22 ديسمبر، 2024 4:41 م

السيناريو الأقرب بعد انتخابات المقبلة في العراق

السيناريو الأقرب بعد انتخابات المقبلة في العراق

شهد العراق بعد سقوط نظام البعث في 2003 ازمات واحداث سياسية وامنية واقتصادية واجتماعية كثيرة بسبب التدخلات الأقليمية وارتباط بعض القوى السياسية المشاركة بالعملية السياسية بأجندة اقليمية ومخابراتية، فضلا على الخلافات الطائفية والقومية الداخلية المتجذرة الذي بني عليه النظام السياسي في العراق الذي تأسس على يد الاحتلال البريطاني في عشرينيات القرن الماضي.
لعل ابرز تلك الأحداث واهمها الذي كاد ان يسوق العراق للهاوية هو ظهور تنظيم داعش الارهابي والذي توج بسقوط الجانب الايمن لمدينة الموصل في 10 حزيران 2014 ومناطق متعددة ومساحات شاسعة من محافظات الانبار وصلاح الدين وكركوك،حيث بات الخطر يهدد اسوار بغداد والعراق برمته بسبب عدم اكتمال جهوزية الجيش والقوات الامنية الاخرى لمواجهة هذا التحدي الخطير.
ونظرا لجدية الاخطار التي كانت تحدق بجميع المحافظات العراقية ومنها اقليم كوردستان، سارعت قوات البيشمركة بالتصدي للارهابيين وحفر الخنادق في مناطق التماس مع داعش وتمكنت من ايقاف زحفها نحو مناطق الاقليم،كما قامت قوات الجيش ومكافحة الارهاب والقوات الامنية الاخرى بالوقوف بوجه الحملة الشرسة، لكنه بسبب عدم التنسيق والاوضاع الامنية المتفاقمة نتيجة ظهور الجماعات التكفيرية،عجزت تلك القوات من التصدي للهجمة الداعشية واضطر التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة على اتخاذ قرار للتدخل لمساعدة العراق، بعد ان انسحبت معظم وحداتها القتالية من العراق في عام 2011.
وفي حزيران 2014 اصدر المرجع الشيعي الاعلى علي السيستاني فتوى الجهاد الكفائي لمواجهة داعش حيث التحق آلاف المتطوعين بجبهات القتال،وفي ايلول من عام 2014 تم تشكيل التحالف الدولي ضد الدولة الاسلامية في العراق والشام للمساعدة في ضرب مواقع تنظيم داعش وقواته في كل من العراق وسوريا وتفكيك شبكاته بأعتباره يشكل خطرا كبيرا وجديا على السلم والامن والاستقرارالعالمي.
تشكيل قوات الحشد الشعبي في اذار من عام 2014 بأمر من رئيس الوزراء نوري المالكي بالتعاون مع القوى السياسية الشيعية كان بمثابة عدم ثقة الحكومة بالقوات الأمنية العراقية التي انسحبت من الموصل مع دخول مسلحي داعش الارهابي للمدينة وهذا بدوره خلق شرخا بين القوات النظامية ومتطوعي الحشد الشعبي وتعمق هذا الشرخ، بعد تحرير الموصل والمناطق الاخرى من تنظيم داعش، واستقرار قوات الحشد في المناطق السنية من البلاد وبالاخص في الشريط الحدودي المحاذي للحدود السورية العراقية.
استقرار قوات الحشد الشعبي في الحدود العراقية مع سوريا،سهل مهمة ايصال الدعم الايراني لنظام حافظ الاسد وميليشيات حزب الله اللبناني وارسال مقاتلين عراقيين وخليجيين وايرانيين الى سوريا لدعم النظام السوري لتعزيز التواجد الايراني في سوريا ولبنان وشروع بعض الميليشيات بقصف السفارة والقواعد الامريكية،اثار سخط الجانب الامريكي الذي يسعى لتحجيم تلك القوات بشتى الوسائل.
اعتقال القيادي في الحشد الشعبي قاسم مصلح بأمر من مكتب رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي قبل اسبوعين وقيام قوات الحشد بمحاصرة المنطقة الخضراء الذي يضم مقر الحكومة ومجلس النواب والبعض من السفارات والهيئات الدبلوماسية الاجنبية كاد ان يفجر مواجهات مسلحة بين تلك القوات والقوات الامنية من الجيش والشرطة، ما ارغم حكومة الكاظمي على اطلاق سراح مصلح،تحاشيا لوقوع صدام مسلح بين الجانبين واراقة الدماء.
قضية قاسم مصلح كشف عن حقيقتين مهمتين الأولى هي ان قوات الحشد لا تخضع لأوامرالقائد العام للقوات المسلحة والا كيف تحاصر مقر قائدها بأوامر من قادة احزاب وقوى سياسية تمتلك فصائل مسلحة ضمن قوات الحشد والحقيقة الثانية هي ان هناك خلافات بين قادة الجيش والشرطة من جانب والحشد الشعبي من جانب اخر الذي يحاول ان يكون بديلا عن تلك القوات على غرار قوات الحرس الثوري الايراني الذي يهيمن على جميع مفاصل الدولة الايرانية وبقاء وجود الجيش والقوات الايرانية الاخرى وجود شكلي.
لاشك ان حقيقة تلك الخلافات هي جزء من الصراع السياسي على السلطة في العراق بعد فشل القوى الشيعية في ادارة دفة الحكم خلال السنوات الثمانية عشر الماضية الذي اتسم بالانفلات الامني والاقتتال الطائفي والفساد الذي اوصل الخزينة العراقية لحد الأفلاس التام واغرق العراق في ديون خارجية سيدفع ثمنها الاجيال القادمة، وهذا ما خلق حالة من الغضب والاستياء في الشارع العراقي الذي ذاق الويل والثبور خلال السنوات التي تلت سقوط اعتى نظام دكتاتوري شهده المنطقة.
بعد التظاهرات العارمة التي اجتاحت العاصمة بغداد والمحافظات الشيعية في وسط وجنوب العراق في تشرين الاول من عام 2019 احتجاجا على عمليات الفساد التي لم يشهد التاريخ مثيلا لها فضلا على انعدام الخدمات العامة والبطالة التي يعاني منها شريحة الشباب بسبب اغلاق الشركات والمعامل في القطاعين المختلط والخاص، انتهت بسقوط مئات من المتظاهرين واستقالة وزارة عادل عبدالمهدي وتشكيل حكومة مصطفى الكاظمي بدعم من غالبية القوى السياسية الممثلة في مجلس النواب.
الكاظمي الذي حاز على ثقة الاكثرية في مجلس النواب العراقي عهد على نفسه مكافحة الفساد واجراء انتخابات مبكرة حيث يواجه اليوم تحديات سياسية واقتصادية وامنية كبيرة،اهمها تنمر قوات الحشد الشعبي على الحكومة ومحاولتها بسط سيطرتها وسطوتها على مجمل مفاصل الدولة لتقوض عمل الحكومة وبالاخص تشكيلها عائقا في طريق اجراء الانتخابات لتأجيلها للعام القادم بسبب تخوف بعض القوى الشيعية خسارتها في الانتخابات المقبلة وازاحتها من السلطة في المرحلة القادمة من العملية السياسية التي تعد مفصلية.
بناءا على المعطيات والمتغيرات التي طرأت على الساحة العراقية هناك عدة سيناريوهات لمرحلة ما بعد الانتخابات سواء اجريت هذا العام او في العام المقبل ابرزها، هو ان منصب رئاسة الوزراء المقبلة على الارجح ستكون للتيار الصدري بأعتباره يمتلك جمهوراً ثابتا وسيفوز بعدد من المقاعد التي تأهله لتشكيل تحالفات مع قوى اخرى لتشكيل الوزارة ، بالتأكيد التيار سوف يسعى لضرب الميليشيات المنفلتة وتحجيم دورها وفي المقابل تعزيز قوات الجيش والشرطة واعادة هيبة الدولة واخضاع جميع القوات المسلحة لأوامره.
بالمقابل قوى اللادولة سوف تحاول بشتى السبل والوسائل افتعال المشاكل و الفوضى هنا وهناك للحيلولة دون اجراء الانتخابات في وقتها المحدد من العام الحالي، لانها تدرك حقيقة المخاطر والتهديدات التي ستواجهها بعد الانتخابات، عليه يمكن الوصول الى هذه الحقيقة ان الصدام بين قوى الدولة واللادولة سيقع لا محالة كتحصيل حاصل للصراع بين الجانبين على السلطة في العراق.