23 ديسمبر، 2024 10:45 ص

السيستاني ورسائل التأديب لروحاني

السيستاني ورسائل التأديب لروحاني

منذ اعلان وصول الرئيس الايراني حسن روحاني الى بغداد ومواقع التواصل الاجتماعي (الفيسبوك واخواته) في حرب “مستعرة”، جبهات ترفض الزيارة واخرى تؤيدها وهناك مِن يستنكر غياب العلم العراقي في داخل مقر اقامة روحاني خلال استقباله بعض “جهابذة” العملية السياسية، في حين كان لقضية استقباله الرسمي مرتين فصلا “هزليا” جديدا من كوميديا العملية السياسية تكرر للمرة الثانية، الاولى كانت في استقبال ملك الاْردن عبد الله الثاني حيث استقبله رئيس الجمهورية باستعراض وحرس شرف وبعده رئيس الوزراء عادل عبد المهدي بالمراسيم ذاتها، في طريقة جديدة لم تسجلها جميع دول العالم.
فالزيارة التي جاءت كإشارة على التغيير في سياسة ايران الخارجية او مع العراق على اقل قدير بسبب ماحملت من ملفات وتزامنها مع احالة الجنرال قاسم سليماني على التقاعد من وظيفته كممثل للسياسة العسكرية الخارجية وتكريمه من قبل المرشد الاعلى علي الخامنئي سجلت الكثير من الاحداث التي لم تكن حاضرة في الزيارات السابقة للشخصيات الإيرانية وحتى احمدي نجاد الذي زار بغداد في العام 2008، كاول رئيس ايراني يزور العراق منذ العام 1979، والتي تصادفت في بداية شهر آذار ايضا، لكنها لم تحصل على التكريم الذي حظيت به زيارة روحاني وخاصة بعد ان وصفتها الصحافة الإيرانية بالمباركة.
لكن المحطة الأهم في الزيارة كانت استقبال المرجع الاعلى السيد علي السيستاني للوفد الضيف على الرغم من مقاطعته لاستقبال السياسيين العراقيين منذ اكثر من خمس سنوات، ورفضه لقاء جميع الاطراف الإيرانية التي زارت العراق سابقا، ومنهم الرئيس الايراني السابق احمدي نجاد الذي ذكرنا تاريخ زيارته سابقا، وبعده عضو مجلس الخبراء عباس الكعبي، وتبعه مبعوث الخامنئي السيد محمود شاهرودي، كما رفض المرجع الاعلى استقبال الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله خلال زيارة سابقة الى لبنان، في رسالة واضحة على رفضه النهج السابق لإيران في التعامل مع القضايا الخارجية وخاصة في العراق حينما كان يقودها الحرس الثوري والجنرال سليماني وليس الخط الدبلوماسي.
لقاء السيد السيستاني وقبوله باستقبال روحاني كان لارسال رسائل عدة الى السلطات الإيرانية وخاصة المرشد علي الخامنئي وهي كما نقلها البيان الذي صدر عن مكتب المرجع الاعلى عبرت عن ثلاث نقاط اختصرت مايبحث عنه العراق من الجارة ايران، أولها كان الترحيب باي خطوة لتعزيز العلاقات بين العراق وجيرانه على أساس المصالح المشتركة واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها، وهذه كانت بمثابة نصيحة لطهران بالابتعاد عن التدخل في القضايا العراقية وتركها للعراقيين أنفسهم، وفِي الحديث عن الحرب ضد داعش كان للسيد السيستاني موقفه الذي رد من خلاله على جميع الأصوات التي تذكرنا بين فترة واخرى بفضل طهران وكيف ساندتنا بالحرب ضد تنظيم (داعش) والتي حولتها بعض الاطراف الى “منة” علينا استذكارها في كل موقف، لكن المرجع الاعلى اختصر ذلك حينما أشار الى “دور الأصدقاء في تحقيق النصر”.
في حين ركزت الرسالة الثانية على “حصر السلاح بيد الدولة ومكافحة الفساد وتحسين الخدمات العامة”، وهي دعوة واضحة لإيران بالابتعاد عن دعم الجماعات المسلحة التي تُمارس نشاطها خارج المؤسسات الحكومية، ومساعدة العراق في مواجهة الفساد وذلك بمنع التهريب عبر الحدود وعدم جعل طهران ملاذا امنا للفاسدين الهاربين من العراق، ليختتم المرجع لاعلى رسائله بالحديث بعيدا عن الاوضاع الداخلية في العراق ليشدد على ضرورة ان “تتسم السياسات الإقليمية والدولية في هذه المنطقة الحساسة بالتوازن والاعتدال لتجنب شعوبها مزيدا من المآسي والأضرار”، وهذه لا يمكن تفسيرها بغير “الانتقاد الصريح” للسياسة الخارجية لمرشد الثورة الإيرانية علي الخامنئي، فتلك النقاط الثلاث لم تكن نصائح عابرة انما كانت “رسائل تأديب” بعثها المرجع الاعلى بيد روحاني الى “المتحكمين بالقرار الايراني”.
لكن اللافت في لقاء السيد السيستاني والرئيس الايراني هو شعور المرجع بضرورة “تبنيه” الوقوف بوجه “التمادي” الايراني في التدخل بالشؤون الداخلية بعد ان “فشلت” جميع القوى السياسية بتلك المهمة، فيما كانت طريقة جلوس روحاني وظريف امام السيد السيستاني نقطة اخرى تحسب للعراق، بعد ان اظهرتهم كطلاب امام معلمهم وطريقة “الاستماع” لحديثه وكانهم ابناء يستمعون “لنصيحة والدهم”، جميع تلك المعطيات ستجعل ايران تعيد النظر بسياستها وقد تحقق ماعجزت عنه قيادات القوى السياسية.
الخلاصة… ان زيارة روحاني الى بغداد قد تكون فتحت الكثير من الأبواب المغلقة في العلاقة مع طهران ووضعت النقاط على الحروف في بعض المفاصل التي غيبتها سياسة الحرس الثوري لكنها منحت في الوقت ذاته فرصة للعراق ليكون لاعبا أساسياً ومحوريا في المنطقة من خلال تقريب وجهات النظر بين ايران من جهة.. ودول الخليج والمجتمع الدولي من جهة اخرى،، واخيرا السؤال الذي لابد منه،، هل سيلتزم ساسة طهران برسائل التأديب التي بعثها المرجع السيستاني؟.