آية الله السيد محمد باقر الصدر؛ نموذج نادر لعلماء الدين في عبقريته وإبداعه العقلي، وفي تحويل نتاجه الإبداعي الى مشروع عمل متكامل. فقد أسس مشروعاًإسلامياً إصلاحياً تغييرياً شاملاً؛ يستوعب مختلف مجالات النظرية والعمل؛ بدءاً بمناهج الفكر الإسلامي والفقه الشرعي، وبنية الحوزة العلمية، وأنساق المنظومة الاجتماعية الدينية الشيعية، والوعي الإسلامي المعاصر، وانتهاءً بالعمل التنظيمي، والثورة السياسية. و بدأ بطرح أجزاء مشروعه في وقت مبكر جداً من حياته، وختمه بالتضحية بحياته من أجله وهو بعمر 45 عاماً فقط. وكان الحراك الإسلامي الشيعي المنظم المتمثل بحزب الدعوة الإسلامية أحد أهم أجزاء هذا المشروع.
قاد السيد محمد باقر الصدر عملية تأسيس حزب الدعوة الإسلامية وهو بعمر 22 عاماً؛ فكان يدير معظم الاجتماعات التحضيرية للتأسيس؛ وأهمها الاجتماعالتأسيسي للحزب في بيته في النجف الأشرف في آب 1957، واجتماع أداء القسم في كربلاء في تشرين الأول 1957، وكتب نظرية حزب الدعوة وأسسه، وأطلق عليه اسم “الدعوة الإسلامية“، ومنح الإذن الشرعي لوجوده؛ باعتباره مجتهداً، وكان مفكر الحزب وفقيهه المتفرد، وتصدى لكل التشكيكات التي واجهت الحزب في الوسط الاجتماعي الديني النجفي؛ لأنه محل ثقة علمية وفكرية وشخصية لدى المرجعيات الدينية النجفية والحوزة العلمية والاجتماع الديني. ولذلك كان الأبرز بين مؤسسي حزب الدعوة الإسلامية العشرة؛ برغم كونه أحد أصغرهم سناً.
أصبح السيد الصدر عضواً في أول لجنة قيادية رباعية للحزب انبثقت بعد التأسيس، واستمرت حتى العام 1961، وهو العام الذي انسحب في الصدر من القيادة والتنظيم؛ لكنه لم ينسحب من الدعوة ونظريتها؛ إذ بقي على علاقة وثيقة بهاحتى إعدامه؛ بل التحمت به تنظيمات حزب الدعوة في داخل العراق في العام 1979 وبايعته قائداً. ولذلك فقد كانت التهمه المعلبة التي يسوقها نظام البعث حين أقدم على اعتقاله في الأعوام 1972 و 1974 و1979؛ هي قيادة حزب الدعوة الإسلامية. ثم اعتقل للمرة الأخيرة في 5 نيسان من العام 1980، والتي لم يعد فيها الى بيته؛ إذ أطلق عليه صدام حسين الرصاص بنفسه بعد أربعة أيام من الإعتقال؛ تعرض خلاله لأبشع أنواع الضرب والحرق والتعذيب.
تأسيس حزب الدعوة الإسلامية
اقترن الحراك الإسلامي الشيعي الجديد في العراق والمنطقة العربية منذ نهاية خمسينات القرن الماضي بالفقيه والمفكر الشاب السيد محمد باقر الصدر، والذي كان نموذجاً نادراً لعلماء الدين؛ إذ كان يحمل مشروعاً إسلامياً تغييرياً متكاملاً؛ يبدأ بالتأصيل الفكري، والتحول الفقهي، وتأسيس الحراك السياسي، والعمل على مأسسة منظومة المرجعية الدينية، وينتهي بإعلان الثورة ضد النظام الطائفي العنصري الظالم. ولذلك فقد كان حزب الدعوة الإسلامية أحد الفصول المهمة في مشروع السيد محمد باقر الصدر. ولذلك فإنه بادر الى قيادة عملية التأسيس بمجرد أن قام نجل مرجع النجف السيد محمد مهدي الحكيم بطرح الفكرة عليه. وفي هذا الصدد يقول السيد محمد مهدي الحكيم بأن فكرة تأسيس حزب إسلامي طرحت خلال العام 1956، واستمرت التحركات والاجتماعات التحضيرية أكثر من سنة، تباعدت فيها الأفكار وتقاربت، وتراجعت شخصيات وثبتت أخرى، وحتى تم في النهاية الاتفاق على شكل العمل وطبيعة تحركه. وكانت أول قضية طُرحت على طاولة البحث (قبل التأسيس) هي: ((شرعية تأسيس دولة إسلامية في عصر الغيبة))؛ لتكون قاعدة فقهية يستند اليها الحزب في شرعية عمله؛ فكتب آية الله السيد محمد باقر الصدر دراسة فقهية استدلفيها على جواز قيام دولة إسلامية في عصر غيبة الإمام المهدي، وكانت هذه الدراسةأول نشرة داخلية يتبناها الحزب. ويضيف السيد محمد مهدي الحكيم: أنه عرض فكرة تأسيس الحزب في العام 1957 على السيد طالب الرفاعي وعبد الصاحب دخيل ومحمد صادق القاموسي؛ فكان الأربعة يعقدون الاجتماعات التداولية الأولى لفكرة الحزب، ثم قام السيد محمد مهدي الحكيم بمفاتحة السيد محمد باقر الصدر؛ فوافق على الفور، ثم اقترح السيد الصدر ضم السيد مرتضى العسكري للعمل (وكان يقيم في الكاظمية)، حيث فاتحه بذلك من خلال رسالة حملها إليه السيد محمد مهدي الحكيم (1). ثم تمت مفاتحة السيد محمد باقر الحكيم والسيد حسن شبر والدكتور جابر العطا ومحمد صالح الأديب.
لقد استمرت مداولات تأسيس حزب الدعوة بين أصحاب الفكرة وأقرانهم الذين انفتحوا عليهم؛ حتى أواسط العام 1957؛ عُقد خلالها أكثر من اجتماع تحضيري ؛معظمها في بيت السيد محمد باقر الصدر في النجف الأشرف، وكان آخرها الاجتماع التأسيسي الذي عقد في بيته، خلال آب من العام 1957، وحضره ثمان شخصيات: السيد محمد باقر الصدر، السيد محمد مهدي الحكيم، عبد الصاحب دخيل، السيد طالب الرفاعي، محمد صادق القاموسي، السيد مرتضى العسكري، السيد حسن شبر والدكتور جابر العطا.
وأعقب اجتماع النجف التأسيسي؛ اجتماع أداء القسم في كربلاء بشهرين؛ أيفي تشرين الأول من العام 1957 ( 17 ربيع الأول 1377هـ) في دار إقامة المرجع الديني الإمام السيد محسن الحكيم؛ بحضور سبع شخصيات: السيد محمد باقر الصدر، السيد محمد مهدي الحكيم، عبد الصاحب دخيل، محمد صادق القاموسي، السيد مرتضى العسكري، السيد محمد باقر الحكيم ومحمد صالح الأديب. وغاب عنه ثلاثة ممن حضروا الاجتماع التأسيسي في النجف: السيد طالب الرفاعي والسيد حسن شبر والدكتور جابر العطا. وهو الاجتماع الذي يعده بعض مؤسسي «الدعوة» اجتماعاً تأسيسياً؛ كما يقول محمد صالح الأديب؛ فيما يعده آخرون أول اجتماع رسمي للدعوة؛ كما يذهب السيد مرتضى العسكري. بينما يعده مؤسسون آخرون اجتماعاً لأداء القسم وليس تأسيسياً؛ كما يؤكد السيد محمد مهدي الحكيم والسيد حسن شبر؛ إذ يقول الأخير مانصه: (( الجلسة التي تم فيها أداء القسم في بيت السيد محسن الحكيم في كربلاء بتاريخ 12 تشرين الأول من العام 1957 كانت فقط لأداء القسم بالالتزام بمبادئ الحزب والعمل تحت خيمته والمحافظة على سريته. أما تأسيس الحزب فقد سبق جلسة أداء القسم بشهرين؛ أي في آب من العام 1957؛ خلال الجلسة الأخيرة التي عقدناها في بيت السيد محمد باقر الصدر في النجف الأشرف، وحضرتها أنا [السيد حسن شبر] والسيد محمد باقر الصدر نفسه والسيد محمد مهدي الحكيم وعبد الصاحب دخيل وجابر عطا والسيد مرتضى العسكري والسيد طالب الرفاعي ومحمد صادق القاموسي. وتم فيها مناقشة كل التفاصيل؛ بما فيها الاتفاق على أن تكون الجلسة اللاحقة لأداء القسم. أما فيما يخص تسمية الحزب فقد سمي بـ «الدعوة الأسلامية» في بداية العام 1958؛ أي بعد شهرين من أدائنا القسم. والدليل على أن الحزب تأسس قبل انقلاب 14 تموز من العام 1958 هذه الحادثة التي جرت خلال أيام الانقلاب التموزي: عندما شكل عبد الكريم قاسم حكومته استقطب بعض المختلفين في الأفكار السياسية، وحينها قال السيد مهدي الحكيم خلال أحد اجتماعاتنا: لو كنا قد أعلنا عن اسمنا لاختار عبد الكريم قاسم من حزبنا وزيراً أو اثنين)) (2).
ولذلك؛ فإن تاريخ التأسيس الحقيقي لحزب الدعوة الإسلامية هو شهر محرم من العام 1377 هـ (آب 1957)؛ أي قبل اجتماع كربلاء بشهرين؛ كما يثبت السيد حسن شبر أحد المؤسسين العشرة (3)؛ الأمر الذي يدعو الحزب لمراجعة أدبياته الرسمية التي تنص على يوم 17 ربيع الأول 1377 هـ (12 تشرين الثاني 1957) بوصفه تاريخاً لتأسيسه. كما ينبغي مراجعة المعلومة التي طرحتها بعض أدبيات الدعوة في ثمانينات القرن الماضي، والتي تقول بأن مؤسسي حزب الدعوة ثمانية؛ لأنها تستند الى معيار أحادي وغير موضوعي. أما المعيار الموضوعي في توصيف المؤسسين فهو (( أن كل من حضر أحد اجتماعي التأسيس في النجف و أداء القسم في كربلاء يعدّ مؤسساً))؛ فهناك من حضر اجتماع التأسيس ولم يحضر اجتماع أداء القسم، وهناك من حضر اجتماع أداء القسم ولم يحضر اجتماع التأسيس. فتكون المحصلة أن مؤسسي الحزب هم عشرة: السيد محمد باقر الصدر، السيد محمد مهدي الحكيم، عبد الصاحب دخيل، السيد طالب الرفاعي، السيد مرتضى العسكري، محمد صادق القاموسي، الدكتور جابر العطا، السيد حسن شبر، السيد محمد باقر الحكيم ومحمد صالح الأديب.
دور الشهيد الصدر في تأسيس “الدعوة“ وقيادتها
كان السيد محمد باقر الصدر أبرز المؤسسين العشرة لحزب الدعوة الإسلامية؛ بل أن أداءه ودوره أفرزاه قائداً للحزب في الأبعاد الفقهية والفكرية والإرشادية أيضاً. وقد كان الحديث عن كون السيد الصدر مؤسساً للدعوة، متداولاً في أواسط الحزب منذ مطلع الستينات. ثم برز اسمه قائداً للحزب خلال العام 1979، بعد تفجير الصدر للتحرك المعارض لنظام البعث في العراق. ولكن تقدُّم السيد الصدر على باقي المؤسسين والقياديين في توجيه بوصلة حزب الدعوة خلال الفترة من العام (1957 إلى 1961)، ثم بقاءه مرشداً لحزب الدعوة وداعماً له؛ قد أقنع أجيال الدعاة والمؤرخين والمراقبين بأن السيد الصدر هو المؤسس الواقعي لحزب الدعوة، وقائده في أول أربع سنوات؛ ثم مرشده الفقهي والفكري بدءاً من العام 1961؛ ثم قائده عملياً مرة أخرى في السنة الأخيرة من حياته؛ أي حتى استشهاده (4). و أبرز أدلة هذه الحقيقة:
وهناك قرائن أخرى تؤكد جميعها أن السيد محمد باقر الصدر كان أبرز مؤسسي حزب الدعوة؛ بل أن مسيرة التأسيس وسنوات الحزب الأولى أفرزته القيادي المؤسسالأول، والأكثر تاثيراً
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإحالات
(1) من ندوة حوارية للسيد محمد مهدي الحكيم خلال العام 1984 مسجلة على أربعة أشرطة، وتم إصدارها من مركز دراسات تاريخ العراق الحديث في كتيب تحت عنوان «التحرك الإسلامي في العراق» في العام 1988؛ بعد إعادة صياغتها وتعديلها. كما دونت هذه المعلومة منه في لقاء معه في بيت السيد محمد باقر الحكيم في طهران خلال شباط من العام 1986.
(2) من مقابلات خاصة مع السيد حسن شبر خلال ثلاثة عقود.
(3) السيد حسن شبر، لقاء خاص، خلال العام 2015، وأيضاً مقابلة معه في جريدة البيان (البغدادية) في 15/9/2012.
(5) وتمظهر ذلك في دراسته الأولى التي كتبها في العام 1956؛ والتي تأسس حزب الدعوة استناداً إليها. انظر: علي المؤمن، «الفقه والسياسة: تطور الفقه السياسي الإسلامي حتى ظهور النظريات الحديثة»، ص 78.
(6) بعد دراسته الأولى كتب السيد محمد باقر الصدر عدداً نوعياً من النشرات الداخلية لحزب الدعوة؛ أهمها على الإطلاق «أسس حزب الدعوة الإسلامية»، المعروفة بـ «الأسس الإسلامية».
(7) انظر: «سنوات الجمر»، ص 89.
(8) المصدر السابق.
(9) ضمن لقاءاتي بالسيد موسى الخوئي خلال العام 2015.
(10) «سنوات الجمر»، ص 91.
(11) ضمن لقاءاتي بالشيخ عبد الحليم الزهيري والسيد حسن شبر خلال العام 2015.
(12) انظر تحليلاً عن القرار في كتاب «سنوات الجمر»، ص 340. واحمد ابو زيد، ج5، والشيخ محمد رضا النعماني، «سنوات المحنة»، ص 157.
(13) للمزيد راجع: علي المؤمن، جدليات الدعوة: حزب الدعوة الإسلامية وجدليات الإجتماع الديني والسياسي، ص 25- 48.