23 ديسمبر، 2024 8:01 م

السيد مقتدى وارث الصدرين

السيد مقتدى وارث الصدرين

إن التجربة الاجتماعية التي يمر بها الشعب العراقي بعد سقوط الطاغية صدام أو فترة الاحتلال وما بعده هي من أعظم التجارب وأخطرها والتي تستحق منا التأمل طويلاً لأجل أخذ العظة والعبرة من ناحية ومن ناحية أخرى فهي المحك الحقيقي لتقييم الفكر الذي سبق هذه المرحلة والذي كثيراً ما أهتم أصحابه بالمستقبل فقد كان مستقبل العراق وقتئذ من أهم الهموم التي شغلت عقل وفكر الكثير من العلماء والمفكرين بمختلف اتجاهاتهم ..

والخلاصة أنني وجدت بوضوح ويقين لا يقبل الشك أن فكر الشهيدين الصدرين(قدس) هو الفكر الذي صمد أمام هذا المحك و كان هذا الفكر الخلاق قارب النجاة للشعب العراقي في هذه المحنة على مستوى القيادة وعلى مستوى الشعب…..

أما على مستوى القيادة فإن هذه التجربة قدمت للشعب العراقي وللعالم بأسره قائداً مخلصاً شريفاً قل نظيره وهو صنيعة هذا الفكر(فكر الصدرين) فقد ترعرع وتربى ونهل من هذه الأسرة الكريمة فهو الوريث الشرعي لفكر وجهاد الشهيدين الصدرين(قدس)وهو أيضا امتداد لهذه الأسرة الكريمة الطاهرة فهو نجل السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر(قدس)…فالسيد مقتدى(دام عزه) مفخرة لكل العراقيين وشخصية فريدة فعالة صانعة للتاريخ……

إن دراسة فكر الشهيدين الصدرين(قدس) تمثل المفتاح لشخصية السيد مقتدى الصدر(دام عزه)….ومن جهة إثباتيه على حد تعبير الفلاسفة يمكن القول بأن السيرة الجهادية للسيد مقتدى الصدر(دام عزه) تمثل القراءة الواعية لفكر الشهيدين الصدرين (قدس)وتطبيق دقيق وعادل لهذا الفكر العظيم….

فالسيد مقتدى الصدر(دام عزه) هو من أعظم المتأثرين بفكر الشهيدين الصدرين(قدس) وهو الأقرب إلى فهم فكرهما فضلا عن كونه الأقرب منهما نسبا ووجداناً!!!!

إن السيد القائد مقتدى الصدر(دام عزه) أستطاع أن يقصم ظهر أعداء الإنسانية بإحباط مخططاتهم الخبيثة التي كانت تستهدف النيل من الإسلام وقادته العاملين الناطقين…

فقد كان أعداء الله قد قاموا بتصفية الشهيدين الصدرين(قدس) جسدياً اعتقادا منهم بأنهم سوف ينجحون في إفراغ الساحة من القادة المتصدين للجهاد وإعلاء كلمة الحق والعدل….آخذين بنظر الاعتبار بأن الشهيدين الصدرين(قدس) هما من مراجع التقليد…فكانت المؤامرة والمخطط هو تصفية المجتهدين جسدياً و الحيلولة دون وصول الأفراد إلى مرتبة الاجتهاد هذا هو ظن أعداء الله فخاب ظنهم…ومن المعلوم لدى الجميع أنه ليس كل من بلغ رتبة الاجتهاد سوف يتصدى للمسؤولية وهذا الأمر يدل عليه الوجدان قبل البرهان….أضف إلى ذلك أن الشعب العراقي قد تفاعل واستجاب لتجربة الشهيدين الصدرين(قدس) مما أدى إلى ارتفاع مستوى الوعي عند الشعب والمجتمع هذا المستوى الرفيع الذي ينبغي للقائد الجديد مراعاته والبدء منه فالمجتمع ليس مستعدا للتنازل عن هذا المستوى الرفيع…. فالتنازل بمنزلة المستحيل بالنسبة لعلم الاجتماع فالقائد مسؤوليته هو الارتفاع بالمجتمع وليس العكس!!!!هذا في حال تصدي من له حق القيادة أما في حال إعراضه وعدم تصديه لأي سبب كان كوجود المانع أو عدم الكفاءة….والشريعة المقدسة لايمكن أن تقف مكتوفة الأيدي تجاه الوضع العصيب الذي تسبب في إيجاده أعداء الله والسفهاء على حد سواء…فكان ظن أعداء الله أنه لا يوجد في الشريعة ما يكون علاجاً لهذا الفراغ القيادي….

أو حتى لو فرضنا أنه يعلم أو يحتمل علاج الشريعة لهذا الفراغ فإنه يجهل الكيفية التي يمكن من خلالها تطبيق الحل والعلاج البديل الذي تقدمه الشريعة في حال عدم تصدي المجتهدين للقيادة والمسؤولية……

أما الشريعة كما هو معلوم لدى جميع دارسيها لم تحصر أمر القيادة بالمجتهد…فهي جعلت الولاية العامة والقيادة للفقيه بالعنوان الأولي الاختياري…

ولكن الشريعة قد جعلت نوع آخر من القيادة بالعنوان الثانوي الاضطراري لا يشترط فيها الاجتهاد…. كولاية عدول المؤمنين وولاية السلطان العادل وولاية بسط اليد….

إن التعرض لمسألة ولاية عدول المؤمنين من قبل الشهيد محمد الصدر(قدس) في كتاب ما وراء الفقه ليس أمرا جزافيا أو ترفيا بل هو بياناً لحكم الشريعة في كل الأحوال والظروف إضافة لهذه الأمور التي لطالما شكك فيها المشككون ولولا شكهم لما كتبت هذه السطور ومع ذلك كله فإن هناك أمرا في غاية الأهمية حاصله أن مشهور الفقهاء ينفي ثبوت الولاية العامة للفقيه فالمشهور يحتاط وجوبا بعدم ثبوتها وهذا يعني أن ولايتهم هي ولاية عدول المؤمنين التي قد أجمعوا على ثبوتها وهي ولاية لا يشترط فيها الاجتهاد…فالمشكك عليه أن يلتزم بفتوى مرجعه النافية لثبوت الولاية العامة للفقيه قبل أن يتفوه بأي كلمة…..

وحتى مع تقدير ثبوت الولاية العامة للفقيه التي يذهب إلى ثبوتها بعض الأعلام المحققين كالشهيدين الصدرين(قدس)والسيد روح الله الخميني(قدس)والسيد الحائري(دام ظله)….. فإن هذا الثبوت ثبوت اقتضائي بمعنى أنه يحتاج إلى اجتماع الشرائط وارتفاع الموانع التي من أهمها التصدي بكفاءة…..

ولحسن الحظ أن قيادة الشعب العراقي في فترة الاحتلال وما بعده في الأغلب لا تحتاج إلى تعقيد بل هي أمور حسبية وأمور فتوائية متفق عليها عند الفقهاء و مطابقة لفتوى السيد الشهيد محمد الصدر(قدس)…

فتطبيق الفتوى ونقلها وإرشاد الناس إليها لا يحتاج إلى ولاية أو إذن عام أو إذن خاص……

إن هذا الوعي للشريعة الذي أوجده السيد الشهيد محمد الصدر(قدس) وطبقه بإخلاص السيد القائد مقتدى الصدر(دام عزه) قد قصم ظهر أعداء الله… فالسيد مقتدى الصدر(دام عزه) كان كوالده سببا لعزة العراقيين وعزة الدين والمذهب وعزة مراجع الدين أيضا….

فالمراجع أدام الله ظلهم يدركون بأن لديهم قائدا مخلصا وولدا مطيعا به ينتصرون للدين والمذهب وعلى ضوء قوته وجهاده تكون أوامرهم ناجحة بسبب طاعة الملايين لهذا القائد المخلص…..

أما على مستوى الشعب فقد نجح الشهيدان الصدران(قدس) في تربية المجتمع تربية صالحة عن طريق غرس الوعي والإيمان والتقوى في نفوس الناس إلى درجة التضحية بالمال و بالنفس في سبيل العدل والعدالة….

إن هذا الوعي والشعور بأهمية العدل شرط أساسي لقيام دولة الحق ….

إن هذه الأرضية الصالحة (أعني الشعب) التي استجابت لتربية الشهيدين الصدرين(قدس) كانت متعطشة للقائد الذي سيستمر على هذا النهج العادل في التربية فكان السيد مقتدى الصدر(دام عزه) خير خلف لخير سلف فقد نجح هذا الشاب المجاهد في الحفاظ على الوهج الإيماني العاطفي والروحي…… وقد أرتفع بالمجتمع إلى مستوى تحمل المسؤولية الثقيلة في ظروف غاية في الصعوبة والتعقيد ومع ذلك فقد استطاع أن يطرد المحتل المتعدد الجنسيات ونجح في إرساء واستقرار العملية السياسية وبناء الدولة…… وكان اكبر المضحين هو السيد مقتدى الصدر(دام عزه) وأنصاره ومحبيه….ومن المؤسف جدا أن هناك الكثير من الناس ينسب هذه الاستقرار إلى أناس سيشهد المستقبل بأنهم مجرد ألغام في العملية السياسية ونحن ندعو كل منصف وكل محب لهذا البلد أن يكون خير عون لهذا السيد القائد المجاهد…ولابد من الاهتمام بالتركة الفكرية الضخمة التي هي من أعظم النعم على العراقيين والناس أجمعين…ولا ينبغي إهمال وغض الطرف عن فكر الشهيدين الصدرين(قدس) وتجاربهم العظيمة التي لازلنا نعيش تحت ظلها وننهل من معينها أليس السيد مقتدى الصدر صنيعة ذلك الفكر الرسالي وتلك التجربة العظيمة؟