنها غير مؤثرة أمام الجموع المتخلفة . ووفق هذا الواقع لمجتمعات دول المنطقة فقد إرتكبت الإدارة الأمريكية الحالية وحتى السابقات خطأً ستراتيجياً غبياً عندما تعاملت بمشكلات المنطقة المعقدة وراهنت على شعوب منطقة الشرق الأوسط ودورها في إمكانية إقامة نظم ديموقراطية حقيقية تساعد في تحقيق الإستقرار والتنمية الإقتصادية والإجتماعية المستدامة لشعوب المنطقة لتعيش بإستقرار وكرامة ومستقبل واضح . وأوضح مثال هو حالة العراق بعد قيام الولايات المتحدة بتغيير نظام صدام “الديكتاتوري ” على أمل خلق نظام ديموقراطي مثالي في المنطقة يؤثر على بقية الأنظمة الأخرى ، وراهنت الإدارة الأمريكية على الشعب العراقي ، حسب المعطيات التي توفرت لديها ، ليفرز وفق الأسس الديموقراطية الحقيقية حكومات مؤهلة تجعل من العراق بلداً متطوراً وإنموذجاً في المنطقة . وهنا ثبت وبان قصور الإدارات الأمريكية في فهم طبيعة مجتمعات الشرق الأوسط مما سبب لها إخفاقات في سياساتها الاستراتيجية الخارجية ومواقف مرتبكة ومحرجة عند تعاملها بالأزمات والتحديات التي فرضتها ظروف المنطقة مثل إسقاط إيران لطائرة الدرون الأمريكية وإستهداف المصالح الأمريكية في العراق مثل الإستهداف المستمر للسفارة الأمريكية في بغداد بعدة صواريخ وإستهداف المعسكرات التي تتواجد فيها قوات أمريكية بعضها تسبب في مقتل جنود ومواطنين امريكان ، إلا إن الرد الأمريكي إتجاه هذه الأحداث لم يكن بالمستوى الذي يعكس قوة ومكانة وهيبة الولايات المتحدة الأمريكية ، وقد يكون الرد الخجول لأسباب داخلية تتعلق بإنتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية أو أسباب أخرى .
وأمام هذه الأحداث والوقائع يمكن الوصول الى بعض الحقائق المهمة التالية :
أولاً: إن الإدارات الأمريكية فشلت تماماً في تحقيق أهدافها الاستراتيجية الأساسية في دول منطقة الشرق الأوسط وبالأخص في العراق عندما أتيح لها فرصة تأريخية نادرة لنشر أسس تطبيق النظام الديموقراطي في الحكم لتحقيق الإستقرار العالمي في هذه المنطقة الحساسة إلا إن الغباء في معرفة الخصائص الأساسية لمجتمعات هذه المنطقة جعلها الجانب الخاسر سياسياً ومادياً ومعنوياً أمام إيران التي تفوقت بشكل واضح على الإدارة الأمريكية في فهم وإستيعاب خصائص المجتمع والتعامل معه ببساطة لتحقيق أهدافها ومصالحها .
ثانياً: من المستحيل ، حسب طبيعة الأحداث المتعاقبة في المنطقة والظروف العامة في أمريكا ، أن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بعمل عسكري مباشر وواسع ضد العمق الإيراني لأن مثل هذا الإجراء مترتبات محلية ودولية ، وبتقدير الإدارة الأمريكية فإن الدخول في حرب مفتوحة مع إيران سيكلفها الكثير سياسياً ومادياً ، وعليه فإن فرضية أو سيناريو المواجهة المباشرة الشاملة ستكلف أمريكا الكثير دون تحقيق الأهداف الأساسية . الخلاصة ليست هناك إحتمالية لحرب مفتوحة مع إيران .
ثالثاً: أمام بعض الأحداث والمواقف أصبحت أمريكا في موقف هزيل عندما بدأت بعض الفصائل المسلحة ( وهي مجموعات بسيطة مسلحة ) تهدد المصالح الأمريكية وتنفذ عمليات عسكرية بدائية لتوقع بعض الخسائر في القوات الأمريكية في معسكرات التاجي وكركوك وغيرها وتكتفي هذه الدولة ” العظمى” برد عسكري يوازي ما ترده أي مليشيا أو عصابة مسلحة . أي إن أمريكا بعظمتها تواجه مجموعة عصابات ولا تستطيع النصر عليها . كل ما عملته قصف لبعض المواقع دون أي تأثير .
رابعاً: حتماً إن أمريكا لا تستطيع مواجهة إيران عسكرياً على أراضيها لأن ذلك مكلف لها من جميع النواحي محلياً ودولياً ، وفي نفس الوقت يبقى هدفها بتحجيم دورها في المنطقة هو ستراتيجيتها إتجاه إيران .
إذاً ما هو السيناريو المناسب للولايات المتحدة الأمريكية لتعالج هذه المعادلة المعقدة وهي تحجيم إيران وإبقاء مصالحها في المنطقة وخصوصاً في العراق بإعتباره مركز المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط . وهنا ينبغي الإشارة الى إن السيناريو الذي يعتمد الستراتيجية القصيرة المدى سوف لن يكن في صالح الولايات المتحدة وإنما ستكون في صالح إيران في كل الأحوال . وعلى هذا الأساس فإن على الولايات المتحدة الأمريكية ان تتبنى الستراتيجية التالية لضمان تحجيم إيران وتأثيرها بالمنطقة من ناحية وإضعافها داخلياً أيضاً:
أولاً : أن تسعى الإدارة الأمريكية من الآن وبجدية تعميق علاقتها الستراتيجية مع حكومة كردستان العراق من جميع النواحي سياسياً وإقتصادياً وأمنياً خصوصاً ما يتعلق بإعطاء ضمانات كافية لخلق الظروف المناسبة لتحقيق حلم الأكراد في الإستقلال في الأمد المنظور سواء كدولة مستقلة معترف بها أو ككيان فيدرالي ضمن الدولة العراقية . وبذلك ستضمن الولايات المتحدة أفضل حليف ستراتيجي لها بالمنطقة مبني على مبدأ المصالح المشتركة بينهما ، ومثل هذا الوضع سيضعف تأثير الحكومة المركزية في بغداد والتي يرأسها عادةً السياسيين الشيعة الموالين لإيران والمؤتمرين بتوجيهاتها .
ثانياً: دعم الجهات التي تنادي بإقامة أقليم في غرب العراق وإقليم الجنوب ومحوره محافظة البصرة ، بحيث يؤدي ذلك الى إعادة التوازن السياسي والمجتمعي بين مكونات الشعب العراقي شيعةً وسنة . ومثل هذا الإجراء سيؤدي الى تحقيق الإستقرار في مختلف مناطق العراق من ناحية ويحقق طفرة نوعية تنافسية في مجالات التطور والتقدم الإقتصادي والإجتماعي ضمن مناطق وأقاليم العراق . ومن أكثر الأغبياء من يعتقد بان هذا السيناريو سيؤدي الى تقسيم العراق ، بل بالعكس سيضمن بناء عراق موحد ومترابط ومتطور وفق مبدأ الحكم الفيدرالي الذي نص عليه الدستور أساساً . فجميع دول العالم المتقدم والمتحضر طبق نظم الحكم الفيدرالية أو الكونفيدرالية . فليس نظم الحكم الفيدرالي والكونفدرالي في دول أوربا وأمريكا وكندا والدول الإسكندنافية هي نظم إنفصالية . لذلك على الساسة والقادة العراقيين أن لا يكونوا أكثر غباءً مما هم عليه الآن . المهم أن تسعى الإدارة الأمريكية على تشجيع الساسة العراقيين ودفعهم بإتجاه إقامة الأقاليم . ومثل هذا الإجراء سينهي دور وتأثير المليشيات المسلحة الموالية لإيران والمنتشرة في معظم محافظات العراق وستجد نفسها عاجزة عن أي تحرك لتحقيق أهدافها.
ثالثاً: على الولايات المتحدة أن لا تفرط بوجودها في العراق مطلقاً والذي كبد تواجدها آلاف من حياة الأمريكيين ومليارات الدولارات ، لذا عليها الإستمرار لتحقيق أهدافها مما يُفرض عليها أن تؤمن كل مستلزمات القوة الحمائية والردعية للمعسكرات العسكرية الدائمية في كل من قاعدة عين الأسد وقاعدة الحرير في أربيل .
رابعا”: على الولايات المتحدة الأمريكية أن لا تتوانى ولا تتردد أبداً في حالة قيام بعض الفصائل والمليشيات العراقية الموالية لإيران من إستهداف المصالح الأمريكية أو حلفائها في العراق من رد عسكري مؤثر وحاسم وذلك لإعطاء رسالة واضحة بأنها القوة الفاعلة في المشهد عموماً .
بموجب هذا السناريوا الواضح تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية أن تحجم إيران وحتى القضاء على نظامها المتخلف وأذرعها المسلحة.